بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
القصة الأولى
 
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال :
 
( ارْتَحَلْنَا ، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا ، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ ،
 
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا .
 
فَقَالَ : لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا .
 
حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا ، فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ 
 
، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا . وَبَكَيْتُ . 
 
قَالَ : لِمَ تَبْكِي ؟
 
قَالَ : قُلْتُ : أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ . 
 
قَالَ : فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
 
فَقَالَ : اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ . 
 
 
فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ ، وَوَثَبَ عَنْهَا ، 
 
وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنْجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ، فَوَاللهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا ، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ .
 
 
قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا . 
 
قَالَ : وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأُطْلِقَ ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ )
 
رواه أحمد في " المسند " (1/181) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط مسلم . والحديث أصله في الصحيحين .
 
 
القصة الثانية
 
 
عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
 
( كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ ، فَلَمَّا كَبِرَ
 
قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ .
 
فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ - إِذَا سَلَكَ - رَاهِبٌ ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ ، فَأَعْجَبَهُ ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ ، 
 
فَقَالَ : إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ .
 
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ ،
 
فَقَالَ : الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ . فَأَخَذَ حَجَرًا 
 
فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ . 
 
فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا ، وَمَضَى النَّاسُ ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ ،
 
فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : أَيْ بُنَيَّ ! أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي ، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ .
 
وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ - كَانَ قَدْ عَمِيَ - فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ 
 
فَقَالَ : مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي . 
 
فَقَالَ : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا ، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ . 
 
فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ ، 
 
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟
 
قَالَ : رَبِّي .
 
قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي ؟!
 
قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ . 
 
فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ . فَجِيءَ بِالْغُلَامِ ، 
 
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَيْ بُنَيَّ ! قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ ؟ 
 
فَقَالَ : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ .
 
فَأَخَذَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ 
 
فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ،
 
فَأَبَى . فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، 
 
ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ ، 
 
فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى .
 
فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ . 
 
ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ ،
 
فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ . 
 
فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ،
 
فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، 
 
فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ .
 
فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا ، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ ،
 
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ 
 
قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ .
 
فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ 
 
فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ
 
فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ . 
 
فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا ، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ ،
 
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟
 
قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ .
 
فَقَالَ لِلْمَلِكِ : إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ .
 
قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ 
 
قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ، ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ، ثُمَّ قُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ، ثُمَّ ارْمِنِي ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي .
 
فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ، ثُمَّ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ، ثُمَّ رَمَاهُ ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ .
 
فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ . 
 
فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ . فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ ، وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا ، أَوْ قِيلَ لَهُ : اقْتَحِمْ . فَفَعَلُوا ، حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ : يَا أُمَّهْ ! اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ )
 
رواه مسلم (3005)