وذهبتُ إلى السوق...!!
خرجتُ من بيتي مع أول إشراقه للشمس ..
وهى ترسل خيوطها الضوئية من خلف التلال..
أقصد السوق الذي فتح بالأمس ..
كحال هذه الدنيا في هذا السوق ..
لا أحد يعترف برداءة بضاعته
الكل يروج لبضاعة نادرة لا مثيل لها ..
لا شيء مكرر ...ولو بأسلوب الدعاية له
ما أن وطئت قدمي ذلك العالم حتى خضعت لفحص شامل داخلي وخارجي حتى يعرف كل بائع كيف يروج لبضاعته فيِّ..
فكان على أعتاب ذلك السوق ..الزهور أريجها ينعش الروح ..
كانت أول المستقبلين وأول المروجين
ــ أنا عنصر الجمال ، سأكللكِ بنعومة الزهور ورقتها ، سأضفي على وجنتيكِ تورد الحياء ، وحمرة شفاه مشرقة ندية ، سأمنحكِ عبق الزهور و شذاها ...
ــ سأتم جولتي أولاً ثم أقرر ما أشتري..
وما أن هممتُ بالتوجه إلى الداخل حتى وثب لي الثعلب الذي كان يرمقني بعينيه الحادتين منذ بداية دخولي و همس في أذني :
ــ قبل دخولكِ السوق خذي زادكِ مني ،سأمنحكِ المكر والحيلة ستحصلين على ما تريدين بأيسر الطرق وبأ بخس الأثمان ستكونين لي شاكرة ..
ــ لن أحتاجه..
إلتقيت الطاووس يتبختر في مشيته مزهو ٍ بريشه وكأن لا أحد سواه ..
كلمني بكبر ومشروع ابتسامة مزيج من السخرية والتعالي..
ــ سأهبكِ كبرياء الملوك والأمراء ..
ــ هذا كبر لا أريده ..
وكان الببغاء أمام بضاعته وعند مروري به بادرني ..
ــ أمنحكِ المحاكاة اللغوية ..
وكان القرد قريباً ..فأردف قائلاً :
ــ وأنا أمنحكِ ميزة المحاكاة الجسدية ..
ــ أريد أن أكون نفسي.. لا تابعة لأحد ..
وكان الحمار..
ــ سأعلمكِ أسلوب البلادة العقلية ..
لتريحي تفكيركِ ..
ــ لا أرى حاجتي لهذا الأسلوب ..
وأنا أواصل سيري داخل السوق ، حتى بدأ ضبيٌ جميل بجسمه النحيف وقوامه الممشوق يقوم بوثبات رشيقة أمامي ..
وأبتسم قائلاً :
ــ لديَّ جمال ورشاقة وخفة تجعلك مطاردة طوال الوقت من شدة الإعجاب بكِ ..
ــ قد تعجبني الصفة لولا هذه المطاردة ..!
ربما أرجع عندما أجد قوة تحميني من المطاردة ..!
وكان الكلب يسير ذهاب وإياباً يترنم بنباحه ..عندما رآني وقف وقال :
ــ أنا أملك قوة صوت مهابة ووفاء نادر ..
ــ الوفاء ....نعم الوفاء ..كم هو نادر في أيامنا هذه..!!
تكون لي عودة إن شاء الله ..
ألتفت في أكثر من اتجاه وأنا أسمع صوت قريب يكلمني لم أعرف مصدره ..
وإذا بالحرباء:
ــ مار أيك ...؟
أليست صفة مذهلة ...؟
تجعلكِ تظهرين للناس حسب حاجتكِ إليهم ..
ــ لا يشرفني حمل هذه الصفة .
ــ وإذا النخلة بقامتها المديدة وحضورها الحكيم ..
ــ سأمنحكِ الجود ..
نِعمَ الفضيلة ..نحتاجه بقوة في زماننا هذا ..
وكان الأسد بحضوره المثير للفزع ونظرته المزدرية لكل أحد أرعبتني زمجرته وهو يأمرني بفظاظة :
ــ خذي القوة والجبروت ستحصلين على ما تريدين بالقوة ستكونين مهابة ..
تمتمتُ بصوت لا يكاد يسمع بعد أن أطلقتُ ساقيَّ للريح ..
ــ لا..لا أريد أن أكون متسلطة ..قوية فقط...
ولم أنتبه إلا وأنا أصطدم بشيء صلب سقطتُ على إثره إلى الخلف ..وإذا بصوت يملأه الخوف والحنان يسألني بلهفة :
ــ هل أنتِ بخير ..؟
ــ أين أنا..؟
ــ أنتِ هنا في بيتكِ حبيبتي ..
ــ والأسد ..
ــ أسد ...!!!!
إذاً فأنتِ تحلمين ...!
كنتِ غافية هناك على الكرسي .. حتى فاجأتني وأنتِ تجرين بسرعة هائلة وتصطدمين بالحائط ..
ــ آه ...فهمت..
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم .
السبت
التاريخ 9 ــ رجب ــ 1429 هـ
الموافق 12 ــ 7ــ 2008
12:55 مساء