موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر الفقه الإسلامي

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 27-05-2025, 09:33 PM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي يستحب للمسافر أن يكتب وصيته قبل سفره وإن كانت عليه حقوق فيجب ذلك

المختصر في أحكام السفر
رابعا: الآداب:
* حكم استئذان الوالدين في السفر له حالات:
1 - السفر للحج الواجب محل خلاف، وسببه هل الحج على الفور أو التراخي؟ والصحيح أنه لا تجب طاعتهما لو منعاه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولأن الحج واجب على الفور على الصحيح كما هو مذهب طائفة من الفقهاء، أما النافلة فيجب طاعتهما لو منعاه لأن طاعتهما واجبة وهنا نافلة.
2 - السفر للعلم الواجب ولا يوجد تحصيله في بلده فلا يجب طاعتهما حين المنع، وأما النافلة والفرض الكفائي إن
_________
(1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 267، والجمع ذكره الشيخ في فتاوى نور على الدرب.
(2) فتاوى اللجنة 8/ 95.
(3) فتاوى ابن عثيمين 15/ 267.

(1/31)
كان لا يوجد في بلده أو ممن تحتاجه الأمة لتعلمه وقدرته ونبوغه على تحصيله فلا يشترط إذنهما لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ** [التوبة: 122].
3 - السفر للتجارة: إن كان لدفع حاجات نفسه أو أهله بحيث لو تركه تأذى بتركه كان له مخالفتهما للحديث المشهور: «لا ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في غاية المرام، وإن أراد به تكثراً فلا بد من الإذن.
4 - السفر للجهاد: إذا توفرت شروط الجهاد في البلد الذي وقع فيه القتال وقرر العلماء ذلك فإنه لا بد من الإذن نص حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد» رواه البخاري. وعند أبي داود «ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما» قال ابن حجر: قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية. اهـ (1). ورجحه الشيخان، والمسألة هنا لها تفريعات مظانها في كتب أهل العلم ـ رحمهم الله ـ.
5 - السفر المباح: يشترط إذنهما.
_________
(1) الفتح 6/ 163، ورجحه الشيخان.

(1/32)
وهذا التقسيم ذكره جمع من العلماء كابن حجر والقرافي والطرطوشي وابن علان وابن الشاط (1).
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه شيخنا ابن عثيمين ـ الذي يعد امتدادا لمدرسة شيخ الإسلام ـ على أن الضابط في ذلك يعود إلى المنفعة والضرر، وحاصل كلامهم وتخريجا عليه لا يخلو من حالات:
أ- إذا كان في سفره منفعة له ولا ضرر عليهما فلا يشترط إذنهما.
ب- إذا كان في سفره منفعة وفيه ضرر عليهما فيشترط الإذن.
ج- إذا كان في عدم سفره ضرر عليه وفي سفره ضرر عليهما فلا يخلو من أحوال:
- إذا كان ضرره أعظم فلا يشترط إذنهما، وإذا كان ضررهما أعظم فلا بد من إذنهما.
- إذا تساوى الضرران فيراعى كل مسألة بحسبها. ولا شك أن البر والعقوق درجات رزقنا الله برهما وغفر للميت منهما (2).
* سئل شيخ الإسلام عن سفر من له أولاد:
أجاب: أما سفر صاحب العيال فإن كان السفر يضر
_________
(1) الفروق 1/ 261، الفتح 6/ 163، بر الوالدين للطرطوشي، شرح الأذكار 3/ 98، كشاف القناع 4/ 126، المبدع 3/ 233.
(2) الممتع 8/ 16، الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 464.

(1/33)
بعياله لم يسافر؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» رواه أبو داود، وسواء كان تضررهم لقلة النفقة أو لضعفهم وسفر مثل هذا حرام، وإن كانوا لا يتضررون بل يتألمون وتنقص أحوالهم فإن لم يكن في السفر فائدة جسيمة تربو على ثواب مقامه عندهم كعلم يخاف فواته وشيخ يتعين الاجتماع به وإلا فمقامه عندهم أفضل، وهذا لعمري إذا صحت نيته في السفر كان مشروعا.
وأما إن كان كسفر كثير من الناس إنما يسافر قلقا وتزجية للوقت، فهذا مقامه يعبد الله في بيته خير بكل حال، ويحتاج صاحب هذه الحال أن يستشير في خاصة نفسه رجلا عالما بحاله وبما يصلحه، مأمونا على ذلك، فإن أحوال الناس تختلف في مثل هذا اختلافا متباينا (1).
وعن الخلال قال: سمعت أبا عبد الله ـ أي: الإمام أحمد ـ سئل عن حديث: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» قال الرجل يكون له قرابة فيسافر ويتركهم، فإذا تركهم وحدهم أليس يضيعون وليس لهم أحد إلا هو؟ قلت: نعم. قال: هذا معناه. وسئل أخرى عن رجل خرج للكوفة ومن ثم سيذهب للحج وقد حج وخلف عيالا يخشى أن يضيعوا فذكر الحديث .. وفي رواية: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» رواه النسائي وابن حبان والحاكم (2).
_________
(1) الفتاوى 28/ 28.
(2) الحث على التجارة والصناعة للخلال 1/ 80.

(1/34)
* يستحب للمسافر أن يكتب وصيته قبل سفره وإن كانت عليه حقوق فيجب ذلك؛ لحديث ابن عمر في وجوب كتابة الوصية المشهور لمن له أو عليه حق في صحيح مسلم؛ ولأن التعرض للآفات في السفر أكثر مما هو في الحضر.
* يستحب أن يودع أهله ومشايخه وأصحابه: ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نودعه حين أردنا الخروج» رواه البخاري، قال ابن حجر: "وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده وتوديع أصحابه له" (1) وهو نوع من الوفاء ويشتكي الكثير من قلة الوفاء في هذه الأزمان ..
* يستحب توديع المسافر أهله وأصحابه: بقوله: "أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه" (2) يردون عليه: "نستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك" (3) ويقال كذلك: "زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيث كنت" وكلها صحيحة (4). والحكمة من قولهم نستودع الله دينك .. : لأن السفر مظنة للتقصير والتساهل في أمور الدين بسبب المشقة، وعدم الرقيب من البشر، والبعد عنهم فكان الدعاء بذلك مناسبا للحال (5).
_________
(1) الفتح 6/ 175.
(2) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في الجامع برقم 958.
(3) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في الجامع برقم 957.
(4) رواه الترمذي والحاكم وحسنه الحافظ.
(5) الأذكار للنووي بتصرف 1/ 551.

(1/35)
قال ابن عبد البر: إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع أخوانه فإن الله جاعل في دعائهم بركة (1).
مسألة: بعض الناس يوصي المسافر تبليغ السلام لمن سيسافر إليهم فهل يجب أن يبلغ السلام؟
ورد في صحيح مسلم: «يا رسول الله إن أصحابك يقرؤون عليك السلام ورحمة الله» قال النووي: فيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب سواء كان أفضل من المرسل أم لا. قال أصحابنا: ويجب على الرسول تبليغه (2).
وجاء في فتح العلام في أحكام السلام 37: "ويجب على الرسول تبليغ السلام للغائب ولو بعد مدة طويلة بأن نسي ذلك ثم تذكر لأنه أمانة" والأقرب الوجوب إذا قبل تحمل السلام وتبليغه فهو أمانة إن قبلها وجب عليه أداؤها وإن لم يقبلها لم يجب عليه أداؤه، وينبغي لمرسل السلام أن يقول للمرسل معه: إن استطعت وإن لم تنس ومن تقابل أو يحدد له أشخاصا حتى لا يثقله بما لا يطيق والناس يتساهلون في هذا من الجهتين.
* يستحب السفر يوم الخميس: لحديث: «أن رسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحب أن يخرج يوم الخميس» رواه البخاري، ويجوز السفر في سائر الأيام عدا الجمعة ويأتي التفصيل فيه، ولا يجوز التشاؤم من السفر في أي يوم من الأيام، فإذا عزم الإنسان على السفر في أي وقت فليفعل.
_________
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 450.
(2) المنهاج 8/ 283.

