الإيمان بالقدر وبيان ما يتضمنه
س : ما هو معنى القدر لغةً وشرعاً ؟
ج : القدر : مصدر قدرت الشيء إذا أحطت بمقداره .
والمراد به هنا : تعلق علم الله بالكائنات وإرادته لها أزلًا قبل وجودها . فلا حادث إلا وقد قدره الله[1] .
س : ما هي منزلة الإيمان بالقدر ؟
ج : الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة، وهو الإيمان بالقدر خيره وشره ، وفي قول المؤلف رحمه الله : ( وتؤمن الفرقة الناجية ـ أهل السنة والجماعة ـ بالقدر خيره وشره ) إشارة إلى أن من لم يؤمن بالقدر فليس من أهل السنة والجماعة .
س : اذكر دليلاً على هذه المنزلة ؟
ج : حديث جبريل حين سأل النبي r عن الإيمان، فقال : ( الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) فجعل r الإيمان بالقدر سادس أركان الإيمان فمن أنكره فليس بمؤمن ، كما لو لم يؤمن بغيره من أركان الإيمان .
س : ما هو المراتب الأربع التي يشتمل عليها الإيمان بالقدر ؟
ج : هي كما يلي :
1 - الأولى : علم الله الأزلي والأبدي[2]بكل شيء ، ومن ذلك عليه بأعمال العباد قبل أن يعملوها .
2 - الثانية : كتابة ذلك في اللوح المحفوظ[3] .
3 - الثالثة : مشيئته الشاملة وقدرته التامة لكل حادث .
4 - الرابعة : إيجاد الله لكل المخلوقات وأنه الخالق وما سواه مخلوق .
س : قال المؤلف في تفصيله مراتب القدر : (( فالدرجة الأولى : الإيمان بأن الله تعالى عليم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلًا وأبدًا . وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق )) .
وفي هذه الفقرة جمع بين مرتبتين - من مراتب الإيمان بالقدر - وجعلهما مرتبةً واحدة ، فما هما ؟
ج : المرتبتان هما :
1 - المرتبة الأولى : الإيمان بعلم الله[4]المحيط بكل شيء من الموجودات والمعدوماتومن ذلك علمه بأعمال الخلق من الطاعات والمعاصي وعلمه بأحوالهم من الأرزاق والآجال وغيرها .
2 - المرتبة الثانية : مرتبة الكتابة ، وهي أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فما يتحدث شيء في الكون إلا وقد علمه الله وكتبه قبل حدوثه .
س : أي مراتب القدر يدل عليها الحديث التالي :
قال رسول الله r : (( أول ما خلق الله القلم . فقال له : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة )) فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، جفت الأقلام وطويت الصحف )) ؟
ج : أن هذا الحديث يدل على مرتبة الكتابة وأن المقادير كلها مكتوبة .
س : ما هو ضبط قوله : ( أول ما خلق الله القلم ) ؟
ج : 1 - روي بنصب ( أولَ ) و ( القلمَ ) على أن الكلام جملة واحدة ومعناه : أنه عند أولِ خلقِهِ القلمَ قال له : اكتب .
2 - وروي برفع ( أولُ ) و ( القلمُ ) على أن الكلام جملتان : الأولى ( أول ما خلق الله القلم ) ، و ( قال له اكتب ) جملة ثانية . فيكون المعنى : أن أول المخلوقات من هذا العالم القلم .
هل عبارة : ( فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه . . إلخ ) في الحديث السابق هي من كلام النبيr ؟ وما معناها ؟
ج : كلا ، وإنما هي من كلام عبادة بن الصامت راوي الحديث ، ومعناها : أن ما يصيب الإنسان مما ينفعه أو يضره فهو مقدر عليه لابد أن يقع به ولا يقع به خلافه .
س : وما معنى قوله - في نفس العبارة السابقة - : ( جفت الأقلام وطويت الصحف ) ؟
ج : كناية عن سبق كتابة المقادير والفراغ منها ، وهو معنى ما جاء في حديث ابن عباس : ( رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي .
س : قال تعالى ** أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ** ما هو غرض الاستفهام في الآية ؟ وأين إشارة الآية إلى مرتبتي : العلم والكتابة ؟
ج : 1 – الاستفهام في قوله ** أَلَمْ تَعْلَمْ ** : للتقرير ، أي : قد علمت يا محمد وتيقنت .
2 – أشارت الآية إلى :
أ - مرتبة العلم : في قوله تعالى ** أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ ** ، فيه إحاطة علمه بالعالم العلوي والعالم السفلي .
ب – مرتبة الكتابة : في قوله ** إِنَّ ذَلِكَ[5]فِي كِتَابٍ ** أي : أن إحاطة علمه بما في السماء والأرض وكتابته يسير عليه .
س : وما هو الشاهد من الآية السابقة ؟
ج : الشاهد من الآية الكريمة : أن فيها إثبات علم الله بالأشياء ، وكتابتها في اللوح المحفوظ، وهذا هو ما تتضمنه الدرجة الأولى التي ذكرها المؤلف رحمه الله ؟
س : قال تعالى ** مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ** ، اذكر أمثلة على المصائب في الأرض وفي النفس ؟ وما المقصود بـ ** الكتاب ** ؟ وما معنى ** نبرأها ** ؟
ج : 1 - ** مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ ** كقحط المطر وضعف النبات ونقص الثمار ** وَلا فِي أَنفُسِكُمْ ** كالآلام والأسقام وضيق العيش .
2 - ** فِي كِتَابٍ ** أي : مكتوبة في اللوح المحفوظ .
3 - ** مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ** أي : قبل أن نخلقها ونوجدها .
س : قال تعالى في الآية السابقة ** إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ** فما الذي يشير إليه قوله تعالى ** ذلك ** ؟
ج : أن إثباتها في الكتاب - على كثرتها - يسير على الله سبحانه .
س : ما هو الشاهد من الآية السابقة ؟ وهل هي تدل على مرتبة الكتابة فقط ؟
ج : الشاهد من الآية الكريمة : أن فيها دليلاً على كتابة الحوادث في اللوح المحفوظ قبل وقوعها ، ويتضمن ذلك علمه بها قبل الكتابة فهي دليل على مرتبتي العلم والكتابة .
س : أشار المؤلف رحمه الله إلى أن تقدير الله سبحانه على نوعين فما هما ؟
ج : 1 – النوع الأول : أشار إليه بقوله : ( وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة ) أي : تقدير عام شامل لكل كائن ، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ[6] .
2 – وأشار إليه المؤلف بقوله : ( وتفصيلاً ) أي : تقديرًا خاصًا ، وهو تفصيل للقدر العام .
س : ما هي أنواع التقدير الخاص ( مع ذكر دليل لكل منها ) ؟
ج : هو ثلاثة أنواع :
1 ـ التقدير العمري، كما في حديث ابن مسعود في شأن ما يكتب على الجنين في بطن أمه من أربع الكلمات : رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته .
2 ـ تقدير حولي : وهو ما يقدر في ليلة القدر من وقائع العام كما في قوله تعالى : ** فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ** .
3 ـ تقدير يومي : وهو ما يقدر من حوادث اليوم من حياة وموت وعز وذل إلى غير ذلك . كما في قوله تعالى : ** كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ** ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : (( إن الله خلق لوحًا محفوظًا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابته نور وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء . فكذلك قوله سبحانه : ** كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ** )) .[7]
س : هل هناك من ينكر القدر ( بنوعيه : العام والخاص ) ؟
ج : ( قد كان ينكره غلاة القدرية ) أي : المبالغون في نفي القدر فينكرون علم الله بالأشياء قبل وجودها وكتابته لها في اللوح المحفوظ وغيره، ويقولون : إن الله أمر ونهى وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه فالأمر أُنُف . أي : مستأنف لم يسبق في علم الله وتقديره ، وهؤلاء كفَّرهم الأئمة .
