الشخص الواضح ، لا يكلّف نفسه مشقّة صنع شخصيته ،
وكذا الشخص المتلون ، انه ينتحل لا شعوريا شخصيات آنية أخرى يواجه بها العالم ، مؤقتا ، تبعا لمصالحه ومنافعه ،
إن المرء لا يختار ذلك اختيارا ،فهو شيء مطبوع في اعماق داخله ، في قرارة نفسه ،
ثمة من لا يستطيع أن يتعامل بشخصيته الحقيقية ويخفي وراء قناعه أشياء وأشياء ،
وثمة من لا يقدر الا أن يظهر كما (هو) دون رتوش ولا مساحيق .
من السهل على الشخص الذي يتعامل بوجهه الحقيقي أن يكتشف أن ثمة ما هو مختلف خلف هذا القناع،
هذا أمر فطري وغريزي لذوي النفوس الصادقة والمشاعر المباشرة والشخصيات الواضحة،
لأن اول ما سيستفزّه، هو عمليات التجميل الصناعية التي يجريها البعض لأخلاقهم وشخصياتهم ،
ذلك أن الصدق يستنفر الكذب ويبعثره .
إن الراحة الضميرية التي يشعر بها ذوي الوجوه الصادقة ، الكاشفة تماما لما بداخلها بمرآة صافية نقية ،
يقابلها تعب ومعاناة ، عندما يجدون أنفسهم في مجتمعات مصطنعة ،فهم أكثر الناس عرضة للإساءة والأذى ،
لأن الحسد والضغينة والغيرة ليست من مكونات شخصيتهم ، وهم يظهرون ما لديهم أولا بأول، سيئا كان أو حسنا ،
تلك هي طبائعهم ، مما يجعلهم فرائس سهلة للمزيفين، لسهولة معرفة مفاتيحهم ،
ومعظم هؤلاء في تعاملاتهم يتعرضون للضيق والاستفزاز ،
ذلك ان التعامل مع المزيفين ، امر يستنزف المشاعر ويبدد الطاقات .
فما تراه أمامك الآن دولفين لطيف ، تسبح معه وتلعب معه حتى تصل الى منطقة نائية عن العيون،
فيكشف لك عن انيابه لتكتشف انه سمكة قرش !
وثمة من يظهر على شكل فرس أصيل لتجده ،فجأة، وقد تحول الى وحش كاسر يحاول ان يفتك بك !
وهناك من تظنه صديقا مخلصا وفيا يهمه أمرك، ويسأل عنك باستمرار ، فتعرف مستقبلا ،أن الفضول هو ما كان يصرعه فيجذبه اليك ، ليعرف المزيد من التفاصيل عنك ، غيرة وحسدا ،
وقد تكتشف لاحقا ، أنه مجرد ضفدع، ينشرما يحلو له من أقاصيص حولك في المستنقعات .
قد نضحك بأسى عندما نعرف أن البعض أنفق عمره ليكتشف......أن الحياة غابة ،
كلما توغّل فيها ، كلّما ظهرت له الأعاجيب من المخلوقات ،
وكلّما تقدم به العمر ، رأى ألوانا واشكالا أخرى من ( الشخصيات البالونية )،
المنفوخة بالأخوة و الصداقة ، والزمالة والعشرة الطيبة ، والأخلاق الحسنة والمبادئ السليمة ،
ثم لا يلبث ان يكتشف ان كل هذا ..هواء،
ولا يجد في هذه اللحظات الأليمة ، خيارا أفضل من أن يتوجه الى مغارة نفسه ، فترة من الوقت ، كجريح مُطارد ، يختفي فيها فترة من الزمن ،
يُعيد فيها اكتشاف من حوله، ويضمّد جروحه ،
ويُجبر نفسه على متابعة القنوات التلفازية الخاصة ب ( عالم الحيوان ) ، ليسهل عليه تحديد بعض أنواع من الشخصيات التي قد تقابله في الخارج ، عندما يعود الى معترك الحياة من جديد .
ذلك أنه لا يستطيع أن يبقى في مغارة الظلام طويلا …
إن الشخصيات الواضحة وضوح الشمس ، لن تتمكن من العيش في عتمة الظلام فترة أطول من فترة غروب الشمس الى مشرقها من جديد ،
والانسان الصادق بسلبياته وايجابياته خلال تعاملاته في الحياة ، لا يقدر ان يغير من طبيعته ، ولا أن يخفي أي جزء منها ،
وهل هناك من يستطيع اخفاء وهج الشمس ؟
فنتائج المعاناة والضيق والحزن والتعب ،،،، طبيعية ،
إذ ليس هناك من يستطيع ان يمنع الحشرات الضارّة من التجمع حول منطقة النور الشديد !
لا بأس … تلك هي الحياة
ولكلّ شيء يوم ..
كل ما في الأمر ، أن بعض الأيام … تظهر أطول من بعضها الآخر…..