(1/36)
فرع: عن علي رضي الله عنه قال: "لا تسافروا في المحاق" المحاق: اليوم التاسع والعشرين والثلاثين. وأنكر ابن حجر ذلك نسبته لعلي رضي الله عنه (1).
* يستحب عند خروجه من منزله أن يصلي ركعتين: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما حين يريد سفرا» (2) حديث حسن. وورد ذلك عن علي وابن عمر رضي الله عنهما ورجحه ابن حجر (3).
خطأ: يظن البعض أنه يستحب التصدق قبل الخروج إلى السفر وهذا ليس عليه دليل.
خطأ: يقرأ بعض الناس عند توديع المسافر سورة الفاتحة وهذه من البدع التي ليس عليها دليل.
* من السنة وضع مسؤول لميزانية السفر: ورد في الحديث: «إذا اجتمع القوم في السفر فليجمعوا نفقاتهم عند أحدهم فإنه أطيب لنفوسهم وأحسن لأخلاقهم» رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وضعفه الألباني في الجامع برقم 1305.
قال ابن عبد البر: "وهو سنة" ولا شك أن في ذلك رفعا
_________
(1) لسانا لميزان 4/ 324، عمدة القاري 14/ 218.
(2) رواه الطبراني، وابن أبي شيبة، وابن عساكر، وذكره النووي في الأذكار، وحسنه الحافظ بشواهده، وروى ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، حديث أنس رضي الله عنه: «كان - صلى الله عليه وسلم - لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين» وقال الحافظ: حسن غريب، والأذكار للنووي 1/ 546.
(3) شرح الأذكار لابن علان 3/ 107.

(1/37)
للحرج والكلفة والمنة واستمرارا للألفة (1).
* النهي عن أن تصحب الرفقة كلب أو جرس: لحديث: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس» رواه مسلم، قيد بعض أهل العلم هذا بما علق على البهيمة ولا دليل على التقييد بل الرواية مطلقة، والأخرى تدل على العموم «الجرس مزامير الشياطين» رواها مسلم.
* هل نخرج على ذلك مسألة: الجرس في السيارة، جرس السرعة أو الباب فتدخل في النهي؟ الظاهر أنها تدخل، ولكن يقال بالجواز للحاجة والمصلحة، وعند الفقهاء الكراهة تزول عند الحاجة، وأما إذا كان لغير حاجة فيكره.
وهل النهي للكراهة أم التحريم؟ محل خلاف.
قال أبو عمرو بن الصلاح: "فإن وقع شيء من ذلك من جهة غيره فليقل: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء فلا تحرمني ثمرة صحبة ملائكتك وبركتهم" (2). وهذا لا يقال على وجه التوقيف والنص الشرعي ولا شك أن أعظم من ذلك الموسيقى والغناء.
ورد عند أبي داود والطبراني: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر" (3).
قال في عون المعبود: يكره اتخاذ جلود النمور واستصحابها في السفر .. وورد عند النسائي وأحمد برواية:
_________
(1) الاستذكار 8/ 372.
(2) المجموع 4/ 19.
(3) وحسنه الألباني في الجامع برقم 7344.

(1/38)
"الجلجل" (1)، والمراد الجرس الصغير.
- الحكمة من النهي: عدم إيذاء الملائكة والمراد بهم ملائكة الاستغفار والرحمة لا الحفظة.
- حمل الكلب في الرفقة للحراسة جائز؛ لحديث مسلم: "إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع" وما عداه لا يجوز.
- لو سافر لوحده ومعه كلب شمله الحكم لذلك؛ لأن القيد بالرفقة أغلبي ولقد شاهدنا من المسلمين من يقلد الكافرين فيصحب كلبه معه في سفره مباهاة وتقليدا للكفار، وقد جمع السوءتين والله المستعان (2).
* طرفة: قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول لأبي زرعة: حفظ الله أخانا صالح بن محمد لا يزال يضحكنا شاهدا وغائبا، كتب إلي يذكر أنه مات محمد بن يحيى الذهلي وجلس للتحديث شيخ يعرف بمحمس فحدث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أبا عمير ما فعل البعير، ولا تصحب الملائكة رفقة فيها خرس، فأحسن الله عزاكم في الماضي وآجركم في الباقي». حيث حدث تصحيف النغير والجرس (3).

* التأمير في السفر وتحته مسائل:
هذا المبحث لم أجد أحدا من أهل العلم أفرده بالكلام
_________
(1) وصححه الألباني في الجامع برقم 7343.
(2) فيض القدير 6/ 405، الديباج شرح مسلم 5/ 153، عون المعبود 11/ 26، فتح الباري 6/ 142.
(3) معرفة علوم الحديث 1/ 146.

(1/39)
أو تكلم عنه حسب بحثي وجهدي القاصر، وغاية ما وجدت حكمه وإشارات يسيرة جدا، وهي مسألة الناس فيها بين إفراط، وإحياء هذه السنة هو نتيجة لما يشاهده العالم الإسلامي من إقبال الجميع على الدين، والشباب على العلم وتطبيق السنة.
أ- حكمه:
محل خلاف، قيل: بالوجوب ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والغزالي وابن عثيمين لحديث: «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم» رواه أحمد، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبو داود والبزار والطبراني وابن خزيمة والبيهقي وصححه الحاكم والشوكاني والألباني، وفي رواية له "قال: نافع فقلنا: لأبي سلمة: فأنت أميرنا" وانظر إلى سرعة امتثال الصحابة وحرصهم على التطبيق، وقيل: إن الأمر للاستحباب. ورجحه النووي في مجموعه، وقال ابن باز: يشرع ذلك.
قال شيخ الإسلام لما ذكر الأدلة السابقة والولاية العامة: ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها دينا يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان من أفضل الأعمال الصالحة (1).
_________
(1) الجامع رقم 500، نيل الأوطار 8/ 709، الفتاوى 28/ 65، 390، الإحياء 2/ 337، خطب ابن عثيمين في موقعه على الإنترنت. المجموع 4/ 330.

(1/40)
ب- صفاته:
أن يكون أعلمهم وأحكمهم، وأن يكون ذكرا لا أنثى، لحديث: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري. وهذا لفظ عام في الولاية يندرج تحته جميع أفراد العموم، واختاره ابن باز وفتاوى اللجنة 23/ 404.
ج- فائدة التأمير:
ليسلم الركب من التشتت والفوضى والاختلاف، وأن يقودهم الأمير لما فيه الخير والصلاح والنفع لهم وترتيب أمرهم.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا

وهذا يدلنا على أن الإسلام دين تنظيم لا كما يزعم الغرب بأن إسلامنا فوضى.
د- طريقة التأمير:
حين التأمل في الحديث المذكور الظاهر من قوله: «فليؤمروا» وفعل نافع المتقدم أن التأمير يكون بالشورى والاختيار.
هـ- بداية التأمير ونهايته:
تكون من بداية السفر حتى نهايته لأنه مرتبط بالسفر والحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
و- شروط التأمير:
1 - أن يكونوا في سفر للحديث، ولا إمارة في المدن والقرى؛ لأن لها أميرًا خاصا بها من قبل ولي الأمر ولا يجوز التأمير في الحضر.