س : وهل هؤلاء الغلاة موجودون اليوم ؟
ج : بل إنهم انقرضوا ؛ ولهذا قال المؤلف : ( ومنكروه اليوم قليل ) وبقيت الفرقة التي تقر بالعلم ، ولكن تنفي دخول أفعال العباد في القدر وتزعم أنها مخلوقة لهم استقلالاً لم يخلقها الله ولم يردها .
س : ما هي الدرجة الثانية التي أشار إليها المؤلف ؟ وما الذي تتضمنه ؟
ج : هي الإيمان بمشيئة الله وخلقه وإيجاده لكل شيء .
وهذه الدرجة تتضمن مرتبتين :
1 - أشار إلى الثالثة[8]بقوله : ( فهي مشيئة الله النافذة[9]وقدرته الشاملة[10] ) والنافذة : هي الماضية التي لا راد لها، والشاملة : هي العامة لكل شيء من الموجودات والمعدومات .
2 - وقوله : ( فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه ) هذا فيه إشارة إلى المرتبة الرابعة[11]وهي مرتبة الخلق والإيجاد ، فكل ما سوى الله فهو مخلوق وكل الأفعال خيرها وشرها صادرة عن خلقه وإحداثه لها ( لا خالق غيره ولا رب سواه ) .
س : أي الدرجات السابقة هي التي يكذب بها عامة القدرية الآن ؟
ج : هي عموم ( مشيئته وإرادته لكل شيء ) ، وعموم ( خلقه لكل شيء ) ، وأن العباد فاعلون حقيقة ( والله خالقهم وخالق أفعالهم ) ؛ حيث يزعمون أن العبد يخلق فعل نفسه بدون مشيئة الله وإرادته
س : أعد ذكر المراتب الأربع السابقة باختصار ؟
ج : مراتب الإيمان بالقدر أربع :
1 – العلم . 2 – الكتابة . 3 - المشيئة والإرادة . 4 - والخلق والإيجاد .
فما من شيء يحدث إلا وقد : علمه الله ، وكتبه ، وشاءه ، وأراده وأوجده .
[1]أي : سبق علمه به وتعلقت به إرادته .
[2]الأزل : القدم الذي لا بداية له ، والأبد : هو الدوام في المستقبل الذي لا نهاية له .
[3]( اللوح المحفوظ ) وهو أم الكتاب ( المحفوظ ) من الزيادة والنقصان فيه .
[4]هذا العلم الذي هو صفة من صفاته تعالى الذاتية التي لا يزال متصفا بها أزلًا وأبدًا .
[5]قوله تعالى ** ذلك ** إشارة إلى الذي في السماء والأرض من معلوماته .
[6]وهو ما تقدم الكلام حوله قبل قليل .
[7]رواه الحاكم ( 2/474 ) ، ( 519 ) وصححه ! وابن جرير الطبري ( 27/135 ) وأبو الشيخ في ( العظمة ) ( 2/492 ) والبيهقي في ( الأسماء والصفات ) ( 828 ) .
[8]أي : الثالثة من مراتب القدر التي سبقت الإشارة إليها في الأسئلة السابقة .
[9]قال الشيخ : (( ومعنى الإيمان بهذه المرتبة اعتقاد : ( أن ما شاء الله كان ) أي : وجد ( وما لم يشأ لم يكن ) أي : لم يوجد ( وأنه ما في السموات من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله ) أي : لا يحصل شيء من ذلك إلا وقد شاءه الله سبحانه ، ( لا يكون في ملكه ما لا يريد ) وقوعه كونًا وقدرًا )) .
[10](قال الشيخ : (( أي : ( أنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات ) لدخولها تحت عموم ( كل شيء ) فالله قد أخبر في آيات كثيرة أنه على كل شيء قدير )) .
[11]أي : الرابعة من مراتب القدر التي سبقت الإشارة إليها في الأسئلة السابقة .