موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر الفقه الإسلامي

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 02-06-2025, 11:56 AM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي شرح متن الورقات صالح آل الشيخ الشريط الثالث.

شرح متن الورقات صالح آل الشيخ
(1) انتهى الشريط الثالث.
(9/68)
سؤال على هذه القاعدة في الدقائق الباقية، لو زوّج رجل أو لو زوّجت امرأة نفسها بلا ولي فما حكم هذا العقد؛ تزويج المرأة نفسها هذا منهي عنه فما حكم العقد، عقد الزواج؟ لما؟ يعني الركن ما هو، الولي ركن؟ ما هو ركن، تصور ما هو النكاح؟ رَجَّال يِدِّي امرأة يقول لها تقول مثلا المرأة زوجتكَ نفسي يقول هو قبلت، هذا حقيقته؛ رجل وامرأة، رجل يريد أن يتزوج امرأة فيزوجها، هناك صيغة بينهما، فإذن أركانه ثلاثة قبول وإيجاب والعاقدة، الولي هنا هل هو في حقيقته؟ لا، يتصور أنه يقع؟ يقع بدون ولي، الولي خارج عن ماهيته، ولكنه شرط راجع لأحد أركانه، في العقود –بودي لو كان عندنا فرصة أعطيكم قاعدة في العقود بها تفهمون أركان والشروط للعقود ولو ما استحضرتم كلام الفقهاء فيها، قاعدة عامة بها يمكن أن تستخرج العقود، ترتب الشروط مثلا عند هنا صيغة صحيح؟ ورجل يريد أن يتزوج، وامرأة تُزَوَّج، الشروط شروط النكاح تجد أن بعضها راجع للصيغة؛ يعني الشروط كلها لتصحيح الأركان؛ لأن أهم شيء في العقود تعرف ما تقوم به حقيقة العقد، عندك هنا زوج وزوجة وصيغة، شروط خاصة بالصيغة، مثل ما يقولون أن يتأخر الإيجاب على القبول إلى آخره، أن يتأخر القبول على الإيجاب، والكلام أن يكون بصيغة كذا نكحت وزوجت، تجد أنّ الشروط راجعة إلى الصيغة هذا واحد، هناك شروط راجعة لمن؟ للرجل؛ الزوج؟ هناك شروط راجعة للمرأة رِضاها؛ رضى المرأة، من الشروط الولي هذا شرط فيه.
بينما النهي عن النكاح بدون ولي هذا نهي راجع إلى عين الشيء أو إلى شرطه؟ إلى شرطه، إذن فصار دالا على الفساد؛ لأن النهي رجع للشرط، على كل حال المسألة هذه مهمة لعلكم، نعم مهمة، قاعدة تطبيقاتها كثيرة في الفقه، في الطهارة، في الصلاة، وفي الزكاة، والصيام، والحج، والبيوع، جميع الأبواب في هذه القاعدة.
وفقكم الله، نعم، لا، خلاص الأصول اكتفينا بهذا، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، بقي عندنا غدا إن شاء الله تعالى، و نكمل ثلاثة الأصول إن احتجنا إلى بعد غد نكمل ثلاثة الأصول، ونكتفي بهذا القدر وتسامحوننا عما بدر من نقص أو تقصير في الإفهام، أو نحو ذلك، وفقني الله جل وعلا وإياكم، وسدد خطانا وسلك بنا سبيل الراشدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(((((
4-(العام والخاص)
وأما العام: فهو ما عم شيئين فصاعدا. منقوله: عممت زيدا وعمرا بالعطاء, وعممت جميع الناس بالعطاء.
(9/69)
وألفاظه أربعة: الاسم الواحد المعرّف بالألف واللام. واسم الجمع المعرف باللام. والأسماء المبهمة كـ(من) فيمن يعقل, و(ما) فيما لا يعقل، و(أي) في الجميع, و(أين) في المكان, و(متى) في الزمان, و(ما) في الاستفهام والجزاء وغيره, و(لا) في النكرات والعموم من صفات النطق ولا يجوز دعوى العموم في غيره, من الفعل وما يجري مجراه.
والخاص يقابله العام, والتخصيص تمييز بعض الجملة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا الكلام عن العام والخاص، أو العموم والخصوص، ومبحث العام والخاص، أو مبحث العموم والتخصيص، أو مبحث ألفاظ العموم والمخصِّصات، هذا من مهمات مباحث الأصول، وذلك لأنّ كثيرا من الأحكام إنما يدل لها ألفاظ العموم في النصوص؛ الكتاب والسنة، وقد قدّم قبل ذلك الكلام على الأمر والنهي، والأمر والنهي من عوارض الألفاظ؛ يعني مما يستفاد من اللفظ، يستفاد من اللفظ الأمر، ويستفاد من اللفظ النهي، وكذلك العام إنما يستفاد من النطق، كما قال هنا (من صفات النطق أو من عوارض الألفاظ) يعني لا عموم في الأفعال، إنما يكون العموم فيما يستفاد من الأقوال، ولذلك فصيغ العموم هذه صيغ قولية.
هذا الباب باب العام والخاص، وكذلك باب المجمل والمبين، والمطلق والمقيد، ونحو ذلك، هذه كلها من المباحث التي هي ثمرة علم الأصول؛ لأنه هو الذي يستفاد منه، هذه المباحث هي التي يستفاد منها تطبيقيا في فهم دلالات النصوص.
أما العام فهو كما ذكر تعريفه في اللغة (فهو ما عم شيئين فصاعدا) وهذا التعريف من المؤلف بناء على أنّ أقل الجمع اثنان، وهذه مسألة فيها خلاف، ولهذا قال طائفة من أهل العلم إنّ أقل الجمع ثلاثة، وبناء عليه يعرفون العام ما عمّ ثلاثة أشياء فصاعدا، وقد جاء على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «اثنان فما فوقهما جماعة» ويستدل أهل الأصول بهذا على أنّ أقل الجمع اثنان، وإذا تقرر هذا فيصح على هذا القول بهذا الاستدلال المشهور عند الأصوليين، يصح أن يكون تعريف العام ما عم شيئين فصاعدا، وهذا تعريف لغوي.
(9/70)
أما التعريف الاصطلاحي فهو كسائر التعريفات المشهورة عند الأصوليين؛ يجري فيها خلاف وأقوال ربما تتباين أو تختلف، لكن مما قيل في تعريف العام وهو تعريف -كما سيأتي لك- تعريف جامع مانع والاعتراض عليه قليل أنّ العام هو كلام مستغرق لما يصلح له بلا حصر دَفعةً واحدةً. ويضاف على هذا التعريف أو يضاف على ما ذكرتُ: بحسب الوضع؛ يعني يكون تعريف العام: كلام لما يصلح له بحسب الوضع –أدخلها هذا موضعها أنسب- دَفعة واحدة بلا حصر. الترتيب هكذا مناسب، وإن قدمت وأخرت فالأمر قريب ما فيه تعلق بالكلمة والتي قبلها.
فإذن العام عندهم أنه كلام، وهذا يعني إخراج الأفعال.
ثانيا يقول (مستغرق) لما يصلح له، فلو كان يدل على العموم لكن لا يستغرق ما يصلح له فليس عندهم بعام، مثال ذلك قول القائل تناولْ بعض الطعام، فإنّ الطعام إذا كان كثيرا فإن بعضه أيضا يدل على شيئين فصاعدا، بعض الطعام هذا قد يكون كثيرا ولكنه لفظ –أعني كلمة بعض- لا يعم جميع ما يصلح له، فإن بعض هذه إنما تكون بعض هذا الكل، وهي تصلح أن يكون هذا منه؛ يعني لو كان عنده عشرة أنواع من الطعام يصلح إطلاق البعض رقم واحد إلى ثمانية وكذلك من رقم تسعة إلى عشرة مثلا من أنواع الطعام، فإذن هنا استثني واحترز بقولهم مستغرق لما يصلح له كلمة بعض ونحوها مما يدل على عموم لكن ليس على عموم شمولي مستغرق.
قال أيضا في التعريف (بحسب الوضع) وهذا احتراز (بحسب الوضع) احتراز من الألفاظ المشتركة، فإنّ لفظ مثلا عَين كما هو مشهور في المثال عندهم كلمة عين هذه تصدق على عين الإنسان، وعلى الذهب، وعلى عين الماء، فإذا قال قائل رأيت العينَ أو مررت بالعين أو نحو ذلك أو لي عين، لي عين هل يريد العين الباصرة، أو يريد بها عين الماء، أو يريد بها العين الذي هو الذهب؟ هذا يحتمل، لفظ عين هذا من الألفاظ المشتركة ليست شاملة لجميع ما يدخل تحتها بحسب الوضع، وإنما كل معنى وُضع له لفظ، فوضع للعين الباصرة كلمة عين، ووضع لعين الماء كلمة عين، ووضع للذهب كلمة عين، فإذن الوضع ليس واحدا وإنما متعدد، ولهذا هنا قال في التعريف (بحسب الوضع)، يعني بحسب وضع واحد لا متعدّد، وأحسن أن تقول بحسب وضع واحد، فيكون أوضح في التعريف؛ يعني يكون كلام مستغرق لما يصلح له بحسب وضع واحد؛ لا وضع متعدد. حتى لا تدخل كلمة عين وأشباه ذلك من الألفاظ المشترِكة.
(9/71)
قال هنا (دفعة بلا حاجة) دفعة احترازا من المطلق؛ لأن المطلق عام ولكن عمومه بدلي وليس عمومه عموما شموليا، المطلق عام لأنه يصلح أي فرد من الأفراد لما أطلق فيه، لو قال قائل أنفق ريالا، وعندك عشر ريالات وَرَقِيَّة كل واحد مستقل؛ يعني ورقة ريال، ورقة ريال، ورقة ريال، فقول القائل أنفق ريالا، هذا يصلح، كلمة ريال تتناول الأول والثاني والثالث والرابع... لكن تناولها هل هو على سبيل الشمول أم على سبيل البدل؟ على سبيل البدل؛ يعني أنفق ريالا، يصح أن يكون الأول أو الثاني أو الثالث أو... رقم عشرة، ولهذا كثير من أهل العلم يعبر عن المطلق بالعام، وذلك من جهة أنّ المطلق عمومه عموم بدلي، أما العام الذي نتكلم عليه الآن فعمومه شمولي، ولهذا احترز عن العموم البدلي الذي هو المطلق، بقوله في التعريف (دَفعة واحدة) فمعنى قوله (دفعة) يعني مرة واحدة، أما العموم البدلي الذي هو المطلق فليس دفعة واحدة ولكن دفع هذا أو هذا أو هذا.
(9/72)
إذا قلت أنفق كل الريالات، أنفق كل ريال معك، وقال آخر أنفق ريالا، تلحظ أنّ قوله أنفق كل ريال لفظة (كل) هذه من ألفاظ العموم هذه تفيد إنفاق الجميع بهذه الكلمة (دَفعة)، يعني هذا اللفظ يتناول جميع الريالات، من أول ما تسمع كلمة (كل)، أما لو قلت أنفق ريالا فإنه لا يتناولها دفعة واحدة؛ يتناول الأول أو الثاني أو الثالث ليس مرة واحدة، بمعنى أنه لو أنفق الجميع بالمطلق حينما قال القائل أنفق ريالا ما صار ممتثلا، لقوله أنفق ريالا؛ لأنه لم يقل أنفق الجميع أنفق ريالا، فلو أنفق العشرة أو أنفق خمسة صار مخالفا للأمر، وذلك أن هذا اللفظ لم نستفد منه دخول الأفراد فيه دَفعة واحدة، وإنما دخلت الأفراد على سبيل البدل، ومثاله أيضا قوله جل وعلا ?فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ?[النساء:92]، لو عند واحد؛ لو يملك عددا من الرقاب ووجبت عليه كفارة فيها عتق رقبة، كفارة هي عتق رقبة، فهنا هل يعتق الجميع لقوله (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أو يعتق واحدة؟ واحدة، أي واحدة؟ رقم واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة، هذا أنت مخير أنت تعتق، مأمور بإعتاق رقبة دون تحديد لهذه الرقبة، المهم أن يكون فيها وصف الإيمان دون تحديد، إذا كان اجتمعوا هم في الأوصاف المجزئة رقم واحد و اثنين و ثلاثة و أربعة، فقول القائل أعتق رقبة، هذا الرقبة تشمل الأول والثاني والثالث والرابع، لكن تشملهما دَفعة أو على سبيل البدل؟ على سبيل البدل، فلو قلت لهذا الذي يملك أربع رقاب أعتق الرقاب التي تملك، فهذا اللفظ أعتق الرقاب يشمل الجميع، ولذلك هذا صار عموما شموليا بخلاف العموم البدلي، ولهذا قال هنا دفعة أو دفعة واحدة.
ثم قال (بلا حصر ) أحيانا يكون اللفظ يدل على شمول أكثر من شيئين، شيئين فأكثر، قد يكون أكثر بكثير يدل على عموم الأشياء، لكن يكون محصور مهما كان، يكون محصورا مثل عدد ألف، إذا قلت لمن يملك مَالاً أنفق ألف ريال فهل هذا من ألفاظ العموم؟ ليس من ألفاظ العموم؛ لأنه وإن دلّ على العموم لكنه محصور بهذا العدد، وألفاظ العموم هي التي تستغرق ما يصلح لها بلا حصر معين، فإذا حصر لم يكن عاما، صار له باب آخر.
فإذن صار عندنا تعريف العام وهذا هو التعريف المختار: أنه كلام مستغرق لما يصلح له بحسب وضع واحد أو بحسب الوضع الواحد، دفعة بلا حصر. صار عندنا كم؟ خمسة أو أربعة؟ أربعة:
أولا كلام مستغرق لجميع لما يصلح له.
(9/73)
ثانيا-انتبه لأن هذا الكلام ينبني عليه ما بعده-.
( كلام مستغرق لما يصلح له هذا واحد.
( اثنين: بحسب وضع واحد.
( ثلاثة: دفعة واحدة.
( أربعة: بلا حصر.
هذه أربعة قيود مهمة في تعريف العام.
إذا تقرر ذلك، فالصحيح عند الأصوليين أن العام له ألفاظ تخصه، والعموم مستفاد من الألفاظ، فما هي هذه الألفاظ؟ فقال هنا الماتن يعني الجويني في الورقات (وألفاظه أربعة: الاسم الواحد المعرّف بالألف واللام).
