فساد الأمم
أخرج ابن ماجه في سننه :
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :
أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُم.
بجوامع الكلم الطيب الذي هو وجه آخر من دلائل نبوته الكريمة، يحدد الرسول r مقياس التفضيل في الإسلام: فأفضل المؤمنين أحسنهم أخلاقا. وليس من شك في ذلك؛ إذ الإيمان والأخلاق أمران متلازمان ومترابطان؛ فالإيمان عماد الخلق، والخلق هو الترجمة الصادقة للإيمان.
وبجوامع كلمه المعهود يحدد r أهم السنن والمبادئ التي تحكم صلاح المجتمع وفساده، وبهديه النبوي الشريف يشير إلى أعظم العبر وأجل التوجيهات الاجتماعية للأفراد والجماعات تأكيدا لقاعدة ثابتة، وهي أن صلاح المجتمعات وفسادها منوطان بأخلاق أفرادها، وهو عين ما أثبته قوله تعالى :
- ** ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ** (الأنفال:53) .
- ** إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ** (الرعد: من الآية11) .
فالآيات القرآنية الكريمة تؤكد حقيقة اجتماعية وتاريخية، أساسها أن صلاح أي مجتمع وفساده منوطان في المقام الأول بأخلاق أفراده صلاحا وفسادا؛ فأي أمة آلت إلى انحطاط بعد رفعة، وافتقار بعد غنى، وذل بعد عز، وضعف بعد قوة، إنما كان ذلك بسبب تبدل جوهري في نفسها أو بتعبير آخر في أخلاقها العامة والخاصة. فإذا ما أرادت الرفعة والغنى والعز والقوة وجب عليها أن تتوسل بما يكفل إحداث تغيير جوهري في نفسها، أو بتعبير آخر في أخلاقها العامة والخاصة التي كانت سببا في الانحطاط.
ويؤكد الحديث الشريف مبينا ومفصلا ومذكراً أن الفساد في صوره المختلفة يستوجب عقوبة إلهية مناسبة ومستحقة، قال تعالى :
- ** وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ** (القصص:59) .
- ** وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً{(الإسراء:16) :
1 – فمتى شاعت الفاحشة في قوم ولم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر أوشك الله تعالى أن يعمهم بعذاب من عنده جزاءً وفاقاً لما رضوا به من إفساد : ** إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ** (النور:19). وقال عليه الصلاة والسلام : « إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تكون العامة تستطيع أن تغير على الخاصة، فإذا لم تغير العامة على الخاصة عذب الله عز وجل العامة والخاصة». ( مسند أحمد 4/236 «17737» ) ، وهذا عين ما تشهده مجتمعات العصر من انتشار للأمراض والأوبئة التي لم يعرفها السابقون؛ مما يؤكد آيات القرآن المعجزة ويقدم كل يوم دلائل النبوة الخاتمة.
2 – ومتى نقص قوم المكيال والميزان وفشا فيهم الظلم والجور والغش إلا عاقبهم تعالى بما يستحقون من السنين وضيق العيش وظلم السلطان وتجبره، وحسبنا ما أنذرنا منه r حين قال : « إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول إنك ظالم، فقد تُوُدِّعَ منهم » ( مسند أحمد 2/221؛ والحاكم في مستدركه) .
3 – ومتى منع القوم زكاة المال، وكنزوا الذهب والفضة وجعلوها حكرا على فئة قليلة مستغلة، كان جزاؤهم منع القطر عنهم، ولولا أن رحمة الله وسعت كل شئ وشملت البهائم والزرع لما أنزلت السماء قطرة ماء.
4 – ومتى نقض القوم عهد الله وعهد رسوله r وما يقتضيه هذا العهد من إيمان بالله عز وجل وبرسوله عليه الصلاة والسلام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحفظ لحدود شرعه، سلط الله عليهم عدوا من غيرهم يسومهم الذل والصغار، وينتزع بعضا مما في أيديهم؛ لأنهم ليسوا أهلا للأمانة التي حُمِّلوها واستُحْفِظُوا عليها.
5 – ومتى تركوا كتاب الله وراء ظهورهم واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، عاقبهم تعالى بأن جعل بأسهم بينهم شديد، وتفرقوا أحزابا وشيعا، كل حزب بما لديهم فرحون.
ومن يتأمل حال الأمة اليوم لا يجدها إلا وقد تحقق فيها قول نبينا r ؛ فهل من مذّكر .
عن عائشة – رضي الله عنها قالت : دخل النبي r وقد حفزه النَّفَسُ، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شئ، فما تكلم حتى توضأ، وخرج فلصقت بالحجرة، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : « أيها الناس، إن الله عز وجل يقول لكم : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فما أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم »( ابن ماجة، كتاب الفتن " ح 4004 " ؛ وتهذيب الكمال للحافظ المزي 13/527 ) .
والله من وراء القصد ...***
(( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك )))
لاتنسوني من صالح دعائكم
أخيتكم/ الرحيـــــــــ((أزف))ــــــــــــــــــل