قوله : ( قالت السادسة : زوجي إن أكل لف ، وإن شرب اشتف ، وإن اضطجع التف ، ولا يولج الكف ليعلم البث )
والمراد باللف الإكثار منه واستقصاؤه حتى لا يترك منه شيئا
وقال أبو عبيد : الإكثار مع التخليط ،
يقال : لف الكتيبة بالأخرى إذا خلطها في الحرب ، ومنه اللفيف من الناس ،
فأرادت أنه يخلط صنوف الطعام من نهمته وشرهه ثم لا يبقي منه شيئا .
وحكى عياض رواية من رواه " رف " بالراء بدل اللام قال : وهي بمعناها ،
وبرواية من رواه " اقتف " بالقاف قال : ومعناه التجميع ،
قال الخليل : قفاف كل شيء جماعه واستيعابه ، ومنه سميت القفة لجمعها ما وضع فيها ،
والاشتفاف في الشرب استقصاؤه مأخوذ من الشفافة بالضم والتخفيف وهي البقية تبقى في الإناء ،
فإذا شربها الذي شرب الإناء قيل : اشتفها .
وقوله " التف " أي رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله إعراضا ،
فهي كئيبة حزينة لذلك ،
ولذلك قالت " ولا يولج الكف ليعلم البث "
أي لا يمد يده ليعلم ما هـي عليه من الحزن فيزيله .
ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفشل الكسل ،
والمراد بالبث الحزن ويقال شدة الحزن ،
ويطلق البث أيضا على الشكوى وعلى المرض وعلى الأمر الذي لا يصبر عليه ،
فأرادت أنه لا يسأل عن الأمر الذي يقع اهتمامها به ،
فوصفته بقلة الشفقة عليها وأنه لو رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها كعادة الأجانب فضلا عن الأزواج ،
أو هو كناية عن ترك الملاعبة أو عن ترك الجماع كما سيأتي .
وقالوا : إنما شكت منه وذمته واستقصرت حظها منه ،ودل على ذلك قولها قَبْلُ
( وإذا اضطجع التف ) كأنها قالت إنه يتجنبها ولا يُدْنيها منه ولا يدخل يَدَيْه في جنبها فيلمسها
ولا يباشرها ولا يكون منه ما يكون من الرجال
فيعلم بذلك محبتها له وحزنها لقلة حظها منه ،
وقد جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل والهمة والمهانة وسوء العشرة مع أهله ،
فإن العرب تذم بكثرة الأكل والشرب وتتمدح بقلتهما وبكثرة الجماع لدلالتها على حصة الذكورية والفحولية .
ويحتمل أن يكون معنى قولها
( ولا يولج الكف )
كناية عن ترك تفقده أمورها وما تهتم به من مصالحها ،
وهو كقولهم : لم يدخل يده في الأمر أي لم يشتغل به ولم يتفقده ،
وهذا الذي ذكره احتمالا جزم بمعناه ابن أبي أويس فإنه قال : معناه لا ينظر في أمر أهله ولا يبالي أن يجوعوا .
وقال أحمد بن عبيد بن ناصح : معناه لا يتفقد أموري ليعلم ما أكرهه فيزيله ،
يقال : ما أدخل يده في الأمر أي لم يتفقده
( يتبع ) ....................