قوله : ( قالت الخامسة : زوجي إن دخل فَهِد ، وإن خرج أَسِد ، ولا يسأل عما عهد )
قال أبو عبيد : فهذه بفتح الفاء وكسر الهاء مشتق من الفهد ، وصفته بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له .
وقال ابن حبيب : شبهته في لينه وغفلته بالفهد ، لأنه يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم .
وقوله أسد بفتح الألف وكسر السين مشتق من الأسد أي يصير بين الناس مثل الأسد .
وقال ابن السكيت : تصفه بالنشاط في الغزو
وقال ابن أبي أويس : معناه إن دخل البيت وثَبَ عَلَيَّ وُثوب الفهد ،
وَإِنْ خَرج كان في الإقْدام مثل الأسد ،
فعلى هذا يحتمل قوله وثب على المدح والذم ،
فالأول تشير إلى كَثرة جِماعه لها إذا دخل
فينطوي تحت ذلك تَمَدُحَها بأنها محبوبة لديه بحيث لا يصبر عنها إذا رآها ،
والذم إما من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة ،
بل يثب وثوبا كالوحش ،
أو من جهة أنه كان سيئ الخلق يبطش بها ويضربها ،
وإذا خرج على الناس كان أمره أشد في الجرأة والإقدام والمهابة كالأسد .
قال عياض : فيه مطابقة بين خرج ودخل لفظية ، وبين فهد وأسد معنوية ، ويسمى أيضا المقابلة .
وقولها : ( ولا يسأل عما عهد )
يحتمل المدح والذم أيضا ،
فالمدح بمعنى أنه شديد الكرم كثير التغاضي لا يتفقد ما ذهب من ماله ،
وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك ، أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب ، بل يسامح ويغضي .
ويحتمل الذم بمعنى أنه غير مبال بحالها
حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة
وغاب ثم جاء لا يسأل عن شيء من ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته ،
بل إن عرضت له بشيء من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب ،
وأكثر الشراح شرحوه على المدح ، فالتمثيل بالفهد من جهة كثرة التكرم أو الوثوب ،
وبالأسد من جهة الشجاعة ، وبعدم السؤال من جهة المسامحة .
وقال عياض : حمله الأكثر على الاشتقاق من خلق الفهد إما من جهة قوة وثوبه
وإما من كثرة نومه ، ولهذا ضربوا المثل به
فقالوا : أنوم من فهد ،
قال : ويحتمل أن يكون من جهة كثرة كسبه لأنهم قالوا في المثل أيضا : أكسب من فهد ،
وأصله أن الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتي فيتصيد عليها كل يوم حتى يشبعها ،
فكأنها قالت : إذا دخل المنزل دخل معه بالكسب لأهله كما يجيء الفهد لمن يلوذ به من الفهود الهرمة .
ثم لما كان في وَصْفِها له بِخُلق الفهد ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة النوم رفعت اللبس بوصفها له بخلق الأسد ،
فأفصحت أن الأول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة في العشرة ، لا سجية جبن وخور في الطبع .
قال عياض : وقد قلب الوصف بعض الرواة يعني كما وقع في رواية الزبير بن بكار فقال :
إذا دخل أسد وإذا خرج فهد ،
فإن كان محفوظا فمعناه أنه إذا خرج إلى مجلسه كان على غاية الرزانة والوقار وحسن السمت ،
أو على الغاية من تحصيل الكسب ،
وإذا دخل منزله كان متفضلا مواسيا
لأن الأسد يوصف بأنه إذا افْتَرَسَ أكل من فريسته بعضا وترك الباقي لمن حوله من الوحوش ولم يهاوشهم عليها ،
وزاد في رواية الزبير بن بكار في آخره
( ولا يرفع اليوم لغد ) يعني لا يدخر ما حصل عنده اليوم من أجل الغد ،
فَكَنّتْ بذلك عن غاية جُودِه ،
ويحتمل أن يكون المراد أنه يأخذ بالحزم في جميع أموره
فلا يؤخر ما يجب عمله اليوم إلى غده .
( يتبع ) ..…..........................