(1/41)
2 - أن يكونوا ثلاثة فما فوق؛ لمفهوم الحديث. قال الشوكاني: يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم. اهـ. نيل الأوطار 9/ 157.
والأمر شورى بين الاثنين وورد من فعل بعض السلف التأمير بين الاثنين والأقرب الأول لظاهر النص.
ز- حكم طاعته:
واجبة وإذا لم نقل بذلك لم يكن هناك فائدة من تأميره، ولعموم أدلة طاعة الأمير (1).
ح- ما هو الأمر الذي تجب طاعته فيه؟:
قال ابن عثيمين: تجب طاعته في ما يتعلق بأمور السفر كإصلاح الطعام والنزول في مكان معين وغيره لا في كل شيء، إلا أن الشيء الذي لا يتعلق بأمور السفر لا تجوز منابذته فيه. اهـ (2).
والظاهر أن الولايات الخاصة ضابطها العرف كما قال شيخ الإسلام:" عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الأحوال والألفاظ والعرف وليس لذلك حد في الشرع" (3). اهـ، وأما ما يفعله ويفهمه البعض من أن له الطاعة المطلقة في المباحات والعبادات فليس بصحيح , وطاعته تكون في المعروف، وأما أن يشق عليهم ويضرهم بما لا يطيقون فلا
_________
(1) شرح الأربعين النووية لابن عثيمين ص124، 280.
(2) المصدر السابق.
(3) الفتاوى 28/ 68.

(1/42)
يجوز، ورد عن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فاستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب وقال: أليس أمركم النبي بطاعتي قالوا: بلى. قال: فاجمعوا لي حطبا فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها فقال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا، يقولون: فررنا إلى النبي من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف» رواه البخاري، وعند مسلم: «وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء ...».
وهذا هو ـ أي: الأمير هنا ـ ولاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو نائبه، وفي أمر جهاد، وأنكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك الأمر عليه وعليهم، فكيف بأمير السفر؟! فيظن البعض أن أمير السفر له أن يأمرهم وينهاهم ويعاقبهم مطلقا وتنسحب عليه صلاحيات صاحب الإمامة العظمى كأمير البلد ونحوه والله المستعان.
ط- لو اختلف الأمير مع الركب أو بعضهم بخصوص القبلة:
ليس لهم أن يطيعوه؛ لأنه لا طاعة له هنا، ولأن كلا منهما يعتقد خلاف الآخر فلا يجوز أن يعمل بخلاف ما يعتقد. وكذا سائر العبادات الفرض منها والنافلة.
فرع: هل لأمير السفر أن يمنع من معه من الركب من النافلة صلاة أو صياما؟
ليس له ذلك؛ لأن ذلك ليس مما يتعلق بالسفر ولأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

(1/43)
فرع: لو رأى أمير السفر جمع الصلاة تقديما ورأى بعض الركب التأخير أو عدم الجمع فهل يلزمهم الطاعة أو العكس؟
ليس له أمرهم ولا يجب عليهم طاعته إلا إذا ترتب على مخالفته مفاسد تتعلق بأمر السفر الذي تجب فيه طاعته فتجب طاعته، كما ينبغي عدم المخالفة ما دام الأمر جائزا لأن الخلاف شر ويورث العداوة، ولأن الأصل في أمير الركب أن يأخذ رفقته بفعل الأصلح والأرفق فلا خير مع الخلاف ولا شر مع الائتلاف.
فرع: لو اختلف أمير السفر مع بعض الركب في القصر والإتمام هل يلزمهم متابعته؟
لا يلزمهم متابعته لما تقدم ولأنه لا يترتب على ذلك مفسدة، وقد أتم ابن مسعود رضي الله عنه خلف عثمان رضي الله عنه في مكة وهو يرى القصر، فلما سأله الصحابة لماذا أتممت خلف عثمان قال: الخلاف شر، رواه أبو داود. فإذا أتم الإمام ورأوا القصر، أو رأى القصر وهم يرون الإتمام فيصلون جماعة واحدة ويأتي في مبحث الائتمام كيفية الصلاة بإذن الله.
ي- أيهم أحق بالإمامة في الصلاة الأمير أم الأقرأ؟
الظاهر الأقرأ قرآنا؛ لحديث: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمام أقرؤهم» (1).
_________
(1) رواه ابن حبان وصححه الألباني في سلسلته برقم 3979.

(1/44)
ك- مسؤولية الأمير:
* أن ينظر في مصلحة القوم في جمع شؤون السفر وهذه وما بعدها مستقاة من عموم الأدلة والقواعد الشرعية.
* أن يكون متواضعا، مشاركا لهم في الأعمال، ورد في إحياء الغزالي: أن عبد الله المروزي صحبه أبو علي الرباطي فقال: على أن تكون أنت الأمير أو أنا فقال: بل أنت فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره، فأمطرت السماء ذات ليلة فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كساء يمنع عنه المطر فكلما قال له عبد الله: لا تفعل يقول له: ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي حتى قال أبو علي: وددت أني مت ولم أقل له أنت الأمير.
* أن يكون رفيقا بهم وألا يشق عليهم.
* أن يشاورهم في الأمر لعموم أدلة الشورى وفضلها، وفي مشاورتهم كسبهم وتطييب خاطرهم واكتشاف آرائهم وقدراتهم وتربية لهم على هذا الأمر العظيم، والوصول لأمثل الحلول في ما يحتاجون والقضاء على الفردية التي قتلت كثيرا من الأمة وأعمالها.
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ... رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها

* أن يتفقد حوائجهم ويساعدهم، ويحث الركب على مساعدتهم، وبث روح الإيثار بينهم، والتفرس في أصحاب الحاجات عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر إذ جاء رجل على راحلته فجعل يصرف

(1/45)
بصره يمينا وشمالا فقال الرسول: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له» " رواه مسلم.
* أن يوزع المهام والأعمال بينهم وأن يتفقدهم حين الصعود والنزول وأن يكون آخر الركب صعودا وسيرا أو يوكل من يقوم بذلك؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له» رواه أبو داود قال النووي: إسناده حسن، وكان عمر الفاروق يفعله يزجي أي يسوق الضعيف.
ورد في السير أن أبا رفاعة خرج في جيش عليهم عبد الرحمن بن سمرة فبات تحت حصن يصلي عليه ثم توسد ترسه فنام وركب أصحابه وتركوه نائما، فبصر به العدو، فنزل ثلاثة أعلاج، فذبحوه رضي الله عنه.
ل- هل له أن يقيم حدا على من فعل موجبا للحد كالقذف والمسكر؟
ليس له ذلك؛ لأن ذلك لصاحب الولاية العامة أو من ينيبه كالقضاة وغيرهم.
م- هل له أن يؤدب من خالف أمره في ما يتعلق بأمر السفر؟
أطلت بحثا في هذه المسألة فلم أجد من ذكرها والتأديب نوعان:
1 - بالقول: وهذا الأمر فيه مصلحة وسعة لكي ينتظم أمر السفر، ويدخل في عموم النصح والتوجيه والاحتساب،

(1/46)
قال شيخ الإسلام: «وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
2 - بالفعل كالضرب وتكليفه ببعض الأعمال وغيرها: ذهب بعض المشايخ إلى أنه ليس له ذلك؛ لأن التعزير والتأديب مرتبط بالإمام ومن ينيبه، إلا إذا كان الأمير في السفر أبا أو معلما فله ذلك من باب أن للأب والمعلم تأديب من تحت يدهم. وقد وجدت بعض من يكون أميرا في السفر يبالغ في تأديب من خالف أمره وهذا أمر مشكل جدا قد يؤدي إلى الضرر بالمتربي وتنفيره من محاضن التربية والعلم، وقال بعضهم: يجوز التأديب بالمعروف