عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 09-11-2008, 06:05 PM   #1
معلومات العضو
إسلامية
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية إسلامية
 

 

Icon41 دفع بلاء الحرب بسورة الأنعام

السؤال : فضيلة الشيخ.. تراسل الناس في هذه الأيام رسالةً هذا نصها: (رؤيا صالحة تدعو سكان الخليج لقراءة سورة الأنعام هذه الليلة أنشرها) فهل ترون -فضيلة الشيخ- استحباب قراءتها وحث الناس على ذلك استناداً إلى هذه الرؤيا التي نحسبها صالحةً إن شاء الله؟ أفتونا مأجورين.


المجيب : سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


الجواب : الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن مصادر التشريع التي تُـتلقى منها الأحكام التكليفية الخمسة (الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهة والتحريم) معروفةٌ محصورةٌ منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، بعضها متفقٌ عليه، وبعضها مختلف فيه، ليست منها الرؤى والأحلام بإجماع أهل السنة والجماعة.
وإذا كنا لا نملك الحق في إلغاء شيءٍ من مصادر التشريع، فليس لنا ـ أيضاً ـ أن نزيد فيها مصدراً جديداً يشترع لنا أحكاماً جديدة في الدين، وهذا بابٌ خطير يُفضي بنا إلى صورٍ لا تتناهى من البدع والضلالات!
والقول باستحباب قراءة سورة الأنعام في مثل هذه المحنة التي تعصف بالأمة هو حكمٌ شرعيٌ لا يثبت إلاّ بدليلٍ شرعيٍ (ولا بد أن يكون من تلك المصادر التشريعية المعروفة المحصورة)، وإلا أصبح تقوَّلاً على الله بغير علم، وتشريعاً في الدين لم يأذن به الله.
فمن قال باستحباب قراءة سورة الأنعام، أو استحباب شيء من الأقوال أو الأفعال استناداً إلى رؤيا فقد زاد في مصادر التشريع من حيث لا يشعر، وأحدث في دين الله ما ليس منه، وفتح على الأمة باباً إلى الخرافات والضلالات.
وتلقي الأحكام الشرعية من المنامات والرؤى إنما هو عملُ من لا خلاق لهم في الآخرة من المبتدعة، كالصوفية وأشباههم الذين يترسمون الطريق ويتعبدون الله بإيحاءات المنامات والرؤى، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
ولذا فمهما كانت الرؤيا صالحةً، ومهما كان صاحبها صالحاً، فهذا كله لا يرفعها إلى مقامات التشريع تستصدر منها الأحكام.
وقد حكى النووي (شرح صحيح مسلم 1/115) عن القاضي عياض في الاحتجاج بما يراه النائم في منامه قولَه: "إنه لا يبطل بسببه ـ أي المنام ـ سنة ثبتت، ولا يثبت به سنة لم تثبت, وهذا بإجماع العلماء". ثم قال النووي: "وكذا قال غيره من أصحابنا وغيرهم. فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع"أهـ
وقال رحمه الله (المجموع 6/292): "لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان, ولم ير الناس الهلال, فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره" أهـ.
إن الرؤيا الصالحة حقٌّ، بيد أنها لا تزيد عن أن تكون مبشرةً كما شهدت بهذا أحاديث كثيرة مشهورة، والرؤيا الصالحة جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة.
أو تكون منذرةً تُوقظ صاحبها من غفلته، وتهديه إلى التوبة، ويشبه هذا ما وقع لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه رأى في المنام كأن ملكين أخذاه فذهبا به إلى النار. يقول -رضي الله عنه-: فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة. فقصتها حفصة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فقال:"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً. متفق عليه
وقد يقع من المنامات ما يكشف للإنسان شيئاً من الحاضر المحجوب، مما يكون موجوداً في الواقع لكنه محجوب عن نظر الإنسان وعقله، كما يقع لبعضهم أنه يرى في منامه ما يذكره بأمرٍ قد ذهل عنه أو ينبهه إلى شيء قد نسيه، أو دلالته على موضع شيءٍ أضاعه، وكما وقع لبعض علماء السلف ـ أنسيت اسمه ـ أنه استعصى عليه حديثٌ طلبه في مظانه حتى أعياه الطلب فلم يجده، فرأى في منامه رجلاً ينبهه إلى موضع ذاك الحديث في كتب السنن.
هذه هي دلالات الرؤيا التي يصح أن يستأنس بها، أمَّا أن تكون مصدراً تتلقى منه الأحكام الشريعة، فنحرم شيئاً أو نبيحه أو نستحبه لأجل رؤيا فهذا لا يجوز، "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله".
والمقصود: أن تعمد قراءة سورة الأنعام في هذه الأيام من أجل هذه الرؤيا ـ التي يزعمونها صالحة ـ بدعةٌ ضلالة، واستحباب ذلك ركوبٌ لجادّة المبتدعة.
وعلى المرء أن يتقي الله عز وجل، وألا يكون مطيةً لنشر الشائعات والخرافات. وعليه إذا ورده شيء من هذه الرسائل التي لا يَعرِف لها أصلاً ولم يسمع بمثلها ـ عليه أن يتريّث، وألا يسارع في نشرها وبثّها حتى يسأل عنها أهل العلم.
وكفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما سمع.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الإسلام اليوم

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة