قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ** [الأعراف: 33] إلخ الحمد لله الذي أمر عباده بكل ما فيه خير لهم وصلاح، ونهاهم عن جميع المضار والأعمال القباح.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم الفتاح، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي نهى عن كل خبيث وأذن في كل طيب وأباح. اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه، أولي الرشد والتقى والنجاح.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله بترك مساخطه ومناهيه، والقيام بفرائضه ومراضيه. فقد جمع لكم أصول ما حرم عليكم في آية واحدة، وهي قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ** [الأعراف: 33] فهذه الآية لم تبق شيئا من المحرمات إلا شملته، ولا شرا وضررا إلا حذرته. حرم الله بها الفواحش، وهي كبائر الذنوب وعظائمها، ما ظهر منها: كالقتل والزنا والربا والخمر والميسر وأكل مال اليتيم. وما بطن منها: كالكبر والنفاق والحقد والغش
للمسلمين. حرم منها ما ظهر للناس وشاهدوه عيانا، وما اختفى صاحبه به وأسره كتمانا. وحرم الإثم، وهو كل معصية تعلقت بحق الله. والبغي؛ وهو الظلم والتجري على عباد الله. وحذر فيها من الشرك؛ وهو صرف شيء من العبادات لغير الله. {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ** [المائدة: 72] وحرم القول عليه بغير علم في أسمائه وصفاته، وفي شرعه ودينه وقدره. فهذه المحرمات التي حذر الله منها تهوي بصاحبها إلى أسفل الدركات، لما فيها من الشر والضرر والفساد والهلكات. فالفواحش تحلل الأخلاق، وتوجب غضب الخلاق، وتعجل لصاحبها الفضيحة والخزي في الدنيا، مع ما ادخر له من العقوبة في الأخرى. والمعاصي والمآثم تخرب الديار العامرة، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة. والمشرك بالله قد خسر دينه وعقله ودنياه، فإنه محرم عليه الجنة، والنار مصيره ومأواه. خلقه ربه فعبد سواه، ورزقه فشكر غيره واتبع هواه، وأنعم عليه بأصناف النعم فتمرد عن طاعة مولاه. ومن تقول على الله بغير علم، فقد تجرأ على أمر فظيع، ولم يخش من هو مطلع عليه سميع. فاعرفوا رحمكم الله حدود هذه المحرمات، واجتنبوها فإنها تفضي إلى الهلكات. وتوبوا إلى ربكم من مقارفة
الخطيئات. فكل من تاب تاب الله عليه، وكل من أقبل على ربه آواه وقربه إليه. فيا من عافاه الله منها هنيئا لك السعادة والفلاح، ويا فوزك بالخيرات الكثيرة والأرباح.
أجارني الله وإياكم من الفواحش والمآثم والعدوان، وحفظنا من الشك والشرك والتجري والطغيان، وغمرنا بالعافية والرحمة والإحسان، فإنه الرب الكريم المنان.