🍃🍂🍃🍂🍃🍂🍃🍂
🍃🍂🍃🍂🍃🍂🍃🍂
🍃🍂🍃🍂🍃🍂🍃🍂
والتوكل والاستعانة للعبد؛
لأنه هو الوسيلة والطريق الذي ينال به مقصوده ومطلوبه من العبادة،
فالاستعانة كالدعاء والمسألة .
وقد روى الطبراني في كتاب الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( يقول اللّه عز وجل : يا بن آدم،
إنما هي أربع :
واحدة لي، وواحدة لك،
وواحدة بيني وبينك،
وواحدة بينك وبين خلقي .
فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي هي لك فعملك
أجازيك به أحوج ما تكون إليه،
وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعليَّ الإجابة، وأما التي بينك وبين خلقي فأت للناس ما تحب أن يأتوا إليك ) .
وكون هذا لله وهذا للعبد هو باعتبار تعلق المحبة والرضا ابتداء، فإن العبد ابتداء
يحب ويريد ما يراه ملائماً له،
والله تعالى يحب ويرضى ما هو الغاية المقصودة في رضاه،
ويحب الوسيلة تبعاً لذلك،
وإلا فكل مأمور به فمنفعته عائدة على العبد، وكل ذلك يحبه الله ويرضاه، وعلى هذا فالذي ظن أن التوكل من المقامات العامة ظن أن التوكل لا يُطلبُ به إلا حظوظ الدنيا،
وهو غلط
بل التوكل في الأمور الدينية أعظم .
وأيضاً، التوكل من الأمور الدينية التي لا تتم الواجبات والمستحبات إلا بها،
والزاهد فيها زاهد فيما يحبه الله
ويأمر به ويرضاه .
والزهد المشروع هو : ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة،
وهو فضول المباح التي لا يستعان بها
على طاعة الله،
كما أن الورع المشروع هو : ترك ما قد يضر في الدار الآخرة،
وهو ترك المحرمات والشبهات
التي لا يستلزم تركها
ترك ما فعله أرجح منها، كالواجبات .
فأما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه أو يعين على ما ينفع في الدار الآخرة،
فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى :
{ يٓاأيُّها الّذينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ
ما أحَلَّ اللهُ لَكُمْ ولَا تَعْتَدُوا
إنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ** سورة المائدة 87
كما أن الاشتغال بفضول المباحات،
هو ضد الزهد المشروع،
فإن اشتغل بها عن فعل واجب أو فعل محرم كان عاصياً،
و إلا كان منقوصاً عن درجة المقربين إلى درجة المقتصدين .
وأيضاً، فإن التوكل هو محبوب لله
مَرْضِيٌ له مأمور به دائماً،
وما كان محبوباً لله
مرضياً له مأموراً به دائما لا يكون من فعل المقتصدين دون المقربين،
فهذه ثلاثة أجوبة عن قولهم :
المتوكل يطلب حظوظه .
وأما قولهم : إن الأمور قد فُرِغ منها،
فهذا نظير ما قاله بعضهم في الدعاء أنه لا حاجة إليه؛
لأن المطلوب إن كان مقدراً فلا حاجة إليه،
وإن لم يكن مقدراً لم ينفع الدعاء،
وهذا القول من أفسد الأقوال
شرعاً وعقلاً .
وكذلك قول من قال : التوكل والدعاء لا يجلب به منفعة ولا يدفع به مضرة،
وإنما هو عبادة محضة،
وإن حقيقة التوكل بمنزلة
حقيقة التفويض المحض،
وهذا وإن كان قاله طائفة من المشائخ
فهو غلط أيضاً، وكذلك قول من قال :
إن الدعاء إنما هو عبادة محضة .
فهذه الأقوال وما أشبهها
يجمعها أصل واحد : وهو أن هؤلاء ظنوا أن كون الأمور مُقَدَّرَةً مَقْضية يمنع أن تتوقف على أسباب مقدرة أيضاً تكون من العبد،
ولم يعلموا أن الله سبحانه يُقدر الأمور ويقضيها بالأسباب التي جعلها مُعلقةً بها
من أفعال العباد،
وغير أفعالهم؛
ولهذا كان طرد قولهم
يوجب تعطيل الأعمال بالكلية .
( يتبع ) ..................