يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
لـَمَّا أعْرَضَ النّـاسُ عَنْ تحكيمِ الكتابِ والسنّةِ ، والمحاكمة إليهما ، 
واعْتقدوا عَدَمَ الاكتفاءِ بهما ، 
وعَدَلوا إلى الآراءِ ، والقياسِ ، والاسْتِحْسَانِ ، وأقوالِ الشيُوخِ ...
عَرَضَ لهُم مِنْ ذلكَ فسَادُ في فِطـَرِهِم ، وظـُلـْمَة في قلوبهم ، 
وَكَدَرُ في أفهامهم ، ومَحْـقٌ في عقولهم ، وعَمَّـتهم هذهِ الأمورُ ،
 وغَلـَبَتْ عليهم ...
حتـَّى : رَبـَى فيها الصغير ، وهَرَمَ عليها الكبير ، فلم يروها منكرا .
فجاءتهم دولة أخرى ...
قامتْ فيها البدعُ مقامَ السنن ، والنَّـفـْسُ مقامَ العقلِ ، 
والهوى مقامَ الرُشْدِ ، والضلال مقام الهدى ،
 والمنكرُ مقامَ المعروفِ ، والجهلُ مقامَ العلمِ ، 
والرياءُ مقامَ الإخلاصِ ، والباطلُ مَقامَ الحقِّ ، 
والكذبُ مقامَ الصدق ، والمُداهَنَة مَقامَ النّصيحةِ ، والظلم مَقامَ العدلِ . 
فصارتِ الدولةُ والغلبةُ لهذهِ الأمورِ ، وأهلها هُمُ المشارُ إليهم ، 
وكانت قبل ذلك لأضدادها ، وكان أهلها هم المشار إليهم .
فإذا رأيتَ دولة هذه الأمورِ قـَدْ أقـْبَـلـَتْ ، 
وراياتـُها قد نُصِبَتْ ، وجيوشُها قـَدْ رُكِبَتْ ، 
فـَبَطـْنُ الأرضِِ والله خَيرٌ مِن ظَهرِها ، 
وقـُلـَلُ الجبالِ خيرٌ من السهولِ ، 
ومخالطةُ الوحشِ أسلمُ من مخالطة الناسِ .
๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ 
اقشعرّتِ الأرضُ ، وأظلمتِ السماءُ ، 
وظهَرَ الفسادُ في البَرِّ والبَحرِ مِنْ ظـُلـْمِ الفجرةِ ، 
وذهَبَتِ البركاتُ ، وقـَـلـَّتْ الخيراتُ ، وهَزُلـَتْ الوحوشُ ، 
وتـَكَدَّرتْ الحياةُ مِنْ فِسْقِ الظـّـلـَمَةِ ، 
وبكى ضوءُ النهارِ وظلمةُ الليلِ مِنَ الأعمالِ الخبيثةِ والأفعالِ الفظيعةِ ،
 وشكا الكرامُ الكاتبونَ والمعقباتُ إلى ربِّهم مِنْ كثرةِ الفواحشِ ،
 وغلبة المنكراتِ والقبائحِ !!
وهذا - والله – مُنـْذِرٌ بـِسَيْلِ عذابٍ ، قـَدِ انعقدَ غَمَامُهُ ، 
ومُؤْذِنٌ بلـَيْلِ بلاءٍ ، قـَدِ ادْلـَهَمَّ ظَلامُهُ ، 
فاعْتـَزلوا عنْ طريقِ هذا السبيلِ بـِتوبةٍ نَصُوحٍ ، 
ما دامتِ التوبةُ مُمَكـَّنَةٌ ، وبابُها مفتوحٌ ،
 وكأنّكُمْ بالبابِ وقدْ أُغْلِقَ ، وبالرَّهْنِ وقدْ غَلِقَ ، وبالجَنَاحِ وقد عُلـِّقَ ، 
** وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ** [ الشعراء: من الآية227 ] .
๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑ ๑۩۞۩๑
اشْتَرِ نَفْسَكَ اليومَ فإنّ السوقَ قائمةٌ ، والثمَنُ مَوْجودٌ ، والبضائِعُ رَخيصَةٌ ، 
وسيأتي على تلك السوقِ والبضائعِ يومٌ لا تَصِلُ فيها إلى قليلٍ ولا كثيرٍ ،
 ** ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ** [ التغابن: من الآية9 ] ** يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ** [ الفرقان: من الآية27 ] .    
إذا أنْتَ لـمْ تَرحَلْ بزادٍ مِنَ التقى ... وأبْصَرْتَ يومَ الحَشْرِ مَنْ قـَدْ تَزوَّدا
نَـدِمْتَ على أنْ لا تكونَ كـَمِثلهِ ... وأنَّـك لم تـُرْصِدْ كَما كانَ أرْصـَدا
انتهى