السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف تكون مجالسنا إسلامية؟
إن المجالس التي يجلس فيها الناس تختلف وتتنوع، فبعضها مجالس دنيوية بحتة ليس فيها أي ذكر لله تعالى، ومجالس فيها معاصٍ ومنكرات ونحو ذلك، فموقف الداعية وطالب العلم من ذلك أن يبادر إلى الإنكار، فإن لم يستطع فليخرج وليفارق ذلك المجلس الذي يعصى الله تعالى فيه، أو يشغل الناس بقراءة كتاب أو تفسير آية... وغير ذلك من الأمور.
أقسام المجالس:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أن المجالس لها تأثير كبير على عقول الناس، وأن ما يحدث في المجلس ينعكس على داخل الأسرة بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن المجلس -أيها الإخوة- فرصة خير لمن أراد الله تعالى به خيراً، ومن أراد الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً، وهو فرصة للازدياد من الشر والسيئات، والوقوع في حبائل الشيطان لمن أغواه عدو الله إبليس وجعله من جنده وأعوانه.
مجالس دنيوية بحتة:
ولذلك -أيها الإخوة- أن غالب مجالس الناس: إما أن تكون حديثاً دنيوياً بحتاً من أول المجلس إلى آخره ليس فيه ذكر لله تعالى، ولا تسمع فيه آية ولا حديثاً واحداً، وذكرنا بأن هذه المجالس مذمومة، وأن رسول الله عليه الصلاة والسلام وصف أهلها الذين لا يذكرون الله تعالى فيها أبداً، ولا يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يتفرقون على مثل جيفة الحمار.
مجالس منكرات ومعاصٍ:
والنوع الثاني من المجالس في الغالب مجالس السوء والمعصية التي تمتلئ غيبة وبهتاناً في عباد الله تعالى، وتمتلئ استهزاءً وسخرية بآيات الله وأحكامه وشرعه، وهي كذلك -أيها الإخوة- تمتلئ بالملهيات التي تشغل عن ذكر الله، فمنهم من يقعد يلعب بالورق أو بالألعاب الأخرى حتى يطلع الفجر، أو ينام قبل الفجر بقليل، أو يسهر سهراً طويلاً يضر بحضوره في صلاة الفجر، فتفوته هذه الصلاة بالكلية، لا يصليها في بيته فضلاً عن أن يصليها مع الجماعة في المسجد.
وكذلك -أيها الإخوة- فإنك ترى في المجالس من الاشتغال بأحاديث المنكر والاشتغال بالملهيات عن ذكر الله أمراً فظيعاً، أمراً لا تكاد تحتمله عقول المسلمين ولا فطرهم الصافية، إنك ترى الناس كثيراً ما يشتغلون بأحاديث الرياضة، والملهيات، وأخبار الكرة، ويوالون عليها ويعادون فيها، ويتقسم الناس أحزاباً وشيعاً بفعل انقسامهم بحسب ميولهم الرياضية ونحوها.
ونحن أيها الإخوة نعلم جميعاً بأن الإسلام حث على تقوية البدن وعلى الاشتغال بما يفيده، ولكن منع أيما منع من الالتهاء بها حتى تكون هم الإنسان الشاغل، وحتى تكون معاداة الناس وموالاتهم على مثل هذه الأشياء التي لا يرضاها الله عز وجل.
وبالجملة: فإن مجالس الناس في هذه الأيام لا يرضى الله عنها لما امتلأت به من أنواع المنكرات والفواحش. ونريد أن نوضح في هذا المقام كيف نجعل من مجالسنا مجالس إسلامية يرضى الله تعالى عنها وعن أهلها، ويثيب الله تعالى القاعدين عليها درجات.
فلينظر أحدكم من يخالل:
لا بد يا إخواني! بادئ ذي بدء لا بد لكل واحد فينا يجلس في مجلس، أو يدعو الناس إلى مجلسه، أو يجيب دعوة الناس أن ينظر في حال من يجالس، إن انتقاء الجليس من الأمور الأساسية المهمة، ولذلك أخبر الله تعالى بأن رجلاً من أهل النار قد وقع في سوء العذاب بسبب قرينه:
يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:27-28]
لماذا؟ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29]
لا نريد أن نأتي يوم القيامة -أيها الإخوة- ويتحسر الواحد منا، ويقول يوم لا تنفع الحسرة والندامة: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:27-28]
يا ليتني ابتعدت عنه ونبذته، يا ليتني لم أقترب منه ولم أجلس معه لحظة واحدة، لقد كان سبباً في ضلالي وفي وقوعي في حبائل الشيطان، لقد كان يزين لي المنكر ويحثني عليه ويجعلني شريكاً معه في الإثم وعبادة الطاغوت.
ومدح الله رجلاً من أهل الجنة، وأخبر أن سبب نجاته أنه تخلص من حبائل صديقه وجليسه وخليله الفاسق أو الكافر في اللحظات الأخيرة، فقال الله تعالى حاكياً عن رجل من أهل الجنة قعد يبحث عن جليسه وصديقه الذي كان يخاللـه في فترة من الدنيا، فوجده في النهاية: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:55]
اطلع هذا الرجل من الجنة فرأى صاحبه في سواء الجحيم؛ في وسط جهنم: قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56] لترديني معك فيها: وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57] في هذا الحساب والعذاب.
السلف وحرصهم على مجالسة الصالحين:
أيها الإخوة! إن الجليس له خطورة كبيرة على جليسه وتأثير بالغ، وبعض الناس قد أعطاهم الله قدرة في الإقناع وقدرة في الجذب، فقد يجذبك معه إلى سوء الضلالة والعياذ بالله، ويستطيع أن يتفنن في إغوائك وأن يضلك عن سبيل الله ومنهج الله، إن أناساً يستطيعون أن يجذبوا نفوس الناس، ويسحروا عقولهم ليردوهم في نار جهنم، إن هناك شياطين من الإنس كما أن هناك شياطين من الجن، قل لي من تجالس؛ أقول لك من أنت. إذاً، كان الجليس عنوان جليسه، هذه هي النقطة الأولى،
والشيء الثاني الذي يجعلنا على أن يكون جلساؤنا من أهل الخير والصلاح: حال السلف رحمهم الله تعالى عندما كانوا يبحثون عن جلساء الخير، وهذه القصة التي رواها الإمام البخاري رحمه الله تبين هذا المقصود: عن علقمة ؛ وكان من كبار التابعين وأجلائهم، قال: قدمت الشام فصليت ركعتين في المسجد ثم قلت -انظروا أيها الإخوة كيف كان السلف يدعون الله، وبماذا كانوا يدعون الله، ثم قلت -بعد أن فرغ من تحية المسجد-: اللهم يسر لي جليساً صالحاً. هذا كان دعاؤه، يذهب إلى المسجد إلى مظنة وجود الجلساء الصالحين، أين تجد الجلساء الصالحين؟ في الأسواق؟ في الدكاكين؟ في الشوارع وفي الطرقات؟ كلا. إنك تجدهم في المجالس، إنك تجدهم في المساجد أولاً، فلتكن نقطة الابتداء من المسجد. ثم قلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً، فأتيت قوماً من الناس -جالسين في المسجد- فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء الصحابي الجليل صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء ، فقلت -يقول علقمة - فقلت:
إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسرك لي .. إلى آخر الحديث. كانوا يدعون الله بشروط الدعاء المستجاب؛ فيستجيب الله لهم في الحال وييسر لهم جلساءً صالحين، فهذا الرجل التابعي رزقه الله بصحابي جليل ليجلس إليه ويستمع منه ماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ويقول. الجليس -أيها الإخوة- له صفات كثيرة وله حقوق. قال سعيد بن العاص رحمه الله تعالى: لجليسي عليَّ ثلاث خصال: إذا دنا رحبت به، وإذا جلس وسعت له، وإذا حدث أقبلت عليه.
لنا جلساء ما تمل حديثهـم ألبـاء مؤملـون غيـباً ومشـهدا
يفيدوننا من علمهم علم مـا مضى وعقلاً وتأديباً ورأياً مسـددا
بلا فتنة تخشـى ولا سـوء عشرة ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا
هذه صفات جلساء الصلاح والتقوى. وفقنا الله وإياكم لأن نجلس معهم وأن نجدهم ونتأدب معهم بآداب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ما يجب على من يجلس مجالس المنكرات:
فإذا جلست يا أخي في مجلس من المجالس، فإنه يجب عليك لكي يكون هذا المجلس مجلس
خير أن تفعل أشياء كثيرة:
الذب والدفاع عن أعراض المسلمين:
منها: أولاً: سيقول كثير من الناس كلاماً منكراً، وزخرفاً من القول وزوراً، وستنطلق ألسنة السفهاء في غيبة عباد الله ونهش لحومهم، كثير من المسلمين يجلسون بلا مبالاة ولا ينكرون هذه المنكرات التي يسمعونها، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح: (من ذب عن عرض أخيه بالغيبة -عندما يكون أخوه غائباً- كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) ويقول في اللفظ الآخر الذي رواه أحمد بإسناد صحيح: (من رد عن عرض أخيه؛ رد الله عن وجهه النار يوم القيامة). المجالس اليوم مجالس غيبة كبيرة وكثيرة، لا بد أن ترد الغيبة عن أخيك، لا بد أن تنكر على هذا الذي يتكلم في عرض أخيك، وإلا فلا يجوز لك الجلوس ولا السكوت، لا بد أن تتكلم وتنكر ما يقولون، وتبين بالحق خطأ ما يفعلون.
الخروج من المجالس المستهزئة بكتاب الله وآياته:
وكذلك أيها الإخوة تتعرض مجالس المسلمين اليوم لغارات يشنها أعداء الله من داخل المجالس لا من خارجها، إنهم يستهزئون بشرع الله ودينه، إنهم يغيرون على أحكام الله تعالى بسهام القدح والاستهزاء والسخرية، حتى يجعلوا من نصوص الكتاب والسنة أضحوكة في عقول الناس، إنهم يريدون أن يميعوا قضايا التميز والولاء في عقول المسلمين، بعض هؤلاء الناس -أيها الإخوة- يفعلون هذه القضية بجهل، ولكن الله تعالى لا يعافي هؤلاء من هذا الجهل، إنه جهل مذموم لا يعذر الله تعالى صاحبه، وبعض الناس يتقصد آيات الكتاب وأحاديث رسول الله بسوء نية وخبث طوية، فيجعل منها أضحوكة وسخرية في المجالس، يستهزئ بالأحكام، وبالمظاهر الإسلامية، يستهزئ بثياب المسلمين وأشكالهم، وبالأحاديث التي تذم الغناء والملاهي والمنكرات.
إنهم يستهزئون بأشياء كثيرة، ماذا يكون موقف المسلم الجاد الذي يريد أن يسلك طريق الله المستقيم، ويغير واقع المجالس الفاسدة، ماذا يفعل؟ وكيف يتصرف؟ وأنى له معرفة الطريق السليمة في هذه الحالة؟ اسمع معي -أيها المسلم- لهذه الآية التي تهز كيان المؤمن هزاً عنيفاً، كأن قلبه سينخلع عندما يسمع وقع هذه الآية على قلبه، يقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140]..
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا [النساء:140]
ما هو التصرف؟ فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140]حتى يغير الموضوع، ويقلع عن هذه المعصية،
وهذا الكفر أعظم المعاصي، يقلع عن الكفر ويبدأ في موضوع آخر: حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140]
تقوم من المجلس وتنكر عليهم إنكاراً شديداً وتقرأ عليهم هذه الآية توبخهم بها على هذا الفعل الشنيع: فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] وتقول لهم:
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140].
أيها الإخوة! المسألة خطيرة جداً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فهناك أناس كثيرون اليوم من المسلمين يستهزئون في المجالس بأشياء كثيرة من أحكام الدين وشرائع الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ما هو الحل؟ الحل موجود في هذه الآية، وكثير من المسلمين لم يسمع الآية من قبل مطلقاً: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ [النساء:140] ماذا نزل عليكم في الكتاب؟ نزل علينا أيها الإخوة آية أخرى تشبه هذه الآية، ومضمونها مضمون هذه الآية، الآية المذكورة في سورة النساء، والآية المشار إليها التي سنقرؤها الآن في سورة الأنعام، ما هي الآية الثانية؟
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68] أعرض عنهم بالقول، وبترك المجلس، وبالتوبيخ والزجر، وأعرض عن الاشتراك معهم في هذه الجريمة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]
فإذا نسيت وأنساك الشيطان أن تترك المجلس، نسيت الموضوع واسترسلت معهم في الكلام ما هو الحل؟
ليس هناك مشكلة في الإسلام ليس لها حل، قال تعالى في تمام السياق: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].. وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ [الأنعام:68]
في حالة أن أنساك الشيطان الموقف الصحيح، فماذا تفعل؟ إذا تذكرت ورجعت إلى رشدك وانتبهت من غفلتك: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى [الأنعام:68] بعد التذكر مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
إنها آيات مفاصلة، آيات شديدة أيها الإخوة، تعاليم الإسلام اليوم مضيعة بين الناس، لا يفهمون حدود الله تعالى، فليس في الإسلام تلاعب، ولا تمييع للعقيدة، ولا سماح لأي مغرض بأن يمس العقيدة بأدنى سوء، المسألة إذاً خطيرة فلذلك كان الجواب حاسماً: فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ [النساء:140]، فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] مثلهم في الكفر،
إنها الخطورة أيها الإخوة، الإسلام لا يرضى أن تمس عقيدتك يا أخي المسلم بأي سوء. وكذلك مجالس أهل البدع، مجالس المنكرات والفسق والمعاصي، وكثير من الناس يجلس في مجلس فأهل المجلس يدخلون في أعراض الناس أو يتبادلون قصص المنكرات، يقول هذا: أنا فعلت كذا وكذا، وأنا سافرت إلى مكان كذا وفعلت كذا، ويتبجحون، يسترهم الله تعالى وهم يكشفون ستر الله عليهم، يتبجحون بالمعصية، هؤلاء أيضاً لا يجوز لك أن تسكت عما يقولون مطلقاً، لا بد أن يكون لك موقف، يا أخي المسلم! لا بد أن تفهم أنك صاحب موقف، لا بد أن تفهم أنك صاحب رسالة، ما خلقك الله هملاً.
قد هيئوك لأمر لو فطنت لـه فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
مع الأغنام والماشية، لا تمش بلا هدف، فالمؤمن صاحب رسالة وهدف وحق ومواقف إيمانية، أينما حل، وأينما ارتحل، وأينما جلس في أي مجلس يفصح عن عقيدته، ويلقن الناس الدروس الإيمانية فيما يحمله في طيات قلبه من مبادئ وأفكار أنزلها الله في القرآن والسنة. لا تكن يا أخي المسلم غير مبال، لا، هذا خطأ كبير، إن الله لم يخلقك لتجلس في هذه المجالس ثم تصمت على هذه المنكرات وتكون شيطاناً أخرس.
دعوة أهل الخير والصلاح إلى هذه المجالس لسد الفراغ:
كذلك يا إخواني! من المقترحات التي ينبغي الأخذ بها لتحسين أحوال مجالسنا، اليوم الناس غارقون في هذه المنكرات والمجالس، والتحسين يحتاج إلى وقت وإلى جهد، يحتاج إلى عمل دءوب، يحتاج إلى نوع من التمرس والمرونة في قلب هذه المجالس المنكرة إلى مجالس خيرة.
فمن المقترحات أيها الإخوة:
أن يدعى أهل الخير لحضور المجالس، كثيراً ما يقيم الناس ولائم للزفاف، أو يعمل الإنسان عقيقة فيذبح لولده ويدعو الناس، أو بعضهم يعمل مثلاً وليمة عند قدومه من سفر، أو عند نزوله في بيت جديد، أو يكون هناك دورية بين الناس، كل يوم في الأسبوع على واحد منهم، هذه المجالس
-أيها الإخوة- هي الآن من شغل الناس الجالسين، تسأل عن فلان بعد صلاة العشاء غير موجود أين؟ عنده دعوة، عنده دورية، عنده ديوانية، عنده مجلس، عنده ضيوف، وهكذا. هذه الأوقات -أيها الإخوة- لا يصح بأي حال من الأحوال أن تذهب سدى، لا بد أن تستغل، ماذا نفعل؟ من الحلول أن ندعو وأهل الخير أهل العلم وطلبة العلم؛ لكي يجلسوا في هذه المجالس ويلقوا علينا وينصحونا ويعظونا ويذكرونا ويبينوا لنا شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يذكرون بالله وبأيام الله، وباليوم الآخر، وبعذاب القبر، وبأشياء كثيرة وأحكام فقهية، ويحيون واعظ الله في قلوبنا.
إننا نحتاج إلى هذه النوعية أشد الحاجة، أن ندعو هؤلاء الناس إلى مجالسنا، هؤلاء الناس الذين نتوسم فيهم الخير، قد يكون لك قريب خيّر طيب ملتزم بأحكام الله ادعه إلى هذا المجلس، ألح عليه بالحضور، واطلب منه أن يفتح في ذلك المجلس حديثاً إسلامياً، يستفيد الجالسون منه، وإذا خاض الناس في إفكهم فقل لهم: لحظة يا جماعة! فلان موجود نريد منه أن يحدثنا عن كذا .. وكذا .. موجود فلان الذي عنده سؤال يطرح السؤال، لا بد أن ننتهز وجود هؤلاء الناس فنطرح عليهم هذه الإشكالات التي تواجهنا، والشبهات الممتلئة بها عقولنا، كثير من الناس عندهم شبهات،
نجلس في بعض المجلس تجد أن بعض الناس عنده شبهات ضد الأنبياء، شخص يقول في مجلس: نبي الله يوسف كان شهوانياً، ويقول دليلاً على ذلك: وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24] ولا يعرف ما معنى قول الله: وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24] ولا يعرف ما الفرق بين قول الله: وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24] ولا الفرق بين هم يوسف وهم امرأة العزيز. إذاً: أيها الإخوة إن عقول المسلمين اليوم نتيجة ابتعادهم عن دينهم، أصبحت ممتلئة بهذه الشكوك والشبهات، ممتلئة بالشبهات حتى أعلاها.
استغلال المجلس في قراءة كتاب أو تفسير آية:
كذلك أيها الإخوة ما المانع أن يكون في مجلس الواحد منا كتاب؛ تفسير قرآن، كتاب: رياض الصالحين فيه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، كتاب عن أحكام، خطب جمعة مكتوبة، أحاديث ترقيق وترغيب وترهيب، فإذا جاء جلساؤه قال: يا جماعة لحظة لا نريد أن يضيع المجلس، فيأخذ الكتاب ويفتح ويقرأ، يقرأ الأحاديث يا أخي، (رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)
ربما ينتفع من هذه الكلمة أناس يخرجون من المجلس فيغيرون من واقعهم، وأنت السبب ويعود لك مثل أجورهم، ما المانع أن يقول الإنسان لولده الطيب الصالح: تعال يا بني! أنا لا أقرأ أنت تقرأ، أنا تقدم بي السن وفاتني علم كثير وأنت فتح الله عليك، تعال يا ولدي اجلس في هذا المجلس حدثنا، ماذا سمعت من مدرس الشريعة؟ ماذا سمعت في خطبة الجمعة؟ ماذا سمعت في الدرس الفلاني في المحاضرة الفلانية؟ أعطني ملخصاً لشريط سمعته من خطيب أو عالم من علماء المسلمين.
وبعض شيباننا ولله الحمد أيها الإخوة فيهم طيبة كبيرة، ولقد سمعنا ورأينا أناساً من كبار السن الذين أنعم الله عليهم بفطرة صافية، وخشية لله تعالى، يقول لولده: تعال يا ولدي لقد فاتني كثير وأنت عندك شيء كثير أعطني مما عندك، ويأتي به على أعين الناس في المجالس ويقول له: علمنا واقرأ علينا وحدثنا، هذه النوعية أيها الإخوة موجودة ولكنها تحتاج إلى تكثير وتحتاج إلى تشجيع. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، اللهم إنك تقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، واجعلنا من الجالسين على ذكرك، ومن المرافقين لأهل طاعتك، ووفقنا اللهم لذكرك وإحسانك، وصلى الله على نبينا محمد.
أسباب الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وحِكمه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير. أيها الإخوة! ولا بد من الإكثار من ذكر الله تعالى في المجلس، وذكرنا بأن ذكر الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام واجبة في كل مجلس من المجالس، ولهذا أسباب وحكم منها: إنه من الصعب على الإنسان أن يقول في المجلس: لا إله إلا الله .. اللهم صل على محمد .. فلان بخيل .. وفلان كذا وكذا، فإنه لا يحدث التوافق بين هذه الأمور، يريد الله منك أن تذكره في المجلس حتى تطرد الشيطان، ويريد أن تشغل لسانك بذكره حتى لا تنشغل بذكر الناس وعيوب الناس. كذلك في الوقت الذي نحث الناس فيه على إحياء مجالسهم بذكر الله تعالى وأهل الخير، نحث الدعاة إلى الله تعالى على انتهاز مثل هذه الفرص، ومجامع الناس ومجالسهم؛ ليعلموا الناس دين الله تعالى، واجب ومسئولية عظيمة وخطيرة على الدعاة إلى الله في الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يغشى الناس في مجامعهم فيعرض عليهم الدعوة إلى الله ويعلمهم العقيدة، المجالس -أيها الإخوة- فرصة مهمة جداً إذا فوتت فقد فات خير كبير، أين تجد هؤلاء الناس مجتمعين حتى تتكلم معهم؟ إذا لم أتكلم أنا ولم تتكلم أنت ولم يحضر المجلس فلان وفلان من أهل الخير من الذي يحضر؟ ومن الذي يتكلم؟ ومن الذي يعلم وينصح؟ إنها مسئوليتنا جميعاً أن تجلس مع الناس، انتهز كل فرصة لتطرح الخير الذي عندك، صحح تلك المفهومات الخاطئة في العقيدة والعمل، وفي التصورات التي امتلأت بها عقول الناس، إذا سمعت رجلاً في مجلس يقول: ودخلت على المدير الفلاني في المشكلة الفلانية وقلت له: مالي إلا الله وأنت، وأنا مشكلتي كذا .. قل له: يا أخي! هذه الكلمة التي تفوهت بها كبيرة عند الله، ما يجوز لك أن تقول: مالي إلا الله وأنت، هذا شرك بالله، تقول له: مالي إلا الله ثم أنت، أعتمد على الله ثم عليك، وهكذا، وأحياناً نسمع كلمات تخرج في المجالس عفوية من الناس لكن لها مدلولات خطيرة تقدح في العقيدة، أجلس مع واحد من الناس فأقول له: ما حال فلان وفلان؟ فيقول: أما فلان فهذا ربنا افتكره ومات، فهل الله عز وجل كان ناسياً هذا الرجل ثم تذكره وأخذ روحه؟!! هذه كلمات تنطلق على ألسنة الناس، أخطاء عظيمة تدل على أن هذا الرجل لا يعلم ولا يفهم ولا يعي أن الله يعلم كل خافية: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61] فالناس عندهم أخطاء إذا لم تصلح هذه الأخطاء فمن ذا الذي يصلحها؟! فإذاً أيها الإخوة القضية عظيمة والمسئولية مشتركة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للقيام بها حق القيام.