السلام عليكم ورحم الله وبركاته
من مظاهر التقصير والخطأ في تربية الأولاد
كما أن للوالدين حقاً على الأولاد- فكذلك للأولاد حق على الوالدين، وكما أن الله- عز وجل- أمرنا ببر الوالدين- كذلك أمرنا بالإحسان إلى الأولاد، فالإحسان إليهم والحرص على تربيتهم- أداء للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقوقهم- غش وخيانة.
ولقد تظاهرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة- آمرة بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم، محذرة من إهمالهم والتقصير في حقوقهم.
قال- سبحانه وتعالى-: **إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا** [النساء:58].
وقال:**يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ** [الأنفال:27].
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ** [التحريم:6].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته؟ فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته".
وقال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
من مظاهر التقصير والخطأ في تربية الأولاد
بالرغم من عظم مسؤولية تربية الأولاد إلا أن كثيرا من الناس قد فرط بها، واستهان بأمرها، ولم يرعها حق رعايتها، فأضاعوا أولادهم، وأهملوا تربيتهم، فلا يسألون عنهم، ولا يوجهونهم.
وإذا رأوا منهم تمردا أو انحرافا بدأوا يتذمرون ويشكون من ذلك، وما علموا أنهم هم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف.. كما قيل:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إيَاك إياك أن تبتل بالماء
والتقصير في تربية الأولاد يأخذ صورا شتى، ومظاهر عديدة تتسبب في انحراف الأولاد وتمردهم، فمن ذلك ما يلي:
1- تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع:
فمما يلاحظ على أسلوبنا في التربية- تخويف الأولاد حين يبكون ليسكتوا؛ فنخوفهم بالغول، والبعبع، والحرامي، والعفريت، وصوت الريح، وغير ذلك.
وأسوأ ما في هذا- أن نخوفهم بالأستاذ، أو المدرسة، أو الطبيب؛ فينشأ الولد جبانا رعديدا يفرق من ظله، ويخاف مما لا يخاف منه.
وأشد ما يغرس الخوف والجبن في نفس الطفل- أن نجزع إذا وقع على الأرض، وسال الدم من وجهه، أو يده، أو ركبته، فبدلاً من أن تبتسم الأم، وتهدئ من روع ولدها وتشعره بأن الأمر يسير- تجدها تهلع وتفزع، وتلطم وجهها، وتضرب صدرها، وتطلب النجدة من أهل البيت، وتهول المصيبة، فيزداد الولد بكاءً، ويتعود الخوف من رؤية الدم، أو الشعور بالألم.
2- تربيتهم على التهور، وسلاطة اللسان والتطاول على الآخرين، وتسمية ذلك شجاعة:
وهذا خلل في التربية، وهو نقيض الأول، والحق إنما هو في التوسط.
3- تربيتهم على الميوعة، والفوضى، وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ:
فينشأ الولد مترفاً منعماً، همه خاصة نفسه فحسب، فلا يهتم بالآخرين، ولا يسأل عن إخوانه المسلمين، لا يشاركهم أفراحهم، ولا يشاطرهم أتراحهم؛ فتربية الأولاد على هذا النحو مما يفسد الفطرة، ويقتل الاستقامة، ويقضي على المروءة والشجاعة.
4- بسط اليد للأولاد، وإعطاؤهم كل ما يريدون:
فبعض الوالدين يعطي أولاده كل ما سألوه، ولا يمنعهم شيئاً أرادوه، فتجد يده مبسوطة لهم بالعطاء، وهم يعبثون بالأموال، ويصرفونها في اللهو والباطل، مما يجعلهم لا يأبهون بقيمة المال، ولا يحسنون تصريفه.
5- إعطاؤهم ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد، خصوصا الصغار:
فيحصل كثيرا أن يطلب الصغار من آبائهم أو أمهاتهم طلبا ما، فإذا رفض الوالدان ذلك لجأ الصغار إلى البكاء؛ حتى يحصل لهم مطلوبهم، عندها ينصاع الوالدان للأمر، وينفذان الطلب، إما شفقة على الولد، أو رغبة في إسكاته والتخلص منه، أو غير ذلك؛ فهذا من الخلل بمكان، فهو يسبب الميوعة والضعف للأولاد.
يقول الدكتور محمد الصباغ: "سمعت من مالك بن نبي- رحمه الله- أن رجلاً جاء يسترشده لتربية ابن له أو بنت ولد حديثاً، فسأله: كم عمرها؟ قال: شهر، قال: فاتك القطار، قال: وكنت أظن بادئ الأمر أني مبالغ، ثم إني عندما نظرت وجدت أن ما قلته الحق، وذلك أن الولد يبكي، فتعطيه أمه الثدي، فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد، ويكبر على هذا، فإذا ضربه اليهود بكى في مجلس الأمن يظن أن البكاء يوصله حقه".
6- شراء السيارات لهم وهم صغار:
فبعض الوالدين يشتري لأولاده السيارة وهم صغار، إما لأن الابن ألح عليه في ذلك، أو لأن الأب يريد التخلص من كثرة طلبات المنزل، ويريد إلقاءها على ولده، أو أن الابن ألح على الأم، والأم ألحت على الأب، أو لغير ذلك من الاعتبارات.
فإذا تمكن الولد من السيارة فإنه- في الغالب- يبدأ في سلوك طريق الانحراف، فتراه يسهر بالليل، وتراه يكثر الخروج من المنزل، وتراه يرتبط بصحبة سيئة، وربما آذى عباد الله بكثرة التفحيط، وربما بدأ في الغياب عن المدرسة، وهكذا يتمرد على والديه، فيصعب قياده، ويعز إرشاده.
7- الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم:
إما بضربهم ضربا مبرحا إذا أخطأوا- ولو للمرة الأولى- أو بكثرة تقريعهم وتأنيبهم عند كل صغيرة وكبيرة، أو غير ذلك من ألوان الشدة والقسوة.
فبعض الآباء يقتر على أولاده أكثر من اللازم، مما يجعلهم يشعرون بالنقص، ويحسون بالحاجة، وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال بطريقة أو بأخرى، إما بالسرقة، أو بسؤال الناس، أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء وأهل الإجرام.
9- حرمانهم من العطف والشفقة والحنان:
ما يجعلهم يبحثون عن ذلك خارج المنزل؛ لعلهم يجدون من يشعرهم بذلك.
10- الاهتمام بالمظاهر فحسب:
فكثير من الناس يرى أن حسن التربية يقتصر على الطعام الطيب، والشراب الهنيء، والكسوة الفخمة، والدراسة المتفوقة، والظهور أمام الناس بالمظهر الحسن، ولا يدخل عندهم تنشئة الولد على التدين الصادق، والخلق الكريم.
11- المبالغة في إحسان الظن بالأولاد:
فبعض الآباء يبالغ في إحسان الظن بأولاده، فتجده لا يسأل عنهم، ولا يتفقد أحوالهم، ولا يعرف شيئاً عن أصحابهم؛ وذلك لفرط ثقته بهم، فتراه لا يقبل عدلا ولا صرفا في أولاده، فإذا وقع أولاده أو أحد منهم في بلية، أو انحرف عن الجادة السوية، ثم نبه الأب عن ذلك- بدأ يدافع عنهم، ويلتمس المعاذير لهم، ويتهم من نبهه أو نصحه بالتهويل، والتعجل، والتدخل فيما لا يعنيه.
12- المبالغة في إساءة الظن بهم:
وهذا نقيض السابق، فهناك من يسيء الظن بأولاده، ويبالغ في ذلك مبالغة تخرجه عن طوره، فتجده يتهم نياتهم، ولا يثق بهم البتة، ويشعرهم بأنه خلفهم في كل صغيرة وكبيرة، دون أن يتغاضى عن شيء من هفواتهم وزلاتهم.
13- التفريق بينهم:
فتجد من الناس من يفرق بين أولاده، ولا يعدل بينهم بالسوية، سواء كان ذلك ماديا أو معنويا.
فهناك من يفرق بين أولاده في العطايا والهدايا والهبات، وهناك من يفرق بينهم بالملاطفة والمزاح، وغير ذلك، مما يوغر صدور بعضهم على بعض، ويتسبب في شيوع البغضاء بينهم، ويبعث على نفورهم وتنافرهم.
