الرياء ": مشتق من الرؤية، مصدر راءى يرائي، والمصدر رياء; كقاتل يقاتل قتالا.
والرياء: أن يعبد الله ليراه الناس؛ فيمدحوه على كونه عابدا، وليس يريد أن تكون العبادة للناس; لأنه لو أراد ذلك; لكان شركا أكبر، والظاهر أن هذا على سبيل التمثيل، وإلا; فقد يكون رياء، وقد يكون سماعا، أي يقصد بعبادته أن يسمعه الناس فيثنوا عليه، فهذا داخل في الرياء; فالتعبير بالرياء من باب التعبير بالأغلب. أما إن أراد بعبادته أن يقتدي الناس به فيها; فليس هذا رياء، بل هذا من الدعوة إلى الله عزوجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " فعلت هذا لتأتموا بي وتعلموا صلاتي "2.
و الرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:
الأول: أن يكون في أصل العبادة، أي ما قام يتعبد إلا للرياء; فهذا عمله باطل مـردود عليه لحديث أبي هريرة في "الصحيح" مرفوعا، قال الله تعالى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " 1.
الثاني: أن يكون الرياء طارئا على العبادة، أي: أن أصل العبادة لله، لكن طرأ عليها الرياء; فهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يدافعه; فهذا لا يضره. مثاله: رجل صلى ركعة، ثم جاء أناس في الركعة الثانية، فحصل في قلبه شيء؛ بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دافعه; فإنه لا يضره لأنه قام بالجهاد.
القسم الثاني: أن يسترسل معه; فكل عمل ينشأ عن الرياء، فهو باطل; كما لو أطال القيام، أو الركوع، أو السجود، أو تباكى; فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟ نقول: لا يخلو هذا من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون آخر العبادة مبنيا على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها; فهذه كلها فاسدة. وذلك مثل الصلاة; فالصلاة مثلا لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، وحينئذ تبطل الصلاة كلها؛ إذا طرأ الرياء في أثنائها ولم يدافعه.
الحالة الثانية: أن يكون أول العبادة منفصلا عن آخرها، بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء; فهو صحيح، وما كان بعده; فهو باطل. مثال ذلك: رجل عنده مئة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم
تصدق بخمسين بقصد الرياء; فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة; لأن آخرها منفك عن أولها.
فإن قيل: لو حدث الرياء في أثناء الوضوء; هل يلحق بالصلاة فيبطل كله، أو بالصدقة فيبطل ما حصل فيه الرياء فقط.
فالجواب: يحتمل هذا وهذا; فيلحق بالصلاة لأن الوضوء عبادة واحدة ينبني بعضها على بعض، ليس تطهير كل عضو عبادة مستقلة، ويلحق بالصدقة لأنه ليس كالصلاة من كل وجه، ولا الصدقة من كل وجه; لأننا إذا قلنا ببطلان ما حصل فيه الرياء، فأعاد تطهيره وحده لم يضر; لأن تكرار غسل العضو لا يبطل الوضوء ولو كان عمدا، بخلاف الصلاة; فإنه إذا كرر جزءا منها كركوع أو سجود لغير سبب شرعي; بطلت صلاته، فلو أنه بعد أن غسل يديه رجع وغسل وجهه; لم يبطل وضوؤه، ولو أنه بعد أن سجد رجع وركع; لبطلت صلاته، والترتيب موجود في هذا وهذا، لكن الزيادة في الصلاة تبطلها، والزيادة في الوضوء لا تبطله، والرجوع مثلا إلى الأعضاء الأولى لا يبطله أيضا، وإن كان الرجوع في الحقيقة لا يعتبر وضوءا؛ لأنه غير شرعي، وربما يكون في الأولى غسل وجهه على أنه واحدة، ثم غسل يديه، ثم قال: الأحسن أن أكمل الثلاث في الوجه أفضل، فغسل وجهه مرتين، وهو سيرتب أي سيغسل وجهه ثم يديه; فوضوءه صحيح.
ولو ترك التسبيح ثلاث مرات في الركوع، وبعدما سجد قال: فوت على نفسي فضيلة، سأرجع لأجل أن أسبح ثلاث مرات; فتبطل صلاته; فالمهم أن هناك فرقا بين الوضوء والصلاة، ومن أجل هذا الفرق لا أبت فيها الآن حتى أراجع وأتأمل إن شاء الله تعالى.
القول المفيد على كتاب التوحيد