من الابتلاء العظيم إقامة الرجل في غير مقامه. مثل أن يحوج الرجل الصالح إلى مداراة الظالم والتردد إليه، وإلى مخالطة من لا يصلح، وإلى أعمال لا تليق به أو إلى أمور تقطع عليه مراده الذي يؤثره.
فقد يقال للعالم: تردد على الأمير وإلا خفنا عليك سطوته، فيتردد فيرى ما لا يصلح له ولا يمكنه أن ينكر.
أو يحتاج إلى شيء من الدنيا وقد منع حقه، فيحتاج أن يعرض بذكر ذلك، أو يصرح لينال بعض حقه، ويحتاج إلى مداراة من تصعب مداراته، بل تتشتت همته لتلك الضرورات.
وكذلك يفتقر إلى الدخول في أمور لا تليق به، مثل أن يحتاج إلى الكسب فيتردد إلى السوق أو يخدم من يعطيه أجرته.
وهذا لا يحتمله قلب المراقب لله سبحانه لأجل ما يخالطه من الأكدار.
أو يكون له عائلة وهو فقير فيتفكر في إغنائهم، فيدخل في مداخل كلها عنده عظيمة.
وقد يبتلى بفقد من يحب، أو ببلاء في بدنه، أو بعكس أغراضه وتسليط معاديه عليه، فيرى الغاسق يقهره. والظالم يذله.
وكل هذه الأشياء تكدر عليه العيش، وتكاد تزلزل القلب.
وليس في الابتلاء بقوة الأشياء إلا التسليم واللجأ إلى القدر في الفرج.
يرى الرجل المؤمن الحازم يثبت لهذه العظائم، ولا يتغير قلبه، ولا ينطق بالشكوى لسانه.
أو ليس الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج أن يقول: من يواريني من ينصرني. ويفتقر إلى أن يدخل مكة في جوار كافر.
ويشق السلى على ظهره وتقتل أصحابه، ويداري المؤلفة، ويشتد جوعه وهو ساكن لا يتغير.
وما ذاك إلا أنه علم أن الدنيا دار ابتلاء، لينظر الله فيها كيف تعملون.
ومما يهون هذه الأشياء علم العبد بالأجر، وإن ذلك مراد الحق.