رؤية الله في المنام لفضيلة الشيخ ابن باز "رحمه الله"
السؤال :
ما حكم من يدعي أنه قد رأى رب العزة في المنام، وهل كما يزعم البعض أن الإمام أحمد ابن حنبل قد رأى رب العزة والجلال في المنام أكثر من مائة مرة؟
الجواب :
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أن يرى الإنسان ربه في المنام، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقية؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: ..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) سورة الشورى، فليس يشبهه، يمكن أن يكلمه ربه، ويرى في النوم أنه يكلمه ربه لكن مهما رأى من الصور أي صورة، صورة إنسان أو صورة حيوان فليست هي الله جل وعلا؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، لا شبيه له ولا كفء له جل وعلا، وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا: أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي، فكلما كان من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها أو الصفة التي يراها؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، فيمكن أن يسمع صوتاً ويقال له: كذا وافعل كذا، ولكن ليس هناك صورة مشخَّصة يراها تشبه شيئاً من المخلوقات، ليس له شبيه ولا مثيل سبحانه وتعالى، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه في المنام، وقد رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه، وجاء في عدة طرق: أنه رأى ربه وأنه سبحانه وتعالى وضع يده بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه، أو بين كتفيه حتى برد، وجد بردها بين كتفيه، هذا ورد في الحديث وألف فيه الحافظ بن رجب رسالة سماها: (اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى)، وهذا يدل على أن الأنبياء قد يرون ربهم في النوم، أما رؤية الرب في الدنيا بالعيان فلا، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن ير أحد ربه حتى يموت، قال: (واعلموا أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت)، رواه مسلم في الصحيح، ولما سئل صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: (رأيت نوراً)، وفي لفظ: (نورٌ أنَّى أراه؟)، رواه مسلم من حديث أبي ذر، وهكذا سئلت عائشة عن ذلك فأخبرت أنه لا يراه أحد في الدنيا؛ لأن رؤية الله أعلى نعيم أهل الجنة، أعلى نعيم المؤمنين، فهي لا تحصل إلا لأهل الجنة، لأهل الإيمان في الآخرة، والدنيا دار الابتلاء والامتحان، ودار الخبيثين والطيبين مشتركة، فليست محل الرؤية، لأن الرؤية أعظم نعيم للرائي، فادخرها الله لعباده المؤمنين في دار الكرامة في يوم القيامة، وأما هذه الرؤية التي يدعيها الناس لربهم فهي تختلف مثلما قال شيخ الإسلام رحمه الله بحسب صلاحهم وتقواهم، وقد يخيل لبعض الناس أنه رأى ربه وليس كذلك، فإن الشيطان قد يخيل لهم ويوهمهم أنه ربهم، كما يروى أنه تخيل إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني على عرشٍ فوق الماء، وقال له: "أنا ربك، فقال اخسأ عدو الله لست ربي"، لأنه أمره بأوامر لا تليق، فالمقصود أن رؤية الله عز وجل ممكنة في الدنيا لكن على وجه لا يشبه فيها الخلق سبحانه وتعالى، وإذا أمره بشيء يخالف الشرع فهذا علامة أنه ما رأى ربه، وإنما رأى شيطاناً، فلو رآه وقال له: لا تصلِّ قد أسقطت عنك التكاليف! أو قال: ما عليك زكاة، أو ما عليك صوم رمضان، أو ما عليك بر والديك!، أو قال: لا حرج عليك أن تأكل الربا! فهذه كلها علامات على أنه رأى شيطاناً وليس ربه، أن هذا الذي يكلمه ليس ربه وإنما هو شيطان. فالخلاصة: أن الرؤيا ممكنة ولكن على وجه لا يكون فيها مشابهة للمخلوقين، فربما سمع صوتاً لكن ليست هناك شخصية يراها تشبه المخلوقين، لأن الله لا شبيه له ولا كفء له سبحانه وتعالى، ومن علامات صحة الرؤية: أن تكون الأوامر موافقة للشرع التي يؤمر بها، وأما إن كانت مخالفة للشرع فهي علامة على أنه رأى شيطاناً ولم ير ربه. المقدم: ما قيل عن رؤيا الإمام أحمد؟ الشيخ: لا أعرف صحتها، يقال يروى عنه أنه رأى ربه لكن لا أعرف صحتها عنه.
المصدر :
موقع الشيخ رحمه الله