وقبل هذا هناك صيغتان مشهورتان هما أصل الباب لم يذكرهما فيما سمعتُ منكم الآن وهما كلمتا (كل) و(جميع)، فإن كلمة (كل) وكلمة (جميع) هذه من ألفاظ العموم التي هي أصل الباب، حتى إن كثيرا من العلماء قالوا إن كلمة (كل) و(جميع) ظاهرتان في العموم، وهما أظهر الباب في العموم، وقال آخرون إن كلمة (كل) نص في العموم وكلمة (جميع) ظهور في العموم، وهذا مهم أن نبينه لك، وهو أنّ العموم الذي سنستفيده من الألفاظ القادمة ضربان: نص صريح في العموم، وظهور في العموم؛ يعني عام عمومه ظاهر وعام عمومه نصي.
أما العام الذي عمومه نصي هو الذي لا يُخرج من أفراده شيء، وهذا هو الذي قيل أنه مستفاد من كلمة (كل)، وأيضا يستفاد من النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام إذا سُبقت بحرف جر زائد مثل (من) كما في قوله تعالى ** اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ** (1): فأصلا النكرة في سياق النفي أو في سياق النهي أو في سياق الشرط أو في سياق الاستفهام تعم وعمومها ظاهر، عمومها ظاهر، يعني النكرة إذا كانت في سياق أحد هذه الأربعة نستفيد منها الظهور في العموم، إذا سبقت النكرة بحرف جر زائد نقلت العموم من ظهوره إلى نصيته.
فما الفرق بين النص والظاهر؟ هذا من مباحث الأصول؛ مبحث النص ومبحث الظاهر، وهنا يريدون بقولهم أن النص في العموم أو التنصيص الصريح في العموم، والظهور في العموم أنّ:
النص: هو ما لا يخرج شيء من أفراده.
والظهور في العموم: ما يحتمل خروج الشيء من أفراده، يحتمل خروج الشيء من أفراده لكن هذا الاحتمال يكون ضعيفا.
__________
(1) الأعراف:59، و65، و73، و85، هود:65، و61، و83، المؤمنون:23، و32.
(9/74)
أما النص فلا يخرج شيء من أفراده (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) هذه العبارة –أستغفر الله وأتوب إليه- هذه الآية نفهم منها أنه لا يمكن أن يكون هناك فرد من أفراد الآلهة يُعبد، لا يمكن، (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) النكرة هي كلمة (إِلَهٍ) أتت في سياق النفي وهي كلمة (مَا لَكُمْ)، (مَا) هذه نافية أتت بعدها (إِلَهٍ) لو لم تأتِ كلمة (مِنْ): مالكم إله، صار ظهور في العموم، لما أتت (مِنْ) نقلت هذا العموم من ظهوره إلى كونه نصا صريحا في العموم.
إذا تقرر هذا لك في الفرق بين النص في العموم والظهور في العموم، فإن أصل هذا الباب هو كلمة –يعني من ألفاظ العموم- هو كلمة (كل) و(جميع)، و(كل) و(جميع) باتفاق أنها يدلان على الظهور في العموم، وقال بعضهم في كلمة (كل) كما ذكرتُ لك أنها تفيد التنصيص الصريح في العموم، ومثال ذلك في قوله تعالى ?اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ?(1) فأفادنا هذا أنّ الله جل وعلا خالق جميع الأشياء، خالق لكل ما يسمى أنه شيء، طبعا هذا يستثنى منه شيء وهو الله جل وعلا وأسماءه وصفاته وأفعاله، فقوله هنا (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) يعني كل شيء مخلوق، كل شيء ممكن، كل شيء يقبل ذلك، فلا يدخل فيه أسماء الله جل وعلا وصفاته ولهذا أُبطل قول المعتزلة في الاستدلال بهذه الآية، قال جل وعلا في سورة النمل قي قصة بلقيس ?وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ?[النمل:23]، (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) هنا يعم جميع الأشياء، لكن هل كان عندها عرش سليمان؟ هذا يدخل في الأشياء؟ يدخل فيه، ولكن لم يكن عندها عرش سليمان، فإذن (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يعني عموم الأشياء التي تكون عادة عند الملوك.
إذن هنا تنتبه إلى أن (كل) و(جميع) كما ذكرنا في التعريف مستغرق لما يصلح له، ذكرنا في التعريف أنّ العام كلام مستغرق لما يصلح له، ولهذا بهذا القيد نخرج كثير من هذه الإيرادات، مستغرق لما يصلح له، فهنا (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) الذي يصلح هنا لهذا اللفظ، يصلح أي شيء؟ يصلح الأشياء التي يؤتاها الملوك عادة.
ولهذا قال بعض أهل العلم وهذا متوجه، إنّ لفظ (كل) تفيد الظهور في العموم، لا التنصيص في العموم؛ لأنّ الظهور يمكن أن تستثنى منه بعض الأفراد بقرينة.
__________
(1) الرعد:16، الزمر:62.
(9/75)
(جميع) كلمة (جميع) أيضا من ألفاظ العموم، أعط جميع الحاضرين مالاً، الحاضرون هل يُستثنى منهم أحد بهذا الكلام؟ لا، فكل حاضر يستحق، كل فرد من أفراد الحاضرين يستحق أن يعطى مالا، أليس كذلك؟ هذا من أين أُستفيد؟ أستفيد من لفظ (جميع)، أعط جميع الحاضرين، وكما يُقال القاعدة في باب العام أنّ الاستثناء معيار العموم، الاستثناء معيار العموم، يعني إذا صار هناك استثناء، العام لا يستثنى منه شيء، وإذا ورد لفظ ثم استثني فهذا يدل على أنّ ما قبل الاستثناء عام؛ لأن الاستثناء معيار للعموم، وهذا سيأتي في موضعه إن شاء الله.
والأمثلة في (كل) و(جميع) كثيرة.
ذكر هنا الألفاظ منها (الاسم الواحد المعرف بالألف واللام) وبيان ذلك أن الألف واللام هذه تأتي في اللغة لأمور:
( الأول: أن تكون الألف واللام للعهد، كما في قوله تعالى ?كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا(15)فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ?[المزمل:15-16] (الرَّسُولَ) كلمة (الرَّسُولَ) معها لكلمة (الـ) حرف التعريف، هذه (الرَّسُولَ) الألف واللام استفدنا منها أي شيء؟ يعني (الرَّسُولَ) المعهود في الذهن أو في الذكر؟ في الذكر، قال(كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا(15)فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) يعني الرسول الذي جرى ذكره، فهذا يسمى عندهم معهود ذكري، وقد يكون العهد ذهني؛ يعني معروف في الذهن، معهود في الذهن، وذلك كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم«استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» (استنزهوا من البول)، البول هذا هل جرى له ذكر؟ جرى له ذكر قبل هذا الحديث؟، قال (استنزهوا من البول)، فهذا كلمة البول تشمل جميع الأبوال؟ يأتينا أن هذا ليس المراد؛ لأن أبوال الإبل مثلا يجوز يعني لا يستنزه منها، ونحو ذلك، البول المعهود، معهوده ذكري أو ذهني؟ معهوده ذكري.
إذن (الـ) التي تأتي قبل الاسم المفرد، قد تكون للعهد، والعهد:
قد يكون عهدا ذكريا.
وقد يكون عهدا ذهنيا.
وقد يكون عهدا حُضوريا.
كما هي أقسامه. هذا نوع.
