لطائف قرآنية
ألف العزة: العبـــاد..
وردت كلمة ((عباد)) حوالي مائة مرة في القرآن، وهي في معظم هذه المرات وصِف بها
المسلمون المطيعون لله، حيث وصف بها المسلمون، وأطلقت عليهم في أكثر من تسعين مرة.
ولهذا لا نخطئ إذا قلنا: إنّ غالب كلمة ((عباد)) في القرآن، يراد بها المسلمون العابدون لله.
قال تعالى: (( وَعِبَادُ الرَّحمانِ الَّذِينَ يمشُون علىالأرضِ هوناً )) سورة الفرقان(63)
وعندما ننظر في صياغة هذه الكلمة ((عباد)) وتركيب حروفها، فإننا نجدها بالألف في وسطها.
نستخرج من ذلك لطيفةً من لطائف القرآن.
إن هذه الألف الممدودةَ ((عباد)) توحي بالعزةِ والمنعة والأنفة والرفعة، وكأنها مرفوعة
الرأس ، منصوبة القامة باستمرار.
ولهذا أطلقنا على هذه الألف: ((ألف العزة)).
وهذه العزة والمنعة والأنفة والرفعة نلحظها في حياة العباد المؤمنين المطيعين لله.
فالعباد المؤمنون يعيشون حياتهم في الدنيا بعزة ورفعة واستعلاء يحاربون الظلم،
وينفرون من الذل، قاماتهم عزيزة منتصبة، لا يحنونها إلا لله،
ورؤوسهم مرتفعة عزيزة لا يخفضونها إلا لله.
ويواجه العبد المؤمن كل قوى الجاهلية، بعزة العقيدة، واستعلاء الإيمان.
إنه مهما جرى له، لا يحني هامته إلا لله، ومها هدد وأوذي وضيق عليه وعذب،
لا يطأطئ رأسه إلا لله.
ونظراً لعزة العباد المؤمنين ، جاء التعبير عنهم بكلمة ((عباد)).
وجاءت الألف القائمة المنتصبة (( ألف العزة)) وسطها،
لتشير إلى هذا المعنى!!!
ياء الذلةِ: العبيد..
إذا كانت ألف ((العباد)) ألف العزة، فإن ياء (( العبيد)) هي ((ياء الذلة))!
إذا كان غالب استعمال ((عباد)) في القرآن للمؤمنين،
فإن كلمة ((عبيد)) في القرآن، وردت وصفاً للكفار والعصاة.
العبيد في القرآن: الكفار
وردت كلمة ((عبيد)) خمس مرات في القرآن الكريم:
1_ قال تعالى عن كفر اليهود: (( لقد سمِع اللهُ قول الذين قالوا إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياءٌ سنكتبُ
ما قالوا وقتلهُمُ الأنبياء بغيرِ حقٍ ونقولُ ذوقوا عذاب الحريق (*) ذلك بما قدمت أيديكُم وأنّ الله ليس
بِظَلامٍ للعبيد))
2_ وعن عذاب الكفار عند الاحتضار يقول الله تعالى: (( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملآئكة يضربون
وجُوهَهُم وأدبارهم وذُقوا عذاب الحريق (*) ذلك بما قدمت أيديكُم وأن الله ليس
بِظَلامٍ للعبيد))
3ـ وفي موضع آخر يقول الله عن عذاب الكافر: (( ومن الناس من يُجادل في الله بغير علمٍ ولا
هدىً ولا كتابٍ منير (*) ثَانِيَ عِطفِهِ لِيُضِلَّ عن سبيل الله له في الدنيا خزيٌ ونذيقه يوم القيامةِ
عذاب الحريق (*) ذلك بما قدَّمت يداك وأنّ الله ليس بِظَلامٍ للعبيد))
4_وعن عدلِ الله في منحِ الثواب للمحسن، وإيقاع العذاب بالكافر،
يقول تعالى: ((من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربُّك بِظَلامٍ للعبيد))
5_ وفي موضعٍ آخر يبيِّن عدلَ الله في تعذيب الكافر: (( قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في
ضلال بعيد (*)قال لا تختصموا لدىَّ ةقد قدمتُ إليكم بالوعيد (*) ما يُبدَّلُ القولُ لدىَّ وما أنا بِظَلامٍ
للعبيد))
وعندما ننظر في هذه الآيات، فإننا نخرج منها بهذه الإيحاءات واللطائف:
1_ وردت (( العبيد )) في المواضيع الخمسة في الكلام عن الكفار
2_ تيِّنُ المواضع الخمسة عدل الله في إدخال الكفار النار، وجعلهم يذقون عذاب الحريق.
3_ كلها تنفي الظلم عن الله: (( وما ربُّك بظلامٍ للعبيد ))
4_ وردت في المواضع كلها بهذه العبارة المنفية: ((...... بظلامٍ للعبيد ))
عبيد لتناسب ذل الكفار
إن التعبير عن الكفر بكلمة ((عبيد)) يوحي بالذلة الملازمة للكفار.
الكفار أذلاء جبناء ضعفاء مهانون، لا يريدون العزة والرفعة، ولا يشعرون بالكرامة والأنفة.
تجدهم أحرص الناس على حياة، وتراهم يذلون أمام المتسلطين الظالمين، لإن المهم عندهم هو أن
يتكرم عليهم ذلك المتسلط الظالم بالحياة... أي حياة.
الكفار أذلاء..
أذلاء في حياتهم..
وفي أشخاصهم..
وفي مواقفهم.
ولأن كلمة (( عبيد )) وردت في القرآن وصفاً لهولاء الكفار الأذلاء، جاءت بالياء،
التي تشير إلى الذلة في حياتهم.
إن (( الياء )) هنا، هي (( ياءُ الذلة )) الملازمة لهم، بل أن صياغة الكلمة توحي بالذلة،
لأن الياء جاءت وسط الكلمة منبطحةً ملقاةً بذلة.
منقول من كتاب لطائف قرآنية
للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي