_ درر من تفسير العلاّمة السّعدي رحمه الله عن اليقين والثقة بالله عز وجل
قال الله تعالى : « إلّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ
إذْ أخْرَجَهُ الّذين كَفَروا ثانيَ اثْنَين إذْ هُما في
الغارِ إذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنّ الله مَعَنا
فَأنْزَلَ اللهُ سَكينَتَهُ عَلَيْهِ وأيّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها
وجَعَلَ كَلِمَةَ الّذين كَفَروا السُّفْلَى وكَلِمَة اللهِ
هيَ العُلْيا واللهُ عَزيزٌ حَكِيمٌ » سورة التوبة 40
أي : إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فاللّه غني عنكم،
لا تضرونه شيئا، فقد نصره في أقل ما يكون وأذله
« إذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا » من مكة لما هموا بقتله، وسعوا في ذلك، وحرصوا أشد الحرص، فألجؤوه إلى أن يخرج .
« ثَانِيَ اثْنَين » أي : هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه .
« إذْ هُما في الغارِ» أي : لما هربا من مكة، لجآ إلى غار ثور في أسفل مكة، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب .
فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال .
« إِذْ يَقُولُ » النبي صلى الله عليه وسلم
« لِصَاحِبِهِ »
أبي بكر لما حزن واشتد قلقه،
« لا تَحْزَنْ إنّ اللهَ مَعَنا »
بعونه ونصره وتأييده .
« فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ » أي : الثبات والطمأنينة، والسكون المثبتة للفؤاد، ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال
« لا تحزن إن اللّه معنا »
« وأيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » وهي الملائكة الكرام، الذين جعلهم اللّه حرسا له،
« وجَعَلَ كَلِمَةَ الّذين كَفَرُوا السُّفْلَى » أي : الساقطة المخذولة،
فإن الذين كفروا قد كانوا على حرد قادرين، في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذه، حنقين عليه،
فعملوا غاية مجهودهم في ذلك، فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم، بل ولا أدركوا شيئا منه .
ونصر اللّه رسوله بدفعه عنه، وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع،
فإن النصر على قسمين : نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا، وقصدوا، ويستولوا على عدوهم ويظهروا عليهم .
والثاني نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر، فنصر اللّه إياه، أن يرد عنه عدوه، ويدافع عنه،
ولعل هذا النصر أنفع النصرين، ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع .
وقوله : « وكَلِمَةُ اللهِ هيَ العُلْيا » أي كلماته القدرية وكلماته الدينية، هي العالية على كلمة غيره، التي من جملتها قوله :
« وكانَ حَقًّا عَلَينا نَصْرُ المؤمِنينَ »
« إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا والّذينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ »
« وإنّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ »
فدين اللّه هو الظاهر العالي على سائر الأديان، بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة والسلطان الناصر .
« والله عَزيزٌ » لا يغالبه مغالب، ولا يفوته هارب،
« حَكِيمٌ » يضع الأشياء مواضعها، وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر، اقتضته الحكمة الإلهية .
___ ///// ------------
قال تعالى : « فَلَمّا تَرَاءَى الجَمْعانِ قَالَ أصْحَابُ مُوسَى إِنّا لَمُدْرَكُونَ » سورة الشعراء 61
فلما رأى كل واحد من الفريقين الآخر قال أصحاب موسى :
إنّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا .
« قالَ كَلَّا إنّ مَعيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ » سورة الشعراء 62
قال موسى لهم : كلَّا ليس الأمر كما ذكرتم فلن تُدْرَكوا
إن معي ربي بالنصر ,
سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم .