الطَّمع واليأس
كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستعيذ بالله من طمعٍ في غير مطمع، ومن طمعٍ يقود إلى طبع.
قال عمر بن الخطاب : ما شيء أذهب لعقول الرجال من الطمع.
وفي حديث آخر أن عمراً وابن الزبير قالا لكعب: ما يذهب العلم من صدور الرجال بعد أن علموه؟ قال: الطمع، وطلب الحاجات إلى الناس.
وقال كعب: الصَّفا الزَّلاَّل الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء : الطمع.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في اليأس الغنى، وفي الطمع الفقر، وفي العزلة راحة من خلطاء السوء.
قال عمرو بن عبيد: في المؤمن ثلاث خلال: يسمع الكلمة التي تؤذيه فيضرب عنها صفحاً كأن لم يسمعها، ويحبُّ للناس ما يحبُّ لنفسه، ويقطع أسباب الطمع من الخلق.
قال أبو العتاهية:
أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنَّي قنعت لكنت حرّا
ولإسحاق الموصلي: الُّلؤم والذُّلّ والضَّراعة والفا - قة في أصل أذن من طمعا قال ابن المبارك رضي الله عنه: ما الذلُّ إلاّ في الطمع.
وقال غيره:ويح من غرّه الطمع، وتمادى به الولع.
وقال أبو العتاهية:
أذلَّ الحرص والطَّمع الرِّقابا
وله أيضاً:
إنّ المطامع ما علمت مذلَّةٌ ... للطّامعين وأين من لا يطمع
وقال محمود الوراق:
وما زلت أسمع أنَّ النُّفوس ... مصارعها بين أيدي الطَّمع
وقال بعض الحكماء: قلوب الجَّهال تستعبد بالأطماع، وتسترقُّ بالمنى، وتنال بالخدائع.
قال محمد بن أبي حازم:
جعلت غنيمة الأطماع يأساً ... فآوتني إلى كنفٍ وديع
فتلك مطَّية الإقبال غفلاً ... بلا رحلٍ يشدُّ ولا نسوع
وقال آخر:
اليأس عمَّا بأيدي الناس مكرمةٌ ... والرِّزق يصحب والأرزاق تتَّسع
؟لا تجزعنَّ على ما فات مطلبه ها قد جزعت فماذا ينفع الجزع
إنَّ السَّعادة يأسٌ إن ظفرت به ... بعض المراد وإنَّ الشَّقوة الطمع
أتى رجلٌ إلى خالد بن عبد الله القسريّ، فقال: أتكلم بجرأة اليأس، أم بهيبة الأمل؟ قال بل بهيبة الأمل. فسأله حاجةً فقضاها.
وقال الهمداني:؟
فلا الحرص يغنيني ولا اليأس ما نعى ... نصيبي من الشَّيء الَّذي أنا آمله
وقال محمود الوراق:
حدَّثت باليأس عنك النَّفس فانصرفت ... واليأس أحمد مرجوٍّ من الطَّمع
فكن على ثقةٍ أنِّي على ثقةٍ ... ألاَّ أعلِّل نفسي منك بالخدع
محوت ذكرك من قلبي ومن أذني ... ومن لساني فصل إن شئت أو فدع
إنَّ اَّلذي ببلاد الصِّين أقرب لي ... وساء منتجعاً لو رمت منتجعي
إذا تباعد قلبي عنك منصرفاً ... فليس يدنيك منِّي أن تكون معي
وقال آخر:
ولا تلبث الأطماع من ليس عنده ... من الدِّين شيءٌ أن تميل به النّفس
كان بشر بن الحارث ينشد هذه الأبيات كثيراً متمثلاً بها:
المرء يزرى بلبِّه طمعه ... والدَّهر فاعلم كثيرةٌ خدعه
والنَّاس إخوان كلِّ ذي نشبٍ ... قد جاع عبدٌ إليهم ضرعه
وكلُّ من كان مسلماً ورعاً ... يشغله عن عيوبهم ورعه
كما المريض السَّقيم يشغله ... عن وجع النَّاس كلِّهم وجعه
وقال آخر:
الله أحمد شاكراً ... فبلاؤه حسنٌ جميل
أصبحت مسروراً معا ... فًى بين أنعمه أجول
خلواً من الأخزان خفّ ... الظهر يغنبني القليل
ونفيت باليأس المنى ... عنِّي فطاب لي المقيل
والنَّاس كلهم لمن ... خفَّت مؤونته خليل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
الكتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس
المؤلف : ابن عبد البر
مصدر الكتاب : موقع الوراق