أخلاق الصائمين (1)
خميس النقيب
طوبى لمن أحسن ضيافته، وأجمل وفادته، وأكرم زيارته، جاءنا شهر رمضان موسم من مواسم الطاعة، سوق من أسواق الحسنات يظللنا، ومحطات للتزود، يتزود المؤمن من خلالها في طريقه إلي الله، فينضج ايمانا ويتجلى إحسانا، ويعلو سلوكا، ويسمو أخلاقا!! يتعبد المؤمن في ردهاتها لله، دواء لكل داء، وزاد لكل سفر، وشفاء من كل مرض، ونجاة من كل خطر، كيف؟!!.. إنها رحمة.. إنها وقاية.. إنها حفظ ورعاية، يرحم الله عز وجل عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا فضلًا عن الآخرة، ومن رحمته بهم، أن جعل لهم مواسم رحمة، مواسم طاعة، مواسم قرب منه جل وعلا، جعل الله لهم في أيام دهرهم نفحات، هذه النفحات تأتينا نفحة بعد نفحة، وقربة بعد قربة، ونعمة بعد نعمة، وفرصة بعد فرصة، لماذا؟ تذكرنا بالله إذا نسينا، وتنبهنا بالحق إذا غفلنا، وتدفعنا للخير إذا فترنا، ومن أعظم مواسم الخير، ومن أفضل مواسم الرحمة، ومن احلي مواسم الطاعة ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 185]، فطوبي لمن جاءه رمضان فوجده جوادا كريما، أطعم أفواها، وكسي أجسادا، ورحم أيتاما، وجعل يده ممرا لعطاء الله عز وجل، هذه رحمات من ربكم فتعرضوا لها، هذه نفحات من ربكم فعيشوها، وتنفسوها، لعل أحدكم تصيبه نفحة فلا يشقي بعدها أبدا، يقول النبي صلي الله عليه وسلم (افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم) حسن.
معوقات الصيام:
بعض الإعمال قد تضيع علي أصحابها فإياك إياك -أخي الصائم- أن يضيع عملك في رمضان وأنت تحسب انك تحسن إلي الله صنعا..! َ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4-5].... ﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ ﴾ [التوبة: 53].... ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 80] ما أكثر النافقين، الذين شوشوا علي الناس، ووسوسوا في عقول الشباب، ودمروا المجتمع ﴿ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142] إنهم مضرة الأمم، وفساد الشعوب، يطلون عبر الفضائيات وفي الافلام والمسلسلات وفي الجرائد والمجلات، لقد نهي النبي - صلي الله عليه وسلم - أن يستغفر لأحدهم، أو أن يصلي عليه، أو أن يقم علي قبره، لفساد قلوبهم، ولعظم جرمهم. ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145] كل امة تهلك أو تضيع بسبب منافقيها، وما أكثرهم، طابور خامس وغيره...
احترس:
(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) هذا الذي يضيع الصوم، أما (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه) هذا الذي يثبت الصوم ويأجره...إيمانا بأنه من الله ولله.. واحتسابا بأن الذي يجازي عليه هو الله، الصوم تزكية لنفسك، تطهيرا لضميرك، تقوية لبدنك، وصحة لجسدك.
صوموا تصحوا إياك أن تخلط الأمور، وإياك أن تعبث في هذا العمل، وإياك أن تشوبه بشائبة، إن الله مطلع علي قلبك يعلم ما فيه ﴿ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 29].
امرأة ضيعت صومها..، صامت عن الحلال وأفطرت علي الحرام (عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا وأن رجلا قال يا رسول الله إن هاهنا امرأتين قد صامتا وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش فأعرض عنه أو سكت ثم عاد وأراه قال: بالهاجرة قال: يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا قال: ادعهما قال: فجاءتا قال: فجيء بقدح أو عُسٍّ فقال لإحداهما: قيئي؛ فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملأت نصف القدح، ثم قال للأخرى: قيئي فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان من لحوم الناس) في الترغيب والترهيب.
لكن كانت المرأة المؤمنة على أيام الصحابة تقول لزوجها إذا خرج للعمل أو غيره ( تق الله فينا ولا تطعمنا من حرام إنا إن نصبر علي جوع الدنيا خير لنا من أن نصبر علي نار جهنم).
إنما الصوم الأرقي:
إن تصلح النية، وتخلص القلب، وتمسك الجوارح كلها عن ما حرم الله فتصوم العين عن النظرات الخائنة، وتنظر في آيات الله القرآنية والكونية، وتصوم الأذن عن سماع اللغو و الغيبة، وتتلقف الذكر والكلم الطيب، ويصوم اللسان عن تجرح الناس، وهتك أعراضهم، ويتلو كتاب ربه ويرطب بالذكر والدعاء والحمد والثناء، وتصوم البطن عن الحلال والحرام في رمضان لتمتنع عن الحرام بعد رمضان، ويصوم العقل عن المكر السيئ، ويفكر فيما خلق الله من سيء، وتصوم القدم عن السير في مواطن الشبهات وأماكن ظلم البلاد والعباد، وتمشي في الظلم إلي بيوت الله، والي ميادين الإصلاح بين الناس، أن تصوم اليد عن البطش والسرقة وتتحول إلي ممر لعطاء الله، بهذا يتحقق الصوم المطلوب ويؤتي ثماره.
قال جابر - رضي الله عنه -: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمحارم،ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
ثم يعلو قدر الصائم أكثر بالقرآن، فشهر رمضان ما علا قدره إلا بالقرآن: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾) [الدخان: 3] وجعل العبادة ليلة نزوله خيرًا من ألف شهر، ومن هنا كان للصائم في رمضان حالة خاصة مع كتاب الله تلاوة وحفظًا وتدبرًا ودعوة.
لذلك يكون الجزاء الأوفى:
﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 41] من الله الذي لا يعطيه إلا هو (كل عمل بن ادم له إلا الصوم فانه لي وأنا أجزي به) ، وينطلق صاحبه صوب الجنة فيدخل من باب الريان المخصص للصائمين فإذا دخلوا أغلق دونهم ) صحيح.
يفرح صاحبه في الدنيا في الدنيا والآخرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) صحيح ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
رائحة فم صاحبة أفضل عند الله من المسك (ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) صحيح، وإذا دخل صاحبه الجنة، نودي ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24] والملائكة تدخل عليه فتقدم له التهنئة بالفوز بالجنة والنجاة من النار ﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ﴾ [الرعد: 23].
فاتقوا ربكم وصوموا شهركم وصلوا خمسكم وأدوا زكاتكم وحجوا بيت ربكم.. تصلحوا فساد قلوبكم وتنالوا جنة ربكم. اللهم تقبل منا الصيام والقرآن والقيام، اللم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا خافك ولا يرحمنا، إنك نعم المولي ونعم النصير، وصلي اللهم علي سيدنا محمد علي وأهه وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
شبكة الالوكة