من أنواع الشكر لله ...سماحة الشيخ بن باز "رحمه الله"
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
من أنواع الشكر لله الشكر بالقلب و الخوف من الله ورجاؤه ومحبته حبا يحملك على أداء حقه وترك معصيته وأن تدعو إلى سبيله وتستقيم على ذلك .
ومن ذلك الإخلاص له والإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير .
ومن الشكر أيضا الثناء باللسان وتكرار النطق بنعم الله والتحدث بها والثناء على الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الشكر يكون باللسان والقلب والعمل . وهكذا شكر ما شرع الله من الأقوال يكون باللسان .
وهناك نوع ثالث وهو الشكر بالعمل . . . بعمل الجوارح والقلب ؛ ومن عمل الجوارح أداء الفرائض والمحافظة عليها كالصلاة والصيام والزكاة وحج بيت الله الحرام والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال كما قال تعالى : ** انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... ** الآية .
ومن الشكر بالقلب الإخلاص لله ومحبته والخوف منه ورجاؤه كما تقدم والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه : ** وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ** ، ومعنى تأذن : يعني أعلم عباده بذلك وأخبرهم أنهم إن شكروا زادهم وإن كفروا فعذابه شديد ، ومن عذابه أن يسلبهم النعمة ، ويعاجلهم بالعقوبة فيجعل بعد الصحة المرض وبعد الخصب الجدب وبعد الأمن الخوف وبعد الإسلام الكفر بالله عز وجل وبعد الطاعة المعصية .
فمن شكر الله عز وجل أن تستقيم على أمره وتحافظ على شكره حتى يزيدك من نعمه ، فإذا أبيت إلا كفران نعمه ومعصية أمره فإنك تتعرض بذلك لعذابه وغضبه ، وعذابه أنواع؛ بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة .
ومن عذابه في الدنيا : سلب النعم كما قال تعالى :** فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ **، وتسليط الأعداء وعذاب الآخرة أشد وأعظم كما قال سبحانه : ** فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ** وقال تعالى : ** اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ** فأخبر سبحانه أن الشاكرين قليلون وأكثر الناس لا يشكرون .
فأكثر الناس يتمتع بنعم الله ويتقلب فيها ولكنهم لا يشكرونها بل هم ساهون لاهون غافلون كما قال تعالى : ** وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ** فلا يتم الشكر إلا باللسان واليد والقلب جميعا . وبهذا المعنى يقول الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا
والمؤمن من شأنه أن يكون صبورا شكورا كما قال تعالى : ** إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ** فالمؤمن صبور على المصائب شكور على النعم ، صبور مع أخذه بالأسباب وتعاطيه الأسباب ، فإن الصبر لا يمنع الأسباب ، فلا يجزع من المرض ولكن لا مانع من الدواء .
فلا يجزع من قلة المزرعة أو ما يصيبها ولكن يعالج المزرعة بما يزيل من أمراضها ، فالصبر لازم وواجب ، ولكن لا يمنع العلاج والأخذ بالأسباب .
فالمؤمن يصبر على ما أصابه ويعلم أنه بقدر الله وله فيه الحكمة البالغة ويعلم أن الذنوب شرها عظيم وعواقبها وخيمة فيبادر بالتوبة من الذنوب والمعاصي .
فعليك أيها المسلم أن تتوب إلى الله عز وجل حتى يصلح لك ما كان فاسدا ويرد عليك ما كان غائبا . وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) ، فقد يفعل الإنسان ذنبا يحرم به من نعم كثيرة . قال تعالى : ** وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ** وقال جل وعلا : ** مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ... ** الآية ، وقال سبحانه : ** ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ** فالمصائب فيها دعوة للرجوع إلى الله وتنبيه للناس لعلهم يرجعون إليه .
فالعلاج الحقيقي للذنوب يكون بالتوبة إلى الله وترك المعاصي والصدق في ذلك ، ومن جملة ذلك العلاج : ما شرع الله من العلاج الحسي فإنه من طاعة الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام » فالمؤمن صبور عند البلايا في نفسه وأهله وولده شكور عند النعم بالقيام بحقه والتوبة إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « عجبا لأمر المؤمن فإن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له » رواه مسلم في الصحيح من حديث صهيب ابن سنان رضي الله عنه .
من موقع سماحة الشيخ بن باز "رحمه الله "