يشعر الكثير من الناس انهم احيانا في قمة العطاء وذروة التفاعل الاجتماعي الايجابي
ثم ما يلبثون ان يخبون شيئا فشيئا .....
ويفضلون الانسحاب مؤقتا ....ويدخلون ما يشبه الكهف داخلهم...
ويميلون الى الانفراد ، ويشعرون بالتعب.
والبعض الآخر يجدون انفسهم يتكسرون تدريجيا...حتى يصلون الى القاع.
ويشعرون خلال تكسّرهم بالوحدة والحاجة الى الدعم.
في الواقع وجدير بالذكر ، ان لذلك اسباب كثيرة
ولكننا هنا نخص بالذكر الاسباب النفسية العميقة وراءه
يميل البعض الى الابتعاد والاقتراب مرارا.....
او الصعود والهبوط مرارا.......
ومع الابتعاد او الهبوط .... تطفو مشاعرهم القديمة على السطح ،
فتعكس مشاعر الغضب او العجز او الحرمان او الالم القديمة
البعض مثل الاحزمة المطاطية .... عندما ينسحبون يستطيعون الابتعاد بقدر معين
فقط قبل ان يرتدّوا الى الخلف
ان الحزام المطاطي هو المجاز المثالي لفهم ما يحدث داخلهم
وهذا يقتضي الاقتراب ، ثم الانسحاب ، ثم الاقتراب
أي ينأى بنفسه ، ثم يعود بنفسه
وقد يعود بنفس درجة العطاء والتفاعل والقبول السابقة،
أو يعود متحفزا اكثر للعطاء والمشاركة،
ومن الممكن ....ان يعود متخوفا لا يحمل أي فكرة عن مقدار الترحيب به ثانية.
قد لا يكون سبب هذا الانسحاب ... التفكير في مشكلة معينة ، او ايجاد اجابة مناسبة لسؤال ما...
الشخص في هذه الحالة ينسحب لاشباع حاجاته للحرية والاستقلال،
ربما يشعر انه اصبح معتمدا على غيره بصورة اكثر من اللازم،
وعندما يبلغ مداه بالكامل ، يرتد فورا بعد ذلك الى الوراء.
وكل ذلك يتشكل بسبب تجارب مؤلمة في الصغر،
عدم وجود شخص يُعتمد عليه في المراحل الحرجة،
او فقدان لشخص عزيز كان يعتمد عليه،
فيبتعد مرارا عمن حوله ، خوفا من الاعتماد عليهم ،
لتوقعه المستمر بأنه سوف يفقدهم.
وعند البعض الآخر .....
فقط يشعر انه يحتاج الى بعض الوقت ليكون بمفرده حتى يكون مع نفسه،
بحيث لا يكون مسؤولا عن أي شخص آخر....
ويخيّل اليه انه وبدرجة معينة فقد اتصاله واحساسه مع ذاته ،
عن طريق الاتصال بالآخرين واحساسه بحاجاتهم ومشكلاتهم
فهو يأخذ وقته ليعتني بنفسه ،
وهذا الانسحاب سيمكنه من اعادة ترسيخ حدوده الشخصية .
والبعض الآخر من الناس مثل الامواج....
عندما يشعر بأنه محبوبا ممن حوله يزداد تقديره لذاته ،ويشعر بالرضا عن النفس.
وتستمر موجته في الارتفاع الى ان يصل الى الذروة ،
ولكن من الممكن بعد ذلك ان يتبدل مزاجه وتتكسر موجته ،
ويهبط في حركة تموجية الى القاع
ويرافقه في هذا النزول المشاعر السلبية ، فيعيد تفسير بعض المواقف التي حصلت وحملت بعض المشاعر اللا ايجابية و التي قمعها عندما كان في موجته المرتفعة ،
فيشعر بعدم الرضا عن الذات...
ويحسّ بفراغ داخلي كبير ، وحاجة شديدة الى مزيد من التقدير والاطراء،
ويحتاج بصورة خاصة الى التحدث عن نفسه ، ويحتاج من ينصت اليه ،
حتى يتبدل مزاجه ويشعر برضا عن النفس، لتبدأ موجته بالتحرك الى اعلى مرة اخرى.
وتشبه هذه الحالة كثيرا النزول في بئر مظلمة ، وما يحمله من ظلام ومشاعر متناثرة
فيشعر الشخص انه وحيد ومثقل بالهموم وغير مدعوم ،
ويصبح اكثر حساسية ، وحاجة الى الدعم النفسي ، ليتمكن من التحسن.
ان قدرة البعض على العطاء والقبول وتقدير الآخرين ،
هي انعكاس لكيفية شعوره تجاه نفسه
فعندما لا يشعر بالرضا عن نفسه كما ينبغي ،
يكون غير قادر على تقبل وتقدير الاخرين.
وقد يعود ذلك الى اسباب تتمثل في ضعف الثقة بالنفس،
نتيجة لعدم الحصول على القبول والترحيب و التقدير والرضا عن النفس الكافي في الصغر.
ان الشخص الذي يحتاج الى الانسحاب كثيرا ، او الهبوط مرارا
يحتاج اولا الى ان يتعلم الانصات للآخرين ،
قبل ان يتمكن من تعلم المشاركة والانفتاح المستمر ،
ويفهم كيف يكون واعيا لما يريد ان يصرّح به من حديث او يقوم به من افعال.
والاستبصار بالفروق بين دوافع الناس ونفسياتهم وحاجاتهم ....
يساعدنا على ان نصبح اكثر تسامحا وتحملا ،
عندما لا يتجاوب معنا احد بالطريقة التي نعتقد انه يجب ان يتبعها.