ومن مظاهر التفريق بين الأولاد- ما تجده عند بعض الآباء، حيث يخص أحد أبنائه الكبار بمبلغ من المال، ويشتري له قطعة أرض، وربما بناها له دون حاجة إلى ذلك، فإذا قيل له: وما نصيب الصغار والبنات؟ قال: الصغار نعطيهم إذا كبروا، والبنات يتزوجن ويكفيهن الأزواج المئونة.
بل ربما أعطى بعض الأولاد، ومنع بعضهم الآخر، أو زوج بعضهم دون الآخر مع أن السن متقاربة، والحاجة واحدة، ولكنه يفرق بينهم لهوى في نفسه، أو لأن هذا من تلك الزوجة الأثيرة عنده، وذاك من الزوجة التي ليس لها ود في قلبه.
ولا شك أن هذا التصرف باطل ينافي العدل بين الأولاد، فمن الذي يضمن لهذا الرجل أن يعيش حتى يكبر أبناؤه الصغار؟ ومن الذي يضمن له أنهم سيعيشون حتى يكبروا؟ ومن الذي يضمن له أنه سيستمر على غناه ويساره حتى يكبروا.
ثم إن البنات لهن حق ولو تزوجن، فالذي يليق بالوالد إذا أعطى أحدا من أولاده شيئاً أن يعطي الآخرين مثله أو أن يدخره لهم، أو أن يكتب على هذا المعطى أنه أخذ كذا وكذا، فإما أن يكون دينا عليه، أو يحسم من حقه من الميراث بعد وفاة الوالد، وهكذا؛ فذلك لا ينافي العدل. كما لا ينافي العدل- أيضا- أن يعطي بعض الأولاد ما يحتاجه من علاج، أو نفقة دراسية، أو أن يشتري له سيارة إذا كان محتاجا لها، وهكذا يعطي كل من احتاج إلى شيء من النفقة أو نحوها.
ولا يلزمه إذا أعطى أحدا من أولاده على نحو ما مضى أن يعطي الآخرين في الوقت نفسه.
أما العطية والهبة التي تكون لغير حاجة؛ حيث يخص بها بعضهم دون بعض- فذلك مما ينافي العدل.
14- التسخط بالبنات:
وهذا- قبل أن يكون خللاً في التربية- هو خلل في العقيدة، فبعض الناس إذا رزقه الله بنتاً تسخط بها، وضاق ذرعاً بمقدمها، ولا شك أن هذا الصنيع من أعمال الجاهلية وأخلاق أهلها، الذين ذمهم الله- عز وجل- في قوله: **وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ** [النحل: 58- 59].
وما أشبه الليلة بالبارحة، فلو زرت أحد مستشفيات الولادة في بلاد المسلمين، وقلبت طرفك في وجوه الذين ولد لهم بنات، وراقبت كلامهم، وسبرت أحوالهم عند إخبارهم بذلك- لوجدت توافقا عجيبا، وتطابقا غريبا بين حال كثير من هؤلاء، وحال الجاهليين الذي قص الله علينا أمرهم.
وفي بعض المستشفيات قد يكتشفون ما برحم المرأة قبل الولادة عبر الأشعة الصوتية، فإذا كان ما في الرحم ذكرا بشروا، وإن كان أنثى أقصروا، بل ربما عزوا - عياذا بالله-.
فتسخط البنات أمر خطير وفيه عدة محاذير، منها:
أ- أنه اعتراض على قدر الله- عز وجل-.
ب- أن فيه ردا لهبة الله بدلا من شكرها، وكفى بذلك تعرضا لمقت الله.
ج- أنه تشبه بأخلاق أهل الجاهلية.
د- أنه دليل على السفه والجهل والخلل في العقل.
هـ- أنه تحميل للمرأة ما لا تطيق؛ فبعضهم يغضب على المرأة بمجرد إتيانها بالأنثى، وما علم أنه هو السبب لو كان يعقل؛ إذ يعامل المرأة معاملة من لو كانت ولادة الذكور باختيارها؛ فلماذا لا يحنق على نفسه؛ إذ يلقح امرأته بأنثى.
و- أن فيه إهانة للمرأة وحطاً من قدرها
15-ومن صور التقصير في تربية الأولاد تسميتهم بأسماء سيئة:
فهذا خلل في التربية وجناية على الأولاد، قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد- حفظه الله-: "إني تأملت عامة الذنوب والمعاصي، فوجدت الذنوب والمعاصي إذا تاب العبد منها- تجذمها التوبة، وتقطع سيئ أثرها لتوها؛ فكما أن الإسلام يجب ما قبله وأكبره الشرك- فإن التوبة تجب ما قبلها متى اكتملت شروطها المعتبرة شرعا، وهي معلومة أو بحكم المعلومة.
لكن هناك معصية تتسلسل في الأصلاب، وعارها يلحق الأحفاد من الأجداد، ويتندر بها الرجال على الرجال، والولدان على الولدان، والنسوة على النسوان، فالتوبة منها تحتاج إلى مشوار طويل العثار؛ لأنها مسجلة في وثائق المعاش من حين استهلال المولود صارخاً في هذه الحياة الدنيا إلى ما شاء الله من حياته، في شهادة الميلاد، وحفيظة النفوس، وبطاقة الأحوال، والشهادات الدراسية، ورخصة القيادة، والوثائق الشرعية...
إنها "تسمية المولود، التي تعثر فيها "الأب" فلم يهتد لاسم يقره الشرع المطهر، ويستوعبه لسان العرب، وتستلهمه الفطرة السليمة.
وهذه واحدة من إفرازات التموجات الفكرية التي ذهبت ببعض الآباء كل مذهب، كل بقدر ما أثر به من ثقافة وافدة، وكان من أسوئها ما نفث به بعض المستغربين منها من عشق كلف، وظمأ شديد لأسماء الكافرين، والتقاط كل اسم رخو فتخاذل وعزوف سادر عن "زينة المواليد" الأسماء الشرعية".
فمن الأخطاء التي تقع في تسمية المولود ما يلي:
أ- تسميتهم بالأسماء الممنوعة المحرمة: كتسميتهم بأسماء الله المختصة به؛ مثل الأحد، الرحمن، الله، الخالق، ومن ذلك الأسماء المعبدة لغير الله- تعالى- مثل عبد النبي، عبد الحسين، عبد علي، وكذلك تسميتهم بالأسماء الأجنبية الخاصة بأعدائنا من اليهود والنصارى وغيرهم؛ مثل: جورج، وديفيد، ومايكل، وجوزيف، وديانا، وجاكلين، لأن هذا يجر- ولو على المدى البعيد- إلى موالاتهم.
ب- تسميتهم بالأسماء التي ينبغي تجنبها والتي قد تكون محرمة: كتسميتهم بأسماء الجبابرة والطواغيت؛ أمثال: فرعون، وهامان، وقارون، ومن كان في قافلتهم وعلى شاكلتهم مثل ماركس، ولينين، وستالين، وفرويد؛ لأن التسمي بهم ينم عن الرضا بأفعالهم، والمحبة لمناهجهم.
ج- تسميتهم بالأسماء التي يظن أنها من أسماء الله- تعالى-: فهذه من الأسماء المكروهة شرعا كالتسمية ب: عبد المقصود، وعبد الستار، وعبد الموجود.
د- تسميتهم بالأسماء المكروهة أدبا وذوقا: وهي التي تحمل في ألفاظها تشاؤما، أو معاني تكرهها النفوس، كحرب، وحما ر، وكلب، ومرة.
هـ- تسمية الأولاد بالأسماء التي تسبب الضحك وتثير السخرية: مثل: شحات، وفلفل، وخيشة، وجحش، وبغل، وفجل.
و- التسمية بالأسماء التي توحي بالتميع والغرام وخدش الحياء: مثل: هيام، ومعناه: الجنون في العشق، وكذلك وصال، وفاتن، وفتنة، وشادية.
ز- التسمية بأسماء الملائكة: خاصة للنساء؛ إذ يخشى أن يكون تشبهاً بالمشركين.
ح- تسميتهم بالأسماء التي تتضمن تزكية دينية، مثل: برة.
16- مكث الوالد طويلاً خارج المنزل:
فبعض الآباء يهمل منزله، ويمكث طويلاً خارجه، مما يعرض الأولاد للفتن، والمصائب، والضياع والانحراف، ومن مظاهر ذلك ما يلي:
أ- الاشتغال عن الأولاد بالبيع والشراء والتجارة، ولو عوتب الأب على ذلك لقال: إنما أعمل لأجلهم.
ب- السفر الطويل خارج البلد للعمل أو النزهة.
ج- العكوف الساعات الطوال مع الأصحاب في الاستراحات والمتنزهات.
د- إهمال البيت الأول إذا بنى الأب بزوجة جديدة، وسكن معها بمسكن جديد؛ فكم من الناس من يهمل بيته الأول إذا بنى بزوجة جديدة، فيضيع الأولاد، ويتشردون، بسبب انشغال والدهم، وبعده عنهم.
هـ- كثرة خروج الأم من المنزل إما للأسواق أو للزيارات.
هذه بعض مظاهر المكث خارج المنزل، فكم في هذا الصنيع من إهمال للأولاد، وكم فيه من تعريض لهم للفتنة، وكم فيه من حرمان لهم من الشفقة والرعاية والعناية، وما أحسن ما قيل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا
17- الدعاء على الأولاد:
فكم من الوالدين- وخصوصا الأمهات- من يدعو على أولاده، فتجد الأم- لأدنى سبب- تدعو على ولدها البريء بالحمى، أو أن يقتل بالرصاص، أو أن تدهسه سيارة، أو أن يصاب بالعمى أو الصمم، وتجد من الآباء من يدعو على أبنائه بمجرد أن يرى منهم عقوقا أو تمردا ربما كان هو السبب فيه.
وما علم الوالدان أن هذا الدعاء ربما وافق ساعة إجابة، فتقع الدعوة موقعها، فيندمان ولات ساعة مندم.
ولهذا قال- عليه الصلاة والسلام-: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة تسأل فيها عطاء فيستجيب لكم".
18- التربية على سفاسف الأمور، وسيئ العبارات، ومرذول الأخلاق:
كتشجيع الأندية، وتقليد الكفار، وتعويد البنات على لبس القصير من الثياب، ومن ذلك تعويدهم على إطلاق العبارات النابية، والكلمات المقذعة، وذلك من خلال كثرة ترديد الوالدين لتلك العبارات، أو من خلال نبز الأولاد بالألقاب عند مناداتهم، مما يجعل الأولاد يألفون هذه العبارات، ولا يراعون آداب الكلام.
19- فعل المنكرات أمام الأولاد، أو إقرارهم عليها:
كشرب الدخان، أو حلق اللحية، أو سماع الأغاني، أو مشاهدة الأفلام الساقطة، أو متابعة المسلسلات التليفزيونية، وكتبرج المرأة أمام بناتها، وكثرة خروجها من المنزل لغير حاجة، إلى غير ذلك، فهذا كله يجعل من الوالدين قدوة سيئة للأولاد.
وكذلك قد يرى الوالد على أولاده بعض المنكرات، فلا تراه يحرك ساكناً تجاههم؛ مما يجعلهم يستمرؤون المنكر.
20- جلب المنكرات للمنزل:
سواء كانت من المجلات الخليعة، أو من أجهزة الفساد المدمرة، أو الكتب التي تتحدث عن الجنس صراحة، أو غيرها من المنكرات.
فأخذه وسائل تخريب، ومعاول هدم، وأدوات فساد وانحلال، ومدارس لهدم العقيدة وتمييع الأخلاق، والتدريب العملي على ارتكاب الفواحش؛ فهذه الوسائل لها قدرة كبيرة على الإقناع، ولها تأثير بالغ في تنحية دور الأسرة في التربية.
21- كثرة المشكلات بين الوالدين:
فهذا العمل له دوره السيئ على الأولاد، فما موقف الولد الذي يرى والده وهو يضرب والدته؟ ويغلظ عليها بالقول؟ وما موقفه إذا رأى أمه تسيء معاملة والده؟
لا شك أن نوازع الشر ستتحرك في نفسه، ومراجل الحقد ستغلي في جوفه، فتزول الرحمة من قلبه، وينزع إلى الشرة والعدوانية.