: تعريف الرقى
الرقى لغة جمع رقية، وهي العوذة. أو ما يعرف عند العامة بـ "العزيمة"، أو "التعويذة" التي يرقى بها صاحب الآفة -كالحمى والصرع، وتقرأ على المريض أو اللديغ أملا في شفائه1.
ولا يبعد المعنى الشرعي للرقية عن المعنى اللغوي كثيرا؛ فالرقية شرعا: ما يقرأ على المريض من الآيات القرآنية، أو الأدعية المشروعة، أو غيرها من الأدعية المباحة المجربة2.
ثانيا: نوعا الرقي
الرقى نوعان: شرعية، وبدعية "وتدخل فيها الشركية". وتوضيح هذين النوعين يمكن في الوقفتين التاليتين:
الوقفة الأولى: مع الرقى الشرعية
الرقى مشروعة بإجماع العلماء إذا تحققت فيها شروط معلومة.
شروط الرقية الشرعية:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على جواز الرقى، عند اجتماع ثلاثة شروط:
أن يكون بكلام الله تعالى، وبأسمائه وصفاته.
وباللسان العربي، أو بما يعرف عناه من غيره.
وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى"3.
فالرقية الشرعية لا بد أن تكون:
1- بشيء من كلام الله، أو توسلا بأسمائه عز وجل وصفاته، أو بأدعية مشروعة، أو مباحة.
2- باللسان العربي، أو بما يعرف معناه من أية لغة أخرى.
3- أن يكون فعلها صادرا عن عقيدة صحيحة بأن الشافي هو الله عز وجل، وأنه هو الضار والنافع سبحانه وتعالى؛ فلا يعتقد أنها تشفي بذاتها، فإذا اعتقد ذلك كان شكا أكبر، وإن اعتقد مقارنتها للشفاء -لا يحصل الشفاء إلا بوجودها- كان شركا أصغر.
__________
1 انظر من كتب اللغة: المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده 6/ 309. ولسان العرب لابن منظور 13/ 332.
وتاج العروس للزبيدي 10/ 154.
2 انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 182، 328، 10/ 195.
3 فتح الباري لابن حجر 10/ 166. وانظر أحكام الرقى والتمائم للدكتور فهد السحيمي ص36-41.
أدلة الرقية الشرعية:
دلت الأدلة الكثيرة على جواز الرقى إذا تحققت فيها الشروط السابقة.
ولكثرة هذه الأدلة صنفتها وفق موضوعها، واقتصرت على ذكر مثال أو مثالين لكل موضوع.
1- إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه عرضوا عليه رقاهم؛ فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" 1. وعن جابر ابن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله: إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أرى بأسا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل" 2.
2- إقراره صلى الله عليه وسلم لفريق من الصحابة فعلوا الرقية؛ كإقراره صلى الله عليه وسلم للرهط الذين نزلوا بأحد أحياء العرب، فلدغ سيد الحي، فرقاه أحد الصحابة بسورة الفاتحة، وأخذ على ذلك جعلا، فقال صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا، واضربوا لي بسهم" 3.
3- فعله صلى الله عليه وسلم الرقية بنفسه؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات؛ فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن، وأمسح بيده نفسه لبركتها4. قال معمر -أحد رواة هذا الحديث: فسألت الزهري وهو شيخه في هذه الرواية: كيف ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه، ثم يمسح بهما وجهه4.
4- فعله صلى الله عليه وسلم الرقية بغيره؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى، ويقول: "اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفه وأنت الشافي،
__________
1 صحيح مسلم، كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
2 صحيح مسلم، كتاب السلم، باب استحباب الرقية من العين والحمة والنملة.
3 صحيح البخارين كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، وكتاب الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب، وباب النفث في الرقية.
4 صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الرقى بالقرآن والمعوذات، وباب النفث في الرقية، وباب المرأة ترقي الرجل.
لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقما" 1. وعنها -رضي الله عنها- أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: "بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربنا" 1.
5- أمره صلى الله عليه وسلم بالرقية؛ فعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة2؛ فقال: "استرقوا لها، فإن بها النظرة" 3.
وعن أفعاله صلى الله عليه وسلم هذه مع الرقية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه، وغيره، ولا يطلب من أحد أن يرقيه"4.
ملاحظة: لا يتنافى التداوي بالرقى؛ من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التوكل؛ لأن الله جل جلاله جعل الرقى سببا لدفع مكروهات كثيرة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تواتر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للرقية بنفسه، وغيره، وأمره بها، وإقراره لصحابته على فعلها5. فالرقية مشروعة وهي من الأدوية الناجعة النافعة بإذن الله، إذا انضم إليها صدق القصد من جهة العليل، وقوة التوجه إلى الله من جهة المداوي، مع قوة القلب بالتقوى والتوكل على من يذهب البأس6.
الوقفة الثانية: مع الرقى البدعية: وتدخل فيها الشركية؛ لأن من البدع ما يكون شركا.
فالرقية الشركية هي كل رقية اشتملت على شرك؛ كالقسم بالمخلوقات من شمس، أو قمر، أوملائكة، أو جن، أو غير ذلك؛ أو الاستغاثة بالمخلوقات فيما لا يقدر عليه إلا الخالق سبحانه وتعالى؛ أو المشتملة على دعاء المخلوق من دون الله، ليكشف أمرا لا يكشفه إلا الله عز وجل، هذا كلها شرك، لا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتعاطاه7.
__________
1 صحيح البخاري، كتاب الطب، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، وباب مسح الراقي الوجع بيده اليمنى.
2 السفعة: حمرة في الوجه يعلوها سواد، أو في وجهها موضع على غير لونه الأصلي "فتح الباري 10/ 202".
3 صحيح البخاري، كتاب الطب، باب رقية العين.
4 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 328.
5 انظر الرقى على ضوء قيدة أهل السنة والجماعة للدكتور علي العلياني ص33.
6 انظر: الجواب الكافي لابن القيم ص35. وفتح الباري لابن حجر 10/ 100.
7 انظر الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة للعلياني ص59-61.
ويدخل في الرقى البدعية: ما فقد شرطا من شروط الرقية الشرعية1، ومن ذلك2:
1- إذا كانت الرقية سحرية؛ لأن الله حرم السحر، وبين أنه كفر، وأن الساحر لا يفلح أبدا قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ** [البقرة: 102] .
2- إذا كانت الرقية بعبارات غير واضحة، ومعنى غير مفهوم، فهي رقية بدعية؛ فإن ما لا يعقل معناه، وما لا يفهم مبناه، لا يؤمن أن يكون منه شرك، وما كان مظنة الشرك، فلا يجوز تعاطيه أبدا -من باب سد الذرائع3.
3- ويدخل في هذا: ما كان بعبارات محرمة؛ كالسب، والشتم، واللعن؛ فإن الله لم يجعل دواء أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيما حرمه عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكم داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام" 4، ونهى صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث5.
4- ألا تكون الرقية على هيئة محرم؛ كأن يتقصد فعلها حال كونه جنبا، أو في مقبرة، أو حمام، أو وهو كاشف لعورته، أو غير ذلك.
5- ألا يظن الراقي، أو المرقي أن الرقية تستقل بالشفاء، أو دفع المكروه وحدها.
فإذا اعتقد أنها تؤثر بذاتها، فهذا هو الشرك الأكبر؛ لأن الشافي هو الله وحده.
__________
1 التي تقدم ذكرها في ص137 من هذا الكتاب.
2 انظر في ذلك: الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة للعلياني ص59-73.
3 النظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص168-169. وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص166-167.
4 سنن أبي داود، كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة.
5 مسند أحمد 2/ 305. وسنن أبي داود، كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة. وجامع الترمذي، كتاب الطب، باب من قتل نفسه بسم أو غيره. وسنن ابن ماجه، كتاب الطب، باب النهي عن الدواء الخبيث. وصححه الألباني "انظر صحيح سنن أبي داود 2/ 733. وصحيح سنن ابن ماجه 2/ 255".