السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخت الفاضلة (العروس الضائعة)
قلت في كتابي السابق
17_ حضور بعض الممسوسين من الأقارب والمحارم جلسات العلاج فيشجع الجن بعضهم بعضًا، ويصبرون أنفسهم بإسداء النصائح فيتأخر العلاج، وهذا ملاحظ في فوضى ما يعرف (بالعلاج الجماعي) وهو خطأ فادح وقع فيه الكثير بسبب كثرة المرضى وندرة المعالجين.
أقول وبالله التوفيق: الغيب نوعين غيب كلي مطلق لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وغيب جزئي مقيد، يعلمه البعض ويجهله البعض الآخر، وهناك فارق بين (علم الغيب) وبين (معرفة الغيب).
علم الغيب: هو امتلاك علم الغيب، وهذا لا يحق إلى في ذات الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (الجن: 27). قال تعالى: (أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) (النجم: 35).
معرفة الغيب: وهي تعاطي الأسباب لمعرفة الغيب والاطلاع عليه، قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) (سبأ: 14)، فهناك اسباب يتعطاها المخلوق حسب قدرته فيستطيع بذلك معرفة الغيب والاستدلال عليه، كاستراق الجن السمع مثلا، والتخمين الذي قدد يصيب أحيانا كثيرة جدا، مثل أنك تعرضين أعراضك على المعالج أو الطبيب ومن خلال استعراضها يعرف كل ما لديك من داء، وعلى هذا يشخص لك الداء.
وعلى ما تقدم فللمعالج خبرته ومراسه اللذان يستطيع من خلالهما الوقوف على امور متعلقة بعالم غيبي هو عالم الجن، فكما هو معروف لنا أن الجن من الممكن أن تظهر لنا في صور شتى، أي أن هناك وسائل للتواصل بين عالم الجن وعالم الإنس، من هذه الوسائل حضور الجن على الجسم، وكشفهم بعض الحقائق عن عالمهم الغيبي، فصارت هذه المعلومات معروفة لمعالج بينما هي مجهولة لدى معالج آخر، على أي حال الاطلاع على معلومة غيبية كهذه لا يفيد صحتها على الإطلاق، بل يجب أن تخضع للتجارب والرباهين والأدلة حتى يثبت صحتها، وهناط فارق بين ثبوت وجود الشيء وبين مشروعيته، فقد يثبت وجود هذا الأمر شرعا، وقد لا يثبت لانعدام الدليل الشرعي على وجوده، لأن الشرع ما جاء ليطلعنا على كل خبايا وأسرار عالم الجن، ولكن الشرع بين لنا وجود اختلاف بيننا وبينهم، فاذا اكتشفنا شيئا عجيبا من أسرارهم ثبت لنا وجود عجيب أسرارهم بالدليل، وقد ثبت لبعض الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعض خصائص عن عالم الجن لم تثبت في الكتاب والسنة.
فعن الشعبي قال: قال عبد الله بن مسعود لقي رجل من أصحاب محمد رجلا من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلا شخيتًا، كأن ذريعتيك ذريعتا كلب، فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله، إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثانية، فإن صرعتني علمتك شيئا ينفعك، قال: نعم، قال: تقرأ (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) قال: نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى يصبح، قال أبو محمد: الضئيل؛ الدقيق، والشخيت؛ المهزول، والضليع؛ جيد الأضلاع، والخبج؛ الريح. (أخرجه: الدارمي (3247). ).
فهذه صفة من صفات الشياطين اطلع عليها أحد الصحابة، وهي أن الشيطان كان ضئيلا شخيتًا، كأن ذريعتيه ذريعتا كلب، وقال الشيطان: لا والله، إني منهم لضليع، إذا فهناك معلومات غيبية قد يدركها البعض وقد لا يدركها البعض الآخر، وليس كل المعلومات الغيبية عن عالم محصورة في مصدري التشريع الإسلامي.
أما ما يتعلق بأن الجن يعين بعضهم بعضا أثناء جلسات العلاج فهذا عرفناه بالخبرة والتجربة، سواء كان الجن يعين بعضهم بعضا بالكلام ويسمع هذا جميع الحضور، أو لاحظنا وجود مضاعفات امتنع وجودها في حالة عدم حضور المصاب الآخر، وبالتالي استنتجنا وجود تعاون مشترك بينهما، هذا بخلاف اقرار الجن أنفسهم بذلك، وأيضا الرؤى المنامية لعض المرضى أو من خلال الكشف البصري المنامي استطعنا ان نكتشف وجود تعاون بين الشياطين، بل ومعروف ايضا بين كل أثبات المعالجين، ان الشيطان قد يكون عاشقا على جسد الزوجة فيعقد الزوج عن زوجته، والطفل ما لم يبلغ الحلم ينتقل إليه الشيطان من جسد أمه، والمريض بين أفراد أسرته ينتقل من الشياطين إلى سائر أفراد أسرته، وها الأخير يطلق عليه (السحر المنعكس).
وثابت في السنة الصحيحة أن الشياطين تساعد بعضها بعض فيعملون من خلال سرايا منظمة، وهذا دليل فيه حجة كافية لرد من ينكر هذا الأمر. وهذا دليل من القرآن ان الشياطين تتحرك كجنود تبعا لإبليس وهذا يدل على التعاون بينهم والتنظيم في العمل، قال تعال: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (الشعراء: 94، 95)، وهذا دليل آخر أن الشياطين توحي لبعضها البعض بالشر والفساد، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام: 112).
وقد صح عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت)، قال: الأعمش أراه قال: (فيلتزمه).(أخرجه: مسلم (5032). )
وفي رواية عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول: من أضل اليوم مسلمًا ألبسته التاج، قال: فيخرج هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فقال: أوشك أن يتزوج، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه، فيقول: يوشك أن يبرهما، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت! ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج).( (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (1280). )
وعن أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنبش التميمي وكان كبيرا أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعاب وفيهم شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل، قال: (ما أقول؟) قال: (قل؛ أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن)، قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى،(أخرجه: أحمد (14913). )
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال: أدركتم المبيت والعشاء)، ((صححه الألباني) انظر حديث رقم: (519) في صحيح الجامع. ) فالشيطان هنا يسدي النصح لأقرانه من الشياطين فيخذرهم وينبههم وهذا فيه إشارة للتعاون بينهم وإسداء النصح،
فكيف في جلسات العلاج؟.
ناهيك عن مساوئ الجلسات الجماعية من تكشف المرأة حتى ولو بين أقرانها من النساء، في بيتها المعالج يغض بصره، أما في الجلسات الجماعية فحدثي ولا حرج عن نظرات الفضول والتطفل، وكذلك كشف أسرارها، وعدم احترام خصوصية المريض، وعدم اعطاء المريض حقه من الرعاية والاهتمام بالعلاج واحترام خصوصياته واسراره الشخصية، كيف يستطيع المعالج أعطاء عدة أفراد نفس الجهد والاهتمام في وقت واحد؟ مستحيل، هناك في الصومال على سبيل المثال يتم علاج الناس بجمعهم في هيئة معسكرات ويتم القراءة عليهم بالمايكروفونات، فيختلط الحابل بالنابل وتعم الفوضى، وهذا لا يرضي الله تعالى.
والشاهد على صحة هذا الكلام المذكور هو كثرة الحالات التي تأتينا من بين أصحاب الجلسات الجماعية، لم أسمع إلى الآن عن أحدا خرج منها سليما تماما، بل قد يزيد الأذى فيها، ربما هناك من شفي بحمد الله ومنه، هذا لبساطة حالته، فهناك حالات عالجتها لبساطتها من خلال الهاتف في نصف الساعة وشفيت بفضل الله تعالى، أما الحالات المركبة والمعقدة، وشديدة التعقيد، فأتحدى كل من يجيز الجلسات الجماعية ان تشفى حالة واحدة بهذه الطريقة.
وهذا في النهاية رأيي الشخصي في (العلاج الجماعي) في ضوء خبرتي المتواضعة، ولا أقصد منه النيل من أحد أو التقليل من شأنه، ونسأل الله تعالى التوفيق للجميع.
هذا ما أعلم والله تعالى أعلى واعلم