إن رجولة الرجال لا تقاس بقوة أجسامها، بل بقوة إيمانها وفضائلها...
وقد قال تعالى عن المنافقين: ** وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ** [المنافقون: 4] ..
وقال العرب في أمثالهم:
(( ** ترى الفتيان كالنخل ** وما يدريك ما الدخل ** ))
كانت الشعثاء ( خود بنت مطرود البجلية) من ربات العقل والرأي والفصاحة والبلاغة.
خطبها سبعة أخوة من بني عامر، أتوا إلى أبيها، وعليهم الحلل اليمانية وتحتهم النجائب، فقالوا: ( نحن بنو مالك بن عقيلة ذي النحيين).
فاستضافهم، وحين أصبحوا غادين في تلك الحلل والهيئة، مروا على الشعثاء يتعرضون لها، وكلهم وسيم جميل.
فجلسوا إلى والدها، فرحب بهم، فقالوا: ( بلغنا أن لك بنتا، ونحن شباب كما ترى، كلنا نمنع الجانب ونمنع الراغب).
فقال أبوها: (كلكم خيار فأقيموا نر رأينا)، ثم دخل على ابنته، فقال : ما ترين، فقد أتاك هؤلاء القوم؟
فقالت الشعثاء : اسمع. أخبرك عنهم. هم أخوة كلهم اسوة، اما الكبير فمالك جريء، فاتك، يتعب السنابك، ويستصغر الممالك. واما الذي يليه فعلقمة صليب المعجمة، منيع المشتمة، قليل الجمجمة. واما الذي يليه، فعاصم، سيد، ناعم جلده، صارم، أبيّ، حازم جيشه، غانم وجاره سالم. واما الذي يليه، فمدرك لقرنه، مجدّل، مقل لما يحمل، يعطي ويبذل، وعن عدوه لا ينكل).
فشاورت اختها" عثمة" فيهم ، فقال أختها:
(( ** ترى الفتيان كالنخل ** وما يدريك ما الدخل ** ))
واضافت ( اسمعي مني كلمة، إن شر الغريبة يُعلن، وخيرها يُدفن.. انكحي في قومك، ولا تغررك الاجسام).
فلم تقبل الشعثاء نصيحة أختها، بل ارسلت الى ابيها (انكحني مدركا).
فانكحها ابوها على مائة ناقة ورعاتها. وحملها مدرك، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى صبحتهم فوارس من بني مالك بن كنانة، فاقتتلوا ساعة، انكشف فيها زوجها واخوته من بني عامر، فلم يكونوا كما زعموا، فسباها الغازون مع من سبوا.
فبينما هي تسير إذ بكت، فقالوا لها ( ما يبكيك؟ اعلى فراق زوجك تبكين)؟
قالت ( قبَّحه الله).
قالوا( لقد كان جميلا) .
قالت ( قبح الله جمالا لا نفع معه، إنما ابكي على عصياني أختي وقولها " ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل ")، ولم أستمع لنصيحتها حين قالت لي " انكحي في قومك".
واخبرتهم كيف خطبوها.
فقال لها رجل منهم يكنَّي ابا نواس، وهو شاب أسود، افوه، مضطرب الخلق ( اترضين بي على أن أمنعك من ذئاب العرب)؟
فقالت لأصحابه ( أكذلك هو)؟ قالوا ( نعم. إنه ليمنع الحليلة، وتتقيه القبيلة).
قالت: ( هذا أجمل جمال، واكمل كمال. قد رضيت به). فزوجوها إياه.