وأما القراءة الشاذة الخارِجَةُ عَنْ رَسْمِ المصْحَفِ العثماني مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما
** واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّىٰ
والذّكر والأنثىٓ **
كما قد ثبت ذلك في الصحيحين .
ومثل قراءة عبد الله
** فصيام ثلاثة أيام متتابعات **
وكقراءته :
** إن كانت إلا زقية واحدة ** ونحو ذلك .
فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يَقرَأ بها في الصلاة ؟
على قولين للعلماء هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد وروايتان عن مالك .
" إحداهما "
يجوز ذلك لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرءون بهذه الحروف في الصلاة .
" والثانية "
لا يجوز ذلك وهو قول أكثر العلماء ;
لأن هذه القراءات لم تَثْبُت مُتواترة عن
النبي صلى الله عليه وسلم
وإن ثَبَتَتْ فإنها مَنْسوخة بالعَرْضَة الآخرة
فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة ،
فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه عارَضَه به مرتين ،
والعَرْضَة الآخرة هي قراءة
زيد بن ثابت وغيره
وهي التي أمَر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف
وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف ، أمر زيد بن ثابت بكتابتها
ثم أمَر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار
وجَمَع الناسَ عليها باتِّفاقٍ من الصحابة
عَلِيٍّ وغيره .
وهذا النزاع لا بد أن يُبْنَى على الأصل الذي سأل عنه السائل ،
وهو أن القراءات السبعة
هل هي حَرفٌ من الحروف السبعة أم لا ؟
فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة ;
بل يقولون : إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة
وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل
والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول .
وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة
وقرر ذلك طَوائفٌ من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره ;
بناء على أنه لا يجوز على الأُمّة أنْ تُهْمِلَ نقل شيء من الأحرف السبعة ،
وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه
حيث أمَر عثمان بنقل القرآن من الصُحُف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها
ثم أرسل عثمان بِمُشاورة الصحابة إلى كل مِصْرٍ مِنْ أمْصارِ المسلمين بمصحف
وأمر بترك ما سوى ذلك .
قال هؤلاء : ولا يجوز أنْ يَنْهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة .
ومن نصر قول الأولين يُجيب تارةً بما ذَكر محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم يكن واجبا على الأمة
وإنما كان جائزا لهم مُرخَصا لهم فيه
وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه كما أن ترتيب السور لم يكن واجبا عليهم منصوصا ;
بل مُفَوَضاً إلى اجْتِهادهم ;
ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد
وكذلك مصحف غيره .
( يتبع ) ..................