عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 02-07-2014, 06:45 PM   #1
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

Arrow إقتران العزيز بالحكيم ... العزيز بالعليم ... العزيز بالرحيم ...

علمنا أن أسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد، فالغني هو اسم الله الأعظم حال فقر العباد، والقوى هو الأعظم حال ضعفهم والعليم حال جهلهم، والرزاق حال سعيهم وكسبهم، ويذكر ابن القيم أن كل اسم من أسماء الله الحسنى له أثر من الآثار في الخلق والأمر، لا بد من ترتبه عليه كترتب المرزوق والرزق على الرازق، وترتب المرحوم وأسباب الرحمة على الرحمن، وترتب المرئيات والمسموعات على السميع والبصير، ونظائر ذلك في جميع الأسماء؛ فلو لم يكن في عباده من يخطئ ويذنب ليتوب عليه ويغفر له ويعفو عنه لم تظهر آثار أسمائه الغفور والعفو والحليم والتواب وما جرى مجراها، وظهور أثر هذه الأسماء ومتعلقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلقاتها، فكما أن اسمه الخالق يقتضي مخلوقا والبارئ يقتضي مبروءا، والمصور يقتضي مصورا ولا بد، فأسماؤه الغفار التواب تقتضي مغفورا له وما يغفره له، وكذلك من يتوب عليه وأمورا يتوب عليه من أجلها، ومن يحلم عنه ويعفو عنه وما يكون متعلق الحلم والعفو، فإن هذه الأمور متعلقة بالغير ومعانيها مستلزمة لمتعلقاتها ([1]) .
فكل اسم من أسماء الله هو الأعظم في موضعه بظهور أثره في العباد وحكمة الله في ترتيب المصالح المقصودة والغايات الحميدة، والله U من حكمته أيضا أنه يقرن بين أسمائه في كثير من المواضع لتظهر دلالتها على أوصافه فتعطي كمالا فوق الكمال وجلال فوق الجلال بحيث تتجلى عظمة رب العزة والجلال في أسمائه وصفاته وأفعاله كما قال سبحانه: ** تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ** [الرحمن:78]، وقد وردت أمثلة كثيرة في ذلك منها:
1- اقتران العزيز بالحكيم: فكل منهما دال على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة المطلقة في العزيز والحكمة المطلقة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة؛ فعزته لا تقتضي ظلما وجورا كما يفعل العزيز مع من كان مقهورا، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم غيره ولا يحكم فعله، وسمع بعض الأعراب قارئا يقرأ قوله تعالى: ** وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ** [المائدة:38]، فقرأها والله غفور رحيم، فقال: ليس هذا كلام الله، فقال: أتكذب بالقرآن؟ فقال: لا ولكن لا يحسن هذا، فرجع القارئ إلى خطئه، فقال: صدقت ([2]) .
ونحن إذا تأملنا ختام الآيات بما ورد فيها من الأسماء والصفات وجدنا كلام الله مختتما بذكر الصفة التي يقتضيها ذلك المقام، والاسم الأعظم الذي يناسب هذه الأحكام حتى كأن الأسماء والأوصاف ذكرت دليلا عليها وعلة لذكرها، كقوله تعالى: ** إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ** [المائدة:118]، أي إن مغفرتك لهم صادرة عن عزة وكمال قدرة لا عن عجز أو جهل أو فقر أو ضعف .
وقوله: ** تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ** [الزمر:1]، فذكر العزة المتضمنة لكمال القدرة والتصرف، والحكمة المتضمنة لكمال الحمد والعلم، ولهذا كثيراً ما يقرن تعالى بين هذين الاسمين في آيات التشريع والجزاء ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة وعزة قاهرة، ففهم الموفقون عن الله U مراده وحكمته، وانتهوا إلى ما وقفوا عليه، ووصلت إليه أفهامهم وعلومهم، وردوا علم ما غاب عنهم إلى أحكم الحاكمين ومن هو بكل شيء عليم، وتحققوا بما عملوه من حكمته التي بهرت عقولهم، وأن لله في كل ما خلق وأمر وأثاب وعاقب من الحكم البوالغ ما تقتصر عقولهم عن إدراكه، وأنه تعالى هو الغنى الحميد العليم الحكيم، فمصدر خلقه وأمره وثوابه وعقابه غناه وحمده وعلمه وحكمته، ليس مصدره مشيئة مجردة، وقدرة خالية من الحكمة والرحمة والمصلحة والغايات المحمودة المطلوبة له خلقاً وأمراً، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل لكمال عزته وحكمته ([3]) .



1. مفتاح دار السعادة 1/287 بتصرف .

2. انظر بتصرف شفاء العليل ص200، وجلاء الأفهام ص 318 .

3. انظر مفتاح دار السعادة 2/78 بتصرف .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة