إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"، وقال:"هذه رحمة بقلب من شاء من عباده"، ولما
توفيت أحد بناته وحضر عند قبرها قال: "ما منكم من يقارب الليلة"، فقال
طلحة بن عبيد: أنا، قال: "أنزلها في لحدها"، قال: فأنزلتها فرأيت
عينياه تذرفان من الدموع صلوات الله وسلامه عليه، فرأيت عينياه تذرفان
بالدموع رحمةً لهذا الميت وحزن عليه صلى الله عليه وسلم، فإن التأثر
بالبكاء، ودمع العين وحزن القلب إنما ينهى عن النياحةِ وشق الجيب وضرب
الخد يقول صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ
الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ"، قال أبو هريرة دعوة أمي للإسلام فأبت
فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أبكي
فقالت يا رسول الله: دعوة أمي للإسلام فأسمعتني فيك ما أكره فأدعو الله
أن يهديها، فقال: "اللهم أهدي أم أبي هريرة"، فقالت:فذهبت لها وجدت
الباب مجفيا فدخلت، فسمعت خشخشة نعليه رجلي وسمعت خرير الماء
فقال:انتظر أبا هريرة، فإذا تغتسل ثم تجرها فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمد رسول الله، ففرحت بذلك ورجعة لرسول الله أبكي فقلت يا
رسول الله: إن أمي أسلمت وأجاب الله دعوتك فيها، فيا رسول الله أدعو
الله أن يحببني وأمي للمؤمنين، وأن يحبب المؤمنين لي ولأمي، فقال: "
اللهم حبب عبيدك أبو هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم لعبادك
المؤمنين"صلوات الله وسلامه عليه، هكذا أيها الأخوة يعالج الإسلام داء
الحزن لا ما يعالجه ضعفاء البصائر الذين إذا أحاط بهم الكربات وحلت بهم
المشاكل اضطروا إلى الانتحار، والتخلص من الدنيا لأنهم لا يرجون حسابا،
ولا يُمنون ثوابا، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، أما المسلم فأمام المصائب
وإن عظمت وتكاثرت فالصبر والاحتساب والأخذ بأسباب الخير والنجاة من
الكربات هو المطلوب من المسلم دائما وأبدا، بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا
واستغفرٌ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب،
فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا
إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ
عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله،المسلم يكون واقعيا في
تعامله مع الأحداث والمصائب، تجرى المصائب والدنيا لا تخلوا من مصائب
وبلايا في النفس والمال والولد لا تخلوا من ذلك ، ولله في ذلك حكمة عظيمة: