أن القيم جوهر متين ،
لاتتغير ،، ولو اهتزت حينا او اضطربت حينا آخر من الزمن ، لكنها تبقى جوهرا لا تغيره الحياة المادية.
يعتري القيم تغيير بلا شك ، ولكن في النهاية تتعدد الأشكال والقيمة واحدة ،
لذلك فنحن نؤمن باختلاف الأجيال ،، لكن لا ينبغي ان نؤمن باختلاف القيم اختلافا كليا .
وإلا ، بم نفسّر بقاء الدين في قلوب معتنقيه أجيالا بعد أجيال لم تتغير طقوسه ولا شرائعه ؟
فلو اختلفنا مع آبائنا ،، اختلافنا لا يجب ان يمس جوهر قيمنا ابداً.
والحضارة غيرت في المظهر كثيرا ،وطفرات المجتمعات التي حدثت قد ادت بنا الى منحنيات صعود وهبوط ، لكن ليس لها سبيل إلى الجوهر ،فالقيم موجودة من ازمان بعيدة ، ولكن تموت وتحيا ، فلا يعقل أن يأتي الأبناء بقيم ليس لها أصل في تاريخ آباءهم أو أجدادهم.
القيم موجودة في كل زمن ،
والعقوق موجود في كل زمن ،
اختلاف الزمن لن يغير نظرة الابن لأبيه ، فالعاق بطبعه عاق ولو كان في العصور الحجرية ، والبار بطبعه بار ولو في هذا الزمن.
أما تصادم الأجيال فهو شئ طبيعي بل وسنة كونية ، أن يصطدم الجيل الأحدث بمن قبله ،
ولكن في ما نعده من المتغيرات أحيانا كالعادات التي لا تمت إلى العقل بصلة والتقاليد البائدة ، فنجد الجيل الجديد يرفضها لعدم اقتناعه بها ،
كما حدث لنا في جيلنا ،، نفضنا عنا أمور كانت من بديهيات حياة آبائنا،
ان اصطدام الأجيال طبيعي وخصوصاً ، في متغيرات تتزعزع بمجرد ردها إلى العقل والمنطق والدين وحتى ردها إلى الذوق .
ولكن ، هل من الممكن ان تتلاقى الاجيال ؟
في الحقيقة ان الامر نسبي ، و لا أعتقد أن جيل بكامله يتفق مع جيل آخر ،
ولكن الحضارات تقوم على أنقاض بعضها ، فهذا الجيل يتلقى ممن قبله ،،، اذن ذلك التلاقي أمر حتمي ، ولكنه تلاق نسبي فلا بد أن تظهر للجيل الجديد أصالته التي تميزه عمن قبله ،
الابن يتأثر بأبيه ،،،، وفي نفس الوقت تجد للابن شخصيته الخاصة به المختلفة عن أبيه .
ومهما كانت شدة هذا التلاقي الا انه لا يمكن ان يكون نوعا من الاتحاد الذهني او الفكري !
ولكن ، في ايامنا هذه التي اشتد فيها التصادم بين الاجيال ، بين الابن وابيه ، او بين الفتاة وامها
بحيث لا يخلو بيت من واحدة من هذه القصص .
ولسان حال الابن يقول لأبيه : ( لا داعي لان تجرني الى منافستك . لن اكون كما تريد ، ولن احقق لك احلامك المكسورة ، سأكون شخصية مختلفة عنك في كل شئ ) .
في حين ان الاباء وامهات هذه الايام يحاولون بكل الطرق ان يكونوا اقل سطوة وسيطرة على جيل الشباب ، ان الاب في هذا الزمان يحاول ان يكون متعقلا في اوامره للابن . والاب والام يمارسان في عصرنا الكثير من الكرم في قيادة البنت او الابن ،ان احساس الآباء والامهات بتشجيع الابناء صار مرهفا في هذا الزمان ، وكل منهم يحاول ان يكتم شعوره بنفاد الصبر
كيف من الممكن ان نصل الى تلاقي الاجيال ولو بأقل المستويات وفي حدود الامور الضرورية والرئيسية للتخفيف من حدة هذه التصادمات؟ وكل قراءات عصرنا هذا تدلنا على ان مبدأ الحوار الهادئ بين الجيلين لم يعد يأت بنتائج مقنعة وكافية ، ان لم تكن قد أدّت الى اتساع الهوة وزيادة التنافر.
ربما لو فكرنا في اسباب شدة هذه التصادمات كان من السهل علينا التوصل الى طريقة للعلاج؟
ورغم ان المبادئ واضحة في ديننا ولا تحتاج الى تفسير او تغيير ،
{وإذا قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنيّ لا تُشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم، ووصّينا الإنسانَ بوالديهِ حملتهُ أُمُهُ وَهْناً على وَهْنٍ وفِصَالُهُ في عَامينِ أنِ اشكرُ لي ولِوَالديكَ إليّ المصِيرُ، وإِنْ جَاهدَاك على أَنْ تُشرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم فَلا تُطِعهُمَا وصَاحِبهُمَا في الدُّنيَا مَعرُوفاً واتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إليّ ثم إليّ مرجِعُكمْ فأُنَبِّئُكم بما كُنتم تعمَلونَ، يا بُنيّ إنّها إنْ تَكُ مِثقَال حبّةٍ مِنْ خَردلٍ فَتكنُ فِي صَخْرةٍ أو في السَّماواتِ أو في الأَرضِ يَأتِ بِهَا اللّهُ إنّ اللّهَ لطيف خبير، يا بُنيّ أقم الصَّلاة وَأْمُر بالمعْرُوفِ وأنْهَى عنِ المنكَرِ واصبِرْ على مَا أَصابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزِم الأُمُورِ، ولا تصعّر خدَّكَ للنَّاسِ ولا تَمشِ في الأَرضِ مَرَحاً إنّ اللّهَ لا يُحِبُ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ، واقصِدْ فِي مشْيِكَ واغْضُض مِن صَوتِكَ إنّ أنكَرَ الأَصواتِ لصَوتُ الحمِيرِ**.
فهل ربينا اولادنا على الاحسان الينا ؟ هل علمناهم هذا وشددنا عليهم ؟
نجد هنا فجوة كبيرة وحلقة ناقصة ، ففي سلسلة جهادنا مع الابناء نسينا انفسنا فقد اعتنينا بطلباتهم ومتطلباتهم واحتياجاتهم دون ان نركز على ضرورة تعليمهم الاحسان الينا كضرورة دينية رغم اننا نزعم اننا نطبق الشريعة الاسلامية .
كما اننا فقدنا ربط الجيل الحاضر بالجيل الماضي لنا ، فلم ننقل للابناء تربية الجيل السابق من الاجداد ولم نزرع هذا في نفوسهم ، لذا فمن الطبيعي ان يكون الصدام قوي ، بحيث تحوّل في كثير من الاحيان الى تمرد .
وهنا يجب سرعة العودة الى الزام الابناء والآباء كذلك بالعقيدة السليمة وزرع القيم المناسبة ، ودراسة أسباب هذا الصدام الذاتية والموضوعية للتعامل معها بوعي وتخطيط
فقد تكون المسألة بالدرجة الاولى انه ينبغي زيادة الوعي والثقافة ،فالشاب والشابة اللذان يتمتعان بمستوى من الوعي والثقافة يتفهّمان الحوار والمشاكل ويتقّبلان الحلول المعقولة من غير تمرد واساءة، في حين يتصرف الشاب الهابط الوعي والثقافة بعنجهية، وسوء تصرف.
ومن الضروري توجيه الابن دوما الى فهم ظروف مجتمعه ودراسة لماذا يعيش مجتمعه كل تلك المشكلات، مثل هذا الشاب سرعان ما يخبو منه التمرد ، فيمكنه بفكرة بسيطة ان يطور مجتمعه ، والعالم المعاصر فيه من المشاكل ما يحتاج الى جهد الكثير من الشباب وموهبتهم ، وابتكارهم ، فلماذا لا نحولهم بهذا الاتجاه ؟.