(9/76)
( الثاني: من أقسام (الـ) أن تكون للاستغراق أو لاستغراق الأفراد، وهذه إذا أتت قبل الاسم المفرد؛ مثل كلمة إنسان أتينا قبلها (الـ) الإنسان، هذه تدل على عموم ما يصل لهذه الكلمة؛ كلمة إنسان، قال جل وعلا ? إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ?[العصر:2] كلمة (الْإِنسَانَ) هذه نكرة اسم واحد أتى قبلها كلمة (الـ)، هذا يدخل فيها بعض الإنسان أو كل الإنسان؟ كل الإنسان، ولهذا قالوا ضابط (الـ) هذه أنه يصح أن يجيء مكانها (كل)، فإذا صح أن يجيء مكانها (كل) صارت (الـ) هذه الاستغراقية لاستغراق الجنس، أو لاستغراق الأفراد، هنا (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) يعني إن كل إنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكما ذكرنا أن الاستثناء معيار العموم، فلما استثنى دل على أنه قبله أراد العموم.
( قد تكون (الـ) تأتي لبيان الحقيقة؛ حقيقة الشيء، وهذا كما في قوله تعالى ?وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ?[الأنبياء:30]، هذا ليس عهديا، ولا استغراق أفراد الماء، ولكن لبيان الحقيقة.
الذي يهمنا من هذه الأقسام الثلاثة القسم الثاني، وهو أنّ (الـ) إذا صارت قبل الاسم المفرد فإنها تفيد العموم، وهنا بحث وهو أنها قد تكون قبل الاسم المفرد، ويكون المراد بها العهد، فكيف نفرّق بين هذا وهذا؟ وهذه مسألة مهمة في التطبيق، لتطبيق القواعد الأصولية على النصوص أو الفروع، كيف تستنبط؟ هنا نقول أن ألفاظ العموم كما فهمنا من قبل أنها تستفاد من اللغة؛ يعني كيف علمنا أن (كل) من ألفاظ العموم، أن (الـ) من ألفاظ العموم، هذه كلها من اللغة، فإذن هي في ذلك حقائق لغوية، أليس كذلك؟
(9/77)
وقد قدمتُ لكم في الدرس الماضي -الذي هو من أشهر- أنّ الحقائق ثلاثة حقيقة شرعية، حقيقة عرفية، حقيقة لغوية، وأنه عند التعارض تقدم الحقيقة الشرعية على الحقيقة العرفية واللغوية، وذلك لأنّ الحقيقة الشرعية ناقلة، كان هناك حقيقة لغوية، ثم نُقلت فإذا كان هناك لفظ مفرد وأتت قبله الألف واللام، وهذا اللفظ له حقيقة شرعية، فهل نحمله على أن المراد به العموم أو نقول مراد به العهد الشرعي؟ هذه مسألة بحث، وعلى الصحيح الذي قدمناه الذي هو مذهب جمهور أهل العلم أنّ الحقيقة الشرعية مقدمة، فمعنى ذلك أن المفرد الذي قبله (الـ) وله حقيقة شرعية لا نستفيد منه العموم، وإنما نأخذ منه الحقيقة الشرعية، مثال ذلك –وكما يقال بالمثال يتضح المقال – قال قول النبي صلى الله عليه وسلم «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» إذا نظرت إلى كلمة (التكبير) وكلمة (التسليم)، كلمة تكبير لها مدلول في اللغة، صحيح؟ دخلت عليها الألف واللام (التكبير) هذا يشمل هل أنواع التكبير، أليس كذلك؟ إذن الألف واللام قبل الاسم المفرد تستغرق، يصح أن يشتق من هذه الكلمة لغةً قولك أو قول القائل الله الكبير أو الله كبير أو الله الأكبر كل هذه تصلح داخلة في التكبير، لكن هنا هل نأخذ على أنّ الألف واللام هذه للعموم؛ لأجل اللغة؟ أم نقول هنا تعارض العموم المستفاد من اللغة مع الحقيقة الشرعية وهو أن التكبير له لفظ شرعي معروف؛ فنقول تقدم الحقيقة الشرعية؟ فنقول هنا صحيح الألف واللام لما أتت معرفة للمفرد فهذا يدل على العموم لغة، ولكن لما كان هذا الاسم المفرد له معنى في الشرع فصارت الألف واللام هذه للعهد الشرعي، ولهذا مذهب عامة العلماء الذين يقدمون الحقيقة الشرعية على اللغوية هؤلاء يجعلون قوله «تحريمها التكبير» هذا إنما يكون التكبير الذي عرف في الشرع، وهو قول الله أكبر، فلو قال قائل الله الكبير أو الله الأكبر ونحو ذلك من الألفاظ، لم يكن قد دخل في التحريم، ظاهر؟ مثلها «تحليلها التسليم»، التسليم مثلها، يقول السلام عليكم، عليك السلام، هذه داخلة في التسليم، ومثل سلام عليك، سلام عليكم فهذه كلها داخلة فيها لغة، لكن هل هو مراده لغة وتحليلها التسليم، نفس البحث السابق، صحيح أنّ كلمة التسليم أتى قبلها الألف واللام، وأنها تدل على العموم اللغوي، لكن هنا عارضتها الحقيقة الشرعية، وهو أن التسليم له معنى في الشرع وهو قول السلام عليكم ورحمة الله، قول المصلي في آخر الصلاة
(9/78)
السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المعروف بكلمة التسليم شرعا، ولهذا يُحمل على هذا.
وهذا من المواطن المهمّة جدا في هذا الباب، ولهذا ربما كثير من الناس ما أدركوا مدارك الأحكام؛ عدّ (الـ) تعم وهي لا تعم، وفيه مسائل كثيرة معروفة، وفيه أدلة كثيرة حصل فيها نزاع.
الآن بعد ذكر هذا، نرجع إلى الأصل؛ وهو أنّ الألف واللام إذا أتت قبل الاسم الواحد أو الاسم المفرد أو الاسم المفرد المعرف بالألف واللام، هذا يدل على العموم.
ما مثاله؟ لو قلت: اقرأ الكتاب. أو أوضح من ذلك: اشتري الكتاب. وكان الكتاب من عدة مجلدات، وكان الكتاب مثلا مثل فتح الباري (15) مجلدا أو (14) فاشترى اثني عشر مجلدا، فهل اشترى الكتاب؟ لما؟ لأن قول الآمر للمأمور اشتري الكتاب؛ يعني به كل الكتاب. مثل ما ذكرتُ لكم أنّ الضابط حلول كلمة (كل) مكان (الـ) اشتري الكتاب هذا يعني اشتريه كله لا تشتري بعضه، اشتريه كله.
لو قال قائل لعبده مثلا -مثل ما يمثلون أحيانا- إذا حفظت القرآن فأنت حر، كلمة القرآن، هنا متى يكون حُرًّا؟ إذا حفظ تسعة وعشرين جزءا يكون حرا؟ لا يكون حرا، من أين الدليل؟ لأنه قال القرآن، وكلمة القرآن هي من كلمتين؛ الألف واللام أتت على المفرد، وهذا يدل على عموم (1) يستغرق إيش؟ ما يصلح له، القرآن الذي هو القرآن المعروف، ظاهر لكم؟
وبالمناسبة كذلك يعم الألف واللام التي قبل الجموع، صحيح أن العموم مستفاد من صيغة الجمع، لكن إذا أتت قبلها الألف واللام استفدنا منها أيضا العموم، مثل رجل له ثلاث سيارات مثلا، فقال جاءت السيارات التي أملكها، أو جاءت السيارات التي هي لي، هذه السيارات اثنين يصح أو لابد جميعها؛ لأنه قال السيارات فيشمل الجميع ما لم يستثني. رجل له أصدقاء؛ عدد من الأصدقاء، عشرة، خمسة، كذا، فقال جاءني الأصدقاء، هذا يدل على جميع أصدقائه ما لم يستثني، وهكذا.
