|
قراءة المقاله
الدروس اليومية (19)
|
كتبت بواسطة: أبو البراء - el 17/02/2004 - 1506 زوار  |
الكتاب الثاني
الدروس اليومية في
السلسلة العلمية ـ نحو موسوعة شرعية في علم الرقى (2) ( القول المعين في مرتكزات معالجي الصرع والسحر والعين ـ من بداية صفحة رقم 42 ـ إلى نهاية صفحة رقم 49) .
* المبحث الثالث : التوحيد الخالص لله تعالى :-
تمهيد :
إن كافة التصورات التي وصلت إلينا من جميع الأديان - عدا الإسلام - عن حقيقة التوحيد ، إما خاطئة ، وإما ناقصة ، وإما مشوبة بالانحراف والخلل 0
والكتاب الوحيد الذي صحح هـذه التصورات الخاطئـة وكملها هو القرآن ، وخلاصة ما جاء فيه عن التوحيد ، أنه لا يجوز أن يكون الإله إلا من يكون صمدا ، حيا ، قيوما ، لم يلد ولم يولد ، ويكون من الأزل ، فليس قبله شيء ، ويبقى إلى الأبد فليس بعده شيء ، ويكون منزها عن أي نقص في حكمته ، أو عيب في عدالته ، ويكون قادرا ويكون مشرعا ، حاكما على الإطلاق ، واهبا للحياة ومهيئا لأسبابها ووسائلها ، ويكون مالكا لكل قوة من قوى النفع أو الضرر ، ويكون كل من سواه محتاجا لعطائه ، فقيرا إلى حفظه ورعايته ، ويكون إليه مرجع كل مخلوق ويكون هو محاسبا ومجازيا لكل من سواه 0
ثم إن ...
القرآن بعد بيانه هذا التصور الصحيح الكامل الواضح ، يدل بأقوى ما يمكن من الكلمـات ، وأوقع ما يكون من الأدلة العقلية وأساليب البيان ، على أن العالم ليس فيه شيء أو قوة يصدق عليها هذا التصور ، إذ ليست كل موجودات العالم إلا مسخرة محتاجـة لغيرها باقية حينا وفانية حينا آخر ، غير قادرة على دفع الضرر عن نفسها ، فضلا عن أن تجلب النفع أو الضرر إلى غيرها ، وليس المصدر لأفعالها وتأثيراتها موجودا في داخل ذاتها ، وإنما هي تستمد قوتها للبقاء والفعل والتأثير من غيرها 0
وبعد هذا النفي ، فإن القرآن لا يثبت التوحيد إلا لذات واحدة هي ذات الله ، ويطالب الإنسـان أن لا يؤمن إلا بالله وحده ، ولا يسجد إلا له ، ولا يعظم إلا إياه ، ولا يتوكل إلا عليه ، ويعلم علم اليقين أنه راجع إليه ، ومحاسب بين يديه لا محالة ، وأنه لا يتوقف حسن العاقبة أو سوئها إلا على قضاء الله 0
فالتوحيد إقرار العبودية لله سبحانه ، كما أخبر الحق جل وعلا في محكم كتابه : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( سورة الأنعام - الآية 162) 0 ، وهو العروة الوثقى ، وكلمة التقوى ، وكلمة الإخلاص ، وشهادة الحق ، ورأس الأمر ، وعنوان الإيمان ، وسبب عصمة النفس والمال ، وهي حرز من الشيطان 0
قال ابن القيم : ( التوحيد أول دعوة الرسل 0 وأول منازل الطريق 0 وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى 0 قال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ( سورة الأعراف - الآية 59 ) 0 وقال هود لقومه :  ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) ( سورة الأعراف - الآية 65 ) 0 وقال صالح لقومه : ( يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ( سورة الأعراف - الآية 73 ) 0 وقال شعيب لقومه : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ( سورة الأعراف - الآية 85 ) 0 وقال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) 0 ( سورة النحل - الآية 36 ) 0
فالتوحيد : مفتاح دعوة الرسل ، وأول ما يدخل به الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا ) 0( مدارج السالكين - باختصار - 3 / 461 - 462 ) 0
ومن الآثار التربوية والمعنوية لعقيدة التوحيد أنها تنظم حياة الإنسان النفسية ، وتوحد نوازعـه وتفكيره وأهدافه ، وتجعل كل عواطفه ، وسلوكه ، وعاداته ، قوى متضافرة ، متعاونة ترمي كلها إلى تحقيق هدف واحد هو الخضوع لله وحده ، والشعور بألوهيته وحاكميته ورحمته وعلمه لما في النفوس ، وقدرته وسائر صفاته 0 ولا بد تحت هذا العنوان من تحديد أقسام التوحيد ، وهي على النحو التالي :-
* الأول : توحيد الربوبية :
وهو العلم والإقرار بأن الله رب كل شيء ومليكه والمدبر لأمور خلقه جميعهم 0 فهذا الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره وملائكته وجنه وإنسه ، خاضع لله مطيع لأمره الكوني كما قال تعالى : ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ) 0 ( سورة آل عمران - الآية 83 ) 0
فـإذا حقق العبد هذا التوحيد عرف بأن كل شيء بأمر الله ، فلا يقع أمر ولا يحل خير أو يرتفع شر إلا بأمره - سبحانه وتعالى - وهذا يجعل العبد يدعوه سبحانه في كل نائبة 0 قال تعالى : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فلا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) 0 ( سورة يونس – الآية 107 ) 0
* الثاني : توحيد الألوهية :
وهو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ، ويتعلق بأعمال العبد وأقواله الظاهرة والباطنة 0 وهذا النوع من التوحيد هو أول دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ( سورة النحل – الآية 36 ) 0 فلا يكون العبد موحدا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده ، ويقر أنه وحده هو الإلـه المستحق للعبادة ، ويلتزم بعبادته وحده لا شريك له 0 قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) 0 ( سورة الذاريات - الآية 56 ) 0
وهذا النوع من التوحيد يفضي بأن على العبد أن يجعل دعاءه ونذره ونحره ورجاءه وخوفـه وتوكله ورغبته ورهبته ، إلى الله وحده لا شريك له 0 فصرف أي شيء من ذلك أو غيره - فيما يتعلق بأفعال العباد - على وجه التقرب لغير الله يكون شركا 0 كمن يذبح للجن وينذر لهم ، وكمن يجعل اعتماده على الكاهن والساحر 0 * الثالث : توحيد الأسماء والصفات :
وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونعوت الجلال ، من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل 0 قال الله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) 0 ( سورة الشورى – الآية 11 ) 0
فإذا عرف العبد أسماء ربه وصفاته وعرف مدلولاتهـا على الوجه الصحيح ، فإن ذلك يعرفه بربه وعظمتـه فيخضع له ويخشع ويخافه ويرجوه ، ويتضرع إليه في دفع الكربات والشرور ، ويدعوه ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) 0( سورة الأعراف ، الآية 180 ) 0 وإذا علم العبد أن الله رحمان رحيم رجا رحمته ودعاه كما فعل أيوب – عليـه السـلام – قال تعالى : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) 0( سورة الأنبياء - الآية 83 ) 0
ولتحقيق التوحيد الخالص لله - جل وعلا - أثر كبير في دفع الشرور وجلب الخير بإذن الله تعالى ، فأقسام التوحيد الثلاث كلها متلازمة كل نوع منها لا ينفك عن الآخر ، بل أن القرآن الكريم كله في التوحيد ) 0 ( فتح الحق المبين ، من تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز - ص 40 - 42 ) 0
تعليقات حول هذه المقاله |
العنوان | الكاتب | وقت الإضافه |
|
|