عالم الاحلام والرؤى دراسة تأصيليه
عالم الاحلام ...الحلقة الاولى
(مفسروا الاحلام)
يعيش الواحد منا نائما لفترة طويلة تصل الى ثلث حياته في هذه الدنيا،فمعدل النوم الطبيعي لدى كل منا هو ست ساعات الى ثمان ساعات يوميا،ولا شك أن هذا وقت طويل،وعالم الاحلام عالم مستقل استقلالية تامة،نعم هو له علاقة كبيرة بعالم الواقع ولكنه يتميز بقوانينه ورموزة التي تجعله
قائما بذاته،وحقيقة تتطلب الدراسة والبحث عن اسرارها
من الناس من يحب الحديث عن الاحلام ومنهم من لديه نوع خوف منها او من ما تدل عليه
فالفئة الاولى تسعى حثيثا الى فك رموز احلامهم وما تنطوي عليه من دلالات وارشادات وحقائق
والاخرون يهربون من هذه الاحلام ويفضلون نسيانها او على اقل الاحوال تناسيها
لكن تبقى الاحلام لها حضورها في واقعنا ولا ادل على ذلك من تعلق الكثيرين بمفسري الاحلام
الذين وهبهم الله تعالى هذه الموهبة ،وهؤلاء المفسرون اختلف فيهم الحال فمنهم من يرى ان التفسير للاحلام الهام من الله تعالى يضعه في البعض فهي قوة مغروسة من غير تدخل من العبد وفي
المقابل نجد اخرين يرون وبقوة ان تفسير الاحلام هو فراسة وذكاء حاد اكثر من كونه الهاما
والاقرب الى الحق والصواب هو ان تفسير الاحلام فراسة حادةوقدرة على الربط بين الاشياء بسرعة عجيبة وترتيب غير طبعي للاحداث او الرموز التي في الحلم،بالاضافة الى انه ايضا الهام
حيث اننا لا نرى في بعض الاحيان علاقة بين صور المنام واحداثه وبين التفسير،فاحيانا يرى الواحد منا مناما يرى فيه مثلا ان له شعرا طويلا فيقص هذه الرؤيا على معبر فيعبرها على انه
سيرزق مالا،وربما عبرها لاخر بانه سيمر بظروف مالية صعبة على النقيض من حال الاول
وكلنا يعرف القصة التي حصلت مع ابن سيرين رحمه الله حين اتاه رجل صالح فقال له اني رأيت في المنام اني اؤذن قال له ابن سيرين انت تحج واتاه رجل فاسق وقال له اني رأيت في المنام اني
اؤذن قال انت سارق فسئل عن الفرق بين التعبيرين مع ان الرؤيا واحدة قال اما الاول فهو رجل صالح وحاله تماثل قول الله تعالى:وأذن بالناس في الحج…والثاني فاسق وحاله تماثل قول الله تعالى
(ثم أذن مؤذن ايتها العير انكم لسارقون) اذن الرؤى منها ما يكون تعبيرها الهاما من الله وقذفا في قلب المعبر ومنها ما يكون فراسة وذكاء حادا ولهذا وجد معبرون للرؤى وهم غير صالحين بل وجد من يعبر الرؤى وهو كافر من الاطباء والفلاسفة،مثل فرويد وابوقراط وغيرهما كثير جدا
فليس شرطا ان يكون المعبر مسلما ولكن المعبر الصالح من المسلمين اقرب الى نيل الحقيقة والوصول الى خفايا الحلم وفك رموزه من الكافر لانه يستعين في كل هذا بالله وينظر بنوره
تعالى
وايضا فليس كل تعبير يكون حقا فقد يقع وقد يخطي المعبر وكلنا يعلم ان ابابكر رضي الله عنه كان معبرا عظيما ومع هذا حفظت كتب السيرة والتاريخ انه اخطأ رضي الله عنه
وايضا من المعبرين من يكون قليل الخطأ فأغلب تعبيره يقع كما قال وهذا لا يوفق اليه الا القلة من البشر مثل ما كان من ابن سيرين رحمه الله ومنهم من يكون اغلب تعبيره حق ومنهم من يكون قليل الموافقة للحقيقة
ومنهم من يكون مفصلا لاحداث الحلم ويعتمد على التحديد احيانا للايام والتاريخ وممن كان
مشتهرا بذلك ابوبكر رضي الله عنه فقد كان يحدد رضي الله عنه ومعنى يحدد أي انه يحدد احداث الحلم،ومنهم من يرى ان الحلم يفسر ظاهرة ويكتفى بالاختصار ولا شك ان الاول اقرب الى الحق اذا كان كثير الصدق وعرف عن حاله انه قليل الخطأ واشتهر بين الناس بذلك
ومفسر الاحلام لا يعني ابدا انه افضل من غيره من الذين لم يعرفوا هذا الفن فمثلا اويس القرني
من التابعين افضل من ابنسيرين رحمهما الله ومع هذا فلم يذكر عن احد انه فضل ابن سيرين على اويس رحمه الله لكن هذا فضل الله يؤتيه مكن يشاء والله ذو الفضل العظيم
ايضا النباهة والذكاء الذي يؤتاه معبر الاحلام لا يعني انه اذكى من غيره من الناس ولكن هو في هذا المجال وهبه الله ذكاء خارقا وسرعة عجيبة في الربط بين الاشياء بصورة لا توصف
انواع الرؤى
قسم العلماء الرؤى وفق ما جاء في السنة النبوية الصحيحة الى ثلاثة أقسام :
الاول: الرؤيا الصادقة وهي تنقسم بدورها الى قسمين:
الاول:الرؤيا الصادقة الظاهرة
الثاني:الرؤيا الصادقة الرمزية
الرؤيا الصادقة كما جاء في السنة النبوية الصحيحة هي من الرحمن جل وعلى فلا علاقة لها بتخييلات الشيطان ولا وسوسته ولا هي ايضا من اخلاط العقل البشري ولا من تأثيرات العقل الباطن ولا من احداث اليوم والليلة ومما يهتم له الانسان في يقظته فيراه في منامه بل
هي من الرحمن واختلف العلماء قديما وحديثا في كيفية خلق الرؤيا في الانسان وهل هي في العقل او القلب والصحيح ان للرؤيا ملكا يخلق في قلب العبد اعتقادات من جنس ما يشاهد في الواقع
اما الريا الصادقة الظاهرة فهي التي لا تحتاج الى فك رموز ولا تحليل لاحداث الحلم بل تفسريها هو وقوعها وعلامتها انها في الغالب لا تشتمل على الرموز التي تشاهد في الاحلام
عموما اذ الرمز هو الفيصل وهو قطب الرحى في عالم الاحلام وفي السنة وكتب التاريخ
واحاديث السلف مئات الرؤى من هذا النوع وانما نحن هنا نشير فقط اشارات عامة
اما الرؤيا الصادقة الرمزية فهي التي من الرحمن جل وعلى لكنها تشتمل على رموز كثيرة من خلال فكها وتحليلها والربط بينها يصل المعبر الى تفسير الحلم فالمعبر لم يسمى معبرا
الا لانه يعبر بالرؤيا من ظاهرها الى باطنها وهذا النوع هو الذي يجتهد المعبرون ويتنافسون فيه وهو الذي من خلاله تتبين مهارة المعبر
النوع الثاني من الرؤى :
اضغاث الاحلام
وهي احاديث النفس وهي المواقف التي تشغل عقل وقلب الانسان فاذا امسى رآها في المنام وهي ايضا المشاهدات التي تنبع من العقل الباطن وما يحتفظ به المرء من افكار
وتظهر في المنام على شكل صور واصوات
تنبيــــه:
واصعب شي على المعبر والمفسر هو القدرة على التفريق بين النوع الثاني من الرؤيا الصادقة وهو الرؤيا الرمزية وبين رؤى الاضغاث فبينهما شبه كبير لكن الرؤيا الصادقة لها دلالاتها والرؤيا الاضغاث لها دلالتها الاولى دلالة حلميةوالثانية دلالة نفسية بمعنى ان رؤيا
الاضغاث من خلالها يتعرف المعبر على شخصية الحالم ونفسيته وافكاره لكن ليس لان
الحلم يحتوي على رؤيا رحمانية ذات دلالة مقصودة
النوع الثالث:الرؤيا التي من الشيطان وهي تلاعب الشيطان بابن ادم مثل ان يصور له مشاهد وصور واصوات مفزعة لا تحمل معها أي دللة سوى التخويف
فالرؤيا الصادقة بنوعيها يحمد العبد ربه عليها ولا يخبر بها الا عالما بتفسيرها او انسانا
يثق به وبدينه حتى لا يحسده او يضره
والرؤيا التي من الشيطان لا تضر العبد اذا لم يخبر بها او استعاذ بالله من شرها بأن نفث على يساره ثلاثا واستعاذ بالله