فإذن الجمع إذا أتى قبله الألف واللام فهو مستفاد من الجمع، ولكن (الـ) التعريف هذه أفادت بقوة.
الجمع أنواع، تعرفون أنواع الجمع، هناك الاسم المعرف بالألف واللام الاسم؛ المفرد المعرف بالألف واللام، نترك تسميته لأني أظن أنّ ماله اسم، هناك اسم جمعي، وهناك اسم جنس جمعي، وهذه بدون الألف واللام، وهناك اسم جنس، وهناك جمع، وهناك مفرد أتت قبله ألف واللام التي نتكلم عنه فصار دالا على الجمع.
__________
(1) انتهى الوجه الأول من الشريط الرابع.
(9/79)
الأول اسم جمع: اسم الجمع هذا هو ما لا واحد له -تعريفهم له هذه كلها مفيدة في العموم-، اسم الجمع ما لا واحد له من لفظه ومعناه معا، ما لا واحد له من لفظه ومعناه معا، قد يكون من معناه، قد يكون من لفظه، لكن من لفظه ومن معناه معا ليس له واحد، هذا يسمى عندهم اسم جمع، مثل كلمة إبل مفردها إيش؟ بعير أو جمل، صحيح؟ لكن إبل لا واحد له من لفظه ومعناه معا، لكن له واحد من معناه، لكن من لفظه ومعناه معا لا واحد له، هذا ضابطها، وهذا له أمثلة كثيرة.
اسم الجنس الجمعي: اسم الجنس الجمعي هو دال على الجنس مع الجمع، وضابطه أنّه ما كان تمييز المفرد فيه عن الجمع بإضافة تاء أو ياء النسبة، إما بإضافة تاء أو بإضافة ياء النسبة مثل تفاح هذا اسم جنس جمعي واحده تفاحة، ما دام أضفت الهاء هذا ضابط، مثل خبز واحده خبزة، مثل شجر واحده شجرة، وهكذا، وقد يكون تمييز بين واحده وجمعه بالياء، وهذا يكون في أجناس الناس، مثل عرب، عرب هذه دالة على الجمع، هل لها واحد من لفظه؟ نعم بإضافة ياء النسبة، واحد العرب عربي، واحد تُرْكٍ تركي، واحد عجم عجمي، وهكذا، هذا ضابطها.
الأخير اسم الجنس: وهذا مثل كلمة الماء، ونحوها مما لا واحد له، اسم جنس ما له واحد، يعني الماء ما فيه شيء يقال له مفرد ماء، الماء هذا اسم جنس، ما يقال جمع ليش؟ لأنه لا واحد له، لا من لفظه ولا من معناه، لهذا يقال اسم جنس.
هذه كلها مهمة؛ لأن كل واحدة من هذه قد يكون دالا على العموم، ما لم تكن (الـ) قبلها دالة على العهدية بأنواعها، ظاهر لكم؟
اسم الجنس الجمعي ضابطه أو تعريفه هو ما يُفرَّق بين واحده وجمعه بزيادة التاء في آخره؛ التاء المربوطة أو ياء النسبة، مثل دجاج دجاجة ، تمر تمرة ، شجر شجرة ، وياء النسبة مثل عرب عربي ، ترك تركي ، عجم عجمي إلى آخره.
هو ذكر هنا اسم الجمع المعرف باللام، اسم الجمع ذكرناه لكم ما هو؟ مثل إبل مثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الإبل «في الإبل في سائمتها» كذا، الإبل هذا يشمل أجناس؛ يعني هذا يدل على الجمع، إذا قال اشتري الإبل، واحد شاف خمسة، ستة من الإبل فقال لآخر اشتري الإبل، فيمتثل إذا اشتراها جميعا، إذا قال والله لا أشتري الإبل، هنا يصبح حالف أنه ما يشتري الإبل جميعها، فلو اشتراها صار حانثا، لو اشترى واحدا حنث أو لم يحنث؟لم يحنث لأن الإبل اسم جمع، وقبله أتت الألف واللام فلا يحنث بشراء واحدة.
(9/80)
وهذا مهم في الأيمان يأتي كثيرا الاستفادة من هذه القاعدة، يعني قواعد العموم يستفاد منها في فهم النصوص، وفي الأيمان في قواعد في الأيمان يعني لأنه يخرّج بها كلام الناس أحيانا.
نيته إذا صار اللفظ محتمل، إذا كان اللفظ محتمل نعم، يُرجع إلى قصده، أو يرجع إلى العرف، يعني ولو قال والله لا آكل لحما، أنتم هنا عندكم مثلا جنب البحر تسمون السمك لحم؟ طيب هل يحنث بأكل السمك؟ قال العلماء لا يحنث مع أنه في اللغة لحم، كما قال جل وعلا ?لَحْمًا طَرِيًّا?[النحل:14]، لكن العرف هنا القصد ليش؟ لأن لها عرف في استعمالها، لو قال قائل مثلا ليش -هذه لها أمثلة كثيرة أحد القواعد في ... (1) الفروع على الأصول-، نمثل بما له عرف، قال والله لا أركب دابة –ناس في البدو مثلا – تدخل فيها السيارة؟ ناس في البدو مثلا في البادية قال لا أركب دابة، دابة هذه لغة تشمل السيارة لأنها تدب على الأرض، لكن هنا عرف خاص هذه يعتني بها الخطباء والعلماء؛ لأن القواعد الأصولية إما في الفتاوى والاستنباط إلى آخره.
(الأسماء المبهمة) أيضا من ألفاظ العموم، ومعنى الإبهام، ما معنى الإبهام؟ معنى الإبهام فيها أنها تحتاج إلى صلة بعدها أو كلام بعدها يبين المراد منها؛ لأنها تحتمل عدة أشياء، فمثلا من هذه، إذا قلتُ أتاني من وسكتُ، أنت تفهم أنني أُتيتُ لكن من الذي أتاني هذا يحتمل، يحتمل أنه أتاني من أحب، أتاني من لا أحب، أتاني من أكرمني، أتاني من بايعته، فيه عدة احتمالات، فإذن الكلمة فيها إبهام تحتاج إلى صلة كلام تزيل هذا الإبهام، والأسماء الموصولة جميعا من الأسماء المبهمة؛ لأنها تحتاج إلى صلة تفك الإبهام الذي فيها، فالأسماء المبهمة مثل مَنْ، (مَنْ) هذه قال هنا لمن يعقل، وهنا اعتراض عليه؛ لأن الله جل وعلا قال في كتابه ?قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ?[الأنعام:12] قال (لِمَنْ) ثم قال (لله) الله جل وعلا يدخل في كلمة (مَنْ) أليس كذلك؟ ولذلك نقول لا يجوز أن يقال (من لمن يعقل)؛ لأن الله جل وعلا لا يوصف بالعقل؛ لأن هذا لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، بل لم يدعِ أحد أن الله جل وعلا يوصف بالعقل، هذا المدققون من علماء النحو يقولون: من لمن يعلم. أما يعقل، فلا.
__________
(1) كلمة لم أفهمها.
(9/81)
إذا كان كذلك، فـ(مَنْ) تأتي يعني في الأصول دالة على العموم إذا كانت اسما موصولا، دالة على العموم إذا كانت اسم استفهام، دالة على العموم إذا كانت اسم شرط.
الظاهر أطلت في التفصيل شوي، فما رأيكم نختصر، أو على طريقتنا؟ التفصيل أحسن، طيب، والله هو الأصل الذي كنا نقوله أن اثنين في الورقات، وبينهما؛ الظهر والمغرب كان الورقات هذا الترتيب الذي كان عندي، والعصر لـ... المهم اثنين للأصول وواحد لمسائل الجاهلية، وإن أحببتم أن تكون الأصول أكثر وأولى سنستمر ونمشي؟
على كل حال نرجع للموضوع (من) ذكرنا أنها تدل على العموم:
سواء أكانت اسما موصولا، تقول جاءني من أحب؛ يعني من أحب هذا يدخل فيه جميع الذين تحبهم، يعني كل أحبابك، وهذا أيضا كما قال جل وعلا ?وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ?[الرعد:15] (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ) هذه موصولة، صحيح؟ فكل من يوصف بذلك في السموات أو في الأرض داخل في هذا العموم، هذا واحد.
(9/82)
الثاني أن تكون من اسم استفهام، مثلا لو قال لو سئلت من في الدار؟ قلت محمد، (مَنْ) هذه دالة على العموم، وهنا أورد إشكال على هذا الكلام، وهو أنّ الجواب صار بواحد، من في الدار، فقال محمد، فكيف تدل على العموم مع أنّ (من) دخل فيها واحد لا غير؟ هذا سؤال معروف عند الأصوليين، وجوابه أنه لا يُنظر في ذلك إلى الجواب؛ جواب السؤال، وإنما السؤال وقع من السائل طالبا أن يُخبَر عن جميع من في الدار، من في الدار هو من حيث السؤال يريد الكل لا يريد البعض، فإذن صلاحية اللفظ لجميع الذين هم في الدار، اللفظ يصلح، فإذن هو لفظ يدل على عموم الكائنين في الدار، كونه لم يكن في الدار إلا واحدا هذا ليس لأجل (مَنْ)، وإنما هذا الذي حصل؛ يعني لو كان في الدار مائة رجل، فجواب السائل في قوله من في الدار؟ جوابه يكون بتعداد المائة فيها؛ فلان وفلان وفلان إلى أن يتم المائة، لو عدّ تسعة وتسعين يكون مجيبا على السؤال بتمامه؟ لا، وذلك لأنّ اللفظ سؤال به عن الجميع، مثل قول الله جل وعلا ? مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ?[البقرة:255] (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فهذا سؤال الذي يصلح للجميع، يعني يشفع الملائكة، هل تشفع الملائكة عنده إلا بإذنه، الملائكة تشفع بغير إذن الله؟ لا، الصالحون يشفعون؟ لا، الأحجار –لا الأحجار لا تدخل في (مَنْ)- الأنبياء، العلماء، الناس؟ لا يمكن، لا أحد يشفع إلا بالإذن، ولذلك (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) يستدل بها أهل العلم بالتوحيد على أن الشفاعة عند الله جل وعلا لا تكون لأحد مهما كان مقامه حتى الملائكة المقربون وحتى الأنبياء المنتخبون المصطفون وحتى الصالحون إلا من بعد أن يأذن الله، استدلالا بهذه الآية (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)، ووجه الاستدلال أنّ (مَنْ) من ألفاظ العموم.
(مَنْ) تكون للشرط أيضا، يعني الأمثلة كثيرة جدا في الكتاب والسنة وفي الكلام، (مَنْ) للشرط تقول مثلا من جاءني أكرمته، من كتب لي أعطيته، من أعطاني محبرة فله دينار، تعرفون القصة هذه؛ من أعطاني محبرة فله دينار؟ من أعطاني محبرة فله دينار، هذه اسم شرط، هذه تسمى اسم شرط، وهي دالة على العموم، يعني كل واحد يعطيه محبرة، يعطيه دينار، من جاءني أكرمته، كل واحد يأتيه فيكرمه، فهنا من تصلح للجميع.
(9/83)
(وما فيما لا يعقل) (ما) هذه أيضا هي اسم موصول، (وما فيما لا يعقل) اسم موصول؛ يعني (ما) هذه من الأسماء الموصولة، ولا شك أنها مبهمة؛ لأنها تحتاج إلى صلة تفك إبهامها، ومجيئها دالة على العموم يكون في أنحاء، منها أن تكون اسما موصولا مثل (مَن) تقول في قوله تعالى ?وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ?(1) (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) هذا يشمل جميع ما لا يعقل جميع ما يعقل هو لله جل وعلا ملكا في سمواته وفي أرضه، هذا اسم موصول دال على العموم، مثلا لو قلت إيتني بما طلبت، طلبت أنت مثلا عدة كتب، قلت للقائل إيتني بما طلبت، ما هذه؟ لو أتى هو بتسعة منها وهي عشرة، أو أتى بألف وهي ألف ومائة، هل يكون ممتثلا؟ لا، لأن قولي إيتي بما طلبت، هذا يشمل جميع ما طلب، بدلالة لفظ (ما)، في القرآن مثلا ?مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ?[النحل:96] (ما) هذه موصولة، أليس كذلك؟ الذي عندكم ينفذ وما عند الله باق، والذي عند الله باق، هذا يستثنى منه شيء؟ (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ) كل ما عندكم تملكونه فإنه إلى النفاذ، وما عند الله جل وعلا فهو للبقاء يعني من الأجر والجنة ونحو ذلك.
(ما) تكون أيضا، ذكرنا أنّ (ما) اسم موصول، وهنا ننبه على أيضا زيادة على الأول؛ وهو أن (ما) كثيرا ما تأتي بعد (أي)، و(أي) نعم اسم موصول، لكن هو ننبه على (أي) هنا (أي) اسم موصول كما ذكرتُ لكم من قول ابن مالك
أي كما وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف
__________
(1) آل عمران:109، و129، النساء:126، و131، و132، النجم:31.
(9/84)
فـ(ما) تأتي مع (أي) كثيرا، إذا أتت مع أي فيقوى العموم المستفاد لأنه هنا من (أي) ومستفاد من كلمة (ما)، وذلك مثل قوله جل وعلا ?قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى?[الإسراء:110] (أَيًّا مَا تَدْعُوا) هذا أتت بعد (أي) كلمة (ما) على العموم، العموم مستفاد من (ما ) ومن كلمة (أي) أيضا، نعم من (أي) يستفاد عموم كما سيأتي في موضعه، مثل قول الله تعالى أو شاهده قوله تعالى ? ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا?[مريم:69]، (أَيُّهُمْ) يصدق على كل واحد، هنا قوله تعالى (أَيًّا مَا تَدْعُوا) يصدق على الرحمن أو الله؛ لأنه قال (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا) وقد مرّ معنا أنّ العموم ما يشمل اثنين فصاعدا، وهذا يشمل (أَيًّا مَا تَدْعُوا) هذا أو هذا أو هما معا، فكلّ ذلك لله جل وعلا (أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى).
نكتفي بهذا القدر –بقي على الأذان كم الآن أقل من ساعة ؟ نكتفي.
(((((
والأسماء المبهمة كـ(من) فيمن يعقل, و(ما) فيما لا يعقل، و(أي) في الجميع, و(أين) في المكان, و(متى) في الزمان, و(ما) في الاستفهام والجزاء وغيره, و(لا) في النكرات، والعموم من صفات النطق، ولا يجوز دعوى العموم في غيره, من الفعل وما يجري مجراه.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا عملا وعلما يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
فهذه صلة للكلام على المبحث العام، وقد تقدم لنا أنّ العام يحتاج إلى ألفاظ مخصوصة؛ يعني أن العام له ألفاظ تدل عليه، ذُكر بعضها، وهنا ذكر بقية تلك الألفاظ التي تدل على العموم.
(9/85)
فمنها كلمة (أي)، و(أي) قال لك (في الجميع)؛ ((أي) في الجميع) يعني على حسب استعماله (أي) فيمن يعقل وفيمن لا يعقل، وذكرنا أنّ الاستعمال المناسب لكلمة (من) فيما سبق أنها لمن يعلم دون كلمة من يعقل، وذلك لأنها تصلح لله جل وعلا ?قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ?[الرعد:16]، وكذلك (أي) هنا قال (و(أي) في الجميع) يعني فيمن يعقل على حسب استعماله وفيمن لا يعقل، ونصوب فيها ما صُوِّب سابقا فتكون (أي) فيمن يعلم وفيمن لا يعلم، وإذا قلت من يعلم ومن لا يعلم أو من لا يعقل، يصح ذلك أيضا، لكن هي (أي) فيمن يعلم ومن لا يعلم ومن لا يعقل وذلك لأنها أطلقت على الله جل وعلا وشملت بعمومها اسم الله جل وعلا كما في قوله ?قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ?[الأنعام:19]، وكما في قوله ?قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى?[الإسراء:110]، وهذا يدل على دخول اسم الله جل وعلا أو على دخول أسمائه في كلمة (أي). وإذن تكون فيمن يعلم وفي من لا يعلم أو من لا يعقل. (أي) هذه من ألفاظ العموم سواء قصد بها الاستفهام كقول الله تعالى?أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا?[مريم:73] وكقول القائل أي الرجال في الدار؟، هنا هذه للعموم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) مع أنهما فريقان، لكن صلاحية (أَيُّ) أنها تستغرق لكل ما يصلح لها، قوله (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) يصلح أنْ يتناول اللفظ الأول والثاني، وهذا معنى كونها دالة على العموم، وليس ذلك بالنظر إلى الجواب؛ لأن الجواب يكون واحدا من الاثنين، وكذلك لو كانت جماعة فإن الجواب يكون بواحد أو بأكثر، كقوله أي الرجال عندك؟ أي الرجال المهذَّب؟ هنا (أي) من حيث تناولها تتناول جميع ما يصلح لها في هذا الموضع؛ يعني تتناول جميع الرجال، لكن هي من حيث الجواب –نعم- تدل على واحد، إذن فلا اعتراض بأنّ (أي) تدل على واحد في الاستفهام، مثلا فكيف تكون دعوى العموم فيها؟ والجواب أنّ ذلك بالنظر أنها تتناوله بمفردها، يعني حين السؤال، الكلمة تصلح لجميع ما يدخل فيها من الرجال، وليست لواحد بعينه، أي الرجال إذا كان عندنا عشرة أو عشرين، (أي) هذه تشمل الجميع دون واحد بعينه، قال سبحانه وتعالى هنا (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، (أي) تكون
(9/86)
مستعملة في الاستفهام كما مثلنا (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا)، أي الرجال عندك ؟ أي الكتب قرأت؟ أي العقائد أسلم وأعلم وأحكم؟ ونحو ذلك، هذه في السؤال؛ في الاستفهام.
تأتي أيضا (أي) في الشرط وكما في قوله (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ) (فَلَهُ) هذا جواب وقع في جواب الشرط، والفاء هذه واقعة في الجزاء، فمعنى هذا أنّ (أي) هذه يراد منها الشرط (أَيًّا مَا تَدْعُوا) يعني إنْ هذا وإنْ هذا؛ إن دعوتم الله أو دعوتم الرحمن فله الأسماء الحسنى.
كذلك تأتي (أي) لكونها موصولة، مثل (ما) السابقة موصولة، وهذا من مثل قوله ?ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا?[مريم:69]، (أي) هنا هذه موصولة، قد تَقدم أنّ الأسماء الموصولة من ألفاظ العموم، وقد قال ابن مالك في الألفية في بيان (أي) هنا
أيٌّ كما وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف
يعني أن (أيًّا) هنا من الموصولات، والموصولات تعم.
إذن صار عندنا هنا في قوله (وأي في الجميع) نجعلها على وجه الاختصار، (أي في الجميع) يعني في من يعلم ومن لا يعلم، (أي) لها ثلاثة استعمالات:
تكون (أي) في الاستفهام، هذه تعم.
(أي) في الشرط شرطية، هذه تعم.
و(أي) في الموصول، هذه تعم.
كثيرا ما يلحق (أي) كلمة (ما)، وهذه يراد منها تقوية العموم وتأكيد العموم، كما في الآية التي ذكرنا (أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، فقوله (أَيًّا مَا) هذا لتقوية العموم ولتأكيده.
((أين) في المكان و(متى) في الزمان)، (أين) هنا في المكان يعني دلالتها، و(متى) دلالتها على الزمان، يعني بحسب الوضع؛ إذا سألت على المكان سألت بـ(أين)، وإذا سألت عن الزمان سألت بـ(متى).
(أين) هذه تصلح لجميع الأمكنة؛ يعني يصلح أن يدخل فيها أي مكان.
(متى) تصلح أن تدخل فيها جميع الأزمنة.
وهذا معنى قوله الأسماء المبهمة هنا (من) فيها إبهام، و(متى) فيها إبهام، لكن (أين) إبهامها في الأمكنة، ولذلك تحتاج إلى تتمة لها حتى يبين المراد منها، و(أين) في المكان تكون عامة في موضعين:
(9/87)
( الأول إذا كان في الاستفهام، كقول القائل أين تذهب؟ هو سأل عن جهة الذهاب ومكان الذهاب، يصلح للجواب بـ(أين) أي بها أي مكان، أين تذهب؟ يصلح أن يقول أذهب إلى الشمال، إلى الجنوب، إلى الشرق، إلى الغرب، يصلح أن يقول أذهب إلى البيت أذهب إلى الحديقة، أذهب إلى المسجد، أذهب إلى المكتبة، يصلح أن يقول أذهب إلى مكة، أذهب إلى الرياض، فإذن صلاحية (أين) لجميع الأمكنة ناسب أن تكون دالة على العموم، وذلك في الاستفهام -كما ذكرنا، وهي الحال الأولى- ومثاله قوله تعالى ?يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ?[القيامة:10] فقوله هنا (أَيْنَ الْمَفَرُّ) يعني المفر أين؟ فهو سأل عن كل الأمكنة التي تصلح أن يفر إليها من عذاب الله، ومما وقع يوم القيامة (يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) وهذا ظاهر في أن دلالتها على العموم؛ لأن الإنسان في ذلك الوقت يبحث عن خلاص ولا خلاص، يقول (يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ)، (أَيْنَ) متعلقة بجميع الأمكنة.
(9/88)
( كذلك تكون (أين) دالة على العموم إذا كانت شرطية، أين تذهب أذهب، أين تقوم أقم معك، فهذا شرط، لكنه شرط متعلق بأي شيء؟ متعلق بالمكان فقط، يعني إن ذهبت إلى أي مكان ذهبت معك، إن قمت في أي مكان قمت معك، وهذه الشرطية كثيرا ما تقوى بكلمة (ما) التي تدل على تقوية العموم، وذلك من مثل قوله تعالى?أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا?[البقرة:148]، لهذا يشمل جميع الأمكنة وقوي العموم بقوله (مَا) (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا)، ?أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ?[النساء:78]، ?فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ?[البقرة:115] هذه كلها (أين) التي هي شرطية (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ) دلّ على كونها شرطية، مجيء الجواب متصل بالفاء التي تتصل بجواب الشرط (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا) أصلها يأتي، لكن هنا جزمها، فدل على أنها جواب الشرط، قال (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ) جَزَمَ (يدرك)، وهذا دليل على أنها واقعة في جواب الشرط، وما في هذه الآيات لتقوية العموم وتأكيده، لا نعني بها أنها تكون نصا في العموم، لا، ولكن عموم مقوّى وهو أقوى وأوكد من العموم الذي يقوى، ومجيء العموم مقوى كثير، بألفاظ التأكيد تارة، وبزيادات تارة، فمثلا من ألفاظ التوكيد كقوله تعالى ?فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ?(1) هنا (الْمَلَائِكَةُ) عام لكن قوى العموم بقوله (كُلُّهُمْ)، وقوى مرة أخرى بقوله (أَجْمَعُونَ)، وهكذا؛ لكن هذا غير الظهور والنصية في العموم التي سبق أن أوضحناها لك.
فإذن عندنا في العموم أربع أنواع:
عندنا عام.
وعام مؤكد؛ مقوى.
وعندنا ظهور في العموم.
وعندنا نص في العموم.
هي أربع ألفاظ مهمة، كل واحدة لابد أن تكون في ذهنك متجلية واضحة عن غيرها.
قال (و(متى) في الزمان) (متى) من جهة الزمان مبهمة، متى الخروج؟ قوله متى الخروج؟، يصلح الجواب أن يكون بأي زمن من الأزمنة، متى الخروج؟ هذا يغني عن قولك الخروج الساعة السادسة أو الخروج الساعة السابعة، الخروج الساعة الثامنة، الخروج الساعة التاسعة، الخروج صباحا، الخروج مساء، الخروج ظهرا، الخروج عصرا.
__________
(1) الحجر:30، ص:73.
(9/89)
فإذن (متى) دالة على العموم عموم الأزمنة، ولهذا نقول إنها في الاستفهام، وكذلك في الشرط أنها دالة على العموم، وذلك لصلاحية اللفظ لشموله جميع الأزمنة، وذلك لأنها أيضا فيها إبهام، والإبهام يصلح أن يتناول الجميع، إذا قلت متى الخروج؟، نعم الجواب عليه كما سبق أن ذكرت في (أي)، الجواب عليه يكون بتحديد وقت واحد، متى الخروج؟ تجيب الخروج صباحا، نعم عدد واحد، لكن قولهم إن (متى) تدل على العموم، ليس معناه أنّ الجواب عليها يقع عاما، ولكن معناه صلاحية اللفظ أن يستفهم به عن جميع الأوقات، فـ(متى) هل هناك وقت لا يصلح أن يستفهم عنه بها؟ ليس ثَم وقت لا يصلح أن يستفهم عنه بها حتى قيام الساعة، حتى وقت الساعة كذلك يصلح أن يستفهم عنه فـ(متى) ? مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى?؛ ?فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا?[الإسراء:51] وهو أبعد ما يكون من الأزمنة بالنسبة للمتحدث الذي هو قيام الساعة.
إذن هذه الحالة الأولى التي تأتي فيها (متى) عامة التي هي تكون (متى) في الاستفهام. إذن في قوله تعالى (مَتَى هُوَ) هذا يصلح لأي زمن، لما قال تعالى (قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) هذا معناه أن الساعة يمكن أن تكون في أي وقت من الأوقات التي هي بعد وقت التكلم، بعد وقت التكلم يصلح أن يأتي الجواب، (مَتَى هُوَ) بعد ساعة، بعد يوم، بعد يوم أو يومين هذا كله يصلح، وهذا لا شك يستفيد منه المفسر في أنه أبلغ في التخويف منها، ?وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا?[الأحزاب:63].
الحال الثانية تكون (متى) شرطية، مثل (أين) التي سبق ذكرها، تقول متى تقم أقم، متى تصلِّ أصلي، متى تصلِّ أصلي، بالجزم، تقول مثلا متى قام الناس قمت، هذا جزاء مرتّب على شرط مع فعله، الجزاء هو القيام الثاني، متى قام الناس قمت، فقيامك مرتّب على قيام الناس، بل هو مشروط به، فإن قاموا قمت، فقولك متى قام الناس قمت، كأنك قلت إن قام الناس قمت، ولكن إنّ هذه ليست الأزمنة، لكنها مشروطة، إنْ قام بدون النظر إلى الزمان، متى بالنظر إلى الزمان، وهذا ظاهر كما ترى..
(و(ما) في الاستفهام والجزاء) ذكرنا لكم أنّ (ما) فيما سبق تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
(ما) الموصولة ومر الكلام عليها التي قلنا فيها فيهن لا يعلم أو فيما لا يعقل.
الثانية الجزائية.
(9/90)
الثالثة الاستفهامية ما عندك هذه، الاستفهامية ما عندك، تسأل عن هذا، ما تقول هذا استفهام يصلح أن يتناول جميع المقولات، ما رأيك في الكتاب؟ هذا يصلح أن يتناول جميع الآراء، هذا معنى الاستفهامية.
أما الجزائية (1) فهي الشرطية بمثل قوله تعالى ?وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ? [البقرة:197] (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) وهذه عند كثير من علماء الأصول والنحو أنها هي الموصولة، ولكن الموصولة على قسمين:
موصولة ليست بالشرط.
وموصولة مضمنة معنى الشرط.
فإذن فالأصح أن نقول إن (ما) التي تكون دالة على العموم نوعان:
الأول: الموصولة.
الثاني: الاستفهامية.
والموصولة قسمان:
موصولة مجردة.
وموصولة مضمّنة معنى الشرط.
لو قلت جاءني ما أروم، هذه (ما) فيها، هذه مجردة، جاءني الذي أروم، لكن (ما) تكون مضمنة معنى الشرط، مثل ما ذكرت ? وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ? [البقرة:272]، ما تعمل أعمل، هذه التي هي تكون بمعنى ... ؛ يعني الذي تعمل أعمل، ولكنها موصولة فيها معنى الشرط، طبعا فيه فرق في الاستفادة بين هذه وهذه، ليس هذا محل بيانه.
إذن صار عندنا أن الموصولة (ما) هذه تنقسم إلى قسمين، وكلها دالة على العموم، و (ما) الثانية التي هي استفهامية، كذلك دالة على العموم.

__________

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 07:26 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com