د. طارق الحبيب
اعتاد الناس في مجالسهم حينما يكون بين الحضور طبيب أن يدور الحوار حول بعض الأمراض، وعن الجديد الذي توصل إليه الطب، ويتسابق الحضور بكل جرأة، وبمسمع من الجميع في الاستفسار الدقيق عما يعانونه وذووهم من أمراض، فالأول يشكو من مرض السكر الذي أرهق أمه، والثاني يشكو من ارتفاع ضغط الدم الذي أصاب أباه بجلطة دماغية، والثالث، والرابع... إلخ.
وفي المقابل فإن الناس لا يفعلون الشيء نفسه فيما يخص الأمراض النفسية، وإذا تحدثوا عنها فإن الحديث يدور غالباً على سبيل الاستغراب والسخرية!!
والعجيب في الأمر أن بعض من أصيبوا بأحد الأمراض النفسية، أو أصابت أحداً من ذويهم ثم منّ الله عليهم بالشفاء، فإنهم لا يتحدثون بذلك عند الناس تفادياً لتلك النظرة الدونية التي ربما ينظر بها بعض الناس إليهم!!
بل الأعجب من ذلك أن بعضاً من أولئك ينتقد العلاج النفسي بشكل مبالغ فيه، في حين أنه كان من المفترض أن يحدث العكس.
ونلاحظ بأنه أهون على المريض وذويه أن يعترفوا بأن ما اعتراهم من علل نفسية إنما كان بسبب الجن، أو السحر أو العين وليست أمراضاً نفسية، وذلك لأنهم يرون أن تلك الأمور الغيبية إنما حدثت بفعل فاعل قد تعدى عليهم؛ مما يعطيهم الحق في المعاناة. أما الاعتراف بالمرض النفسي فمعناه عندهم الاعتراف بالنقص والقصور.
وتبعاً لذلك فإن الناس لا يسمعون ولا يرون أي نتائج إيجابية للعلاج النفسي، لأن من استفادوا من العلاج النفسي يتجنبون الحديث عنه، فضلاً عن أن بعضهم ربما ينتقده.
ولذلك فإن من يراهم الناس من المرضى النفسانيين هم فقط تلك الفئة من المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج النفسي، أو أنهم يعانون بعض الأمراض النفسية المزمنة التي تتحكم فيها الأدوية دون أن تشفيها تماماً، أو أنهم لم ينشدوا العلاج النفسي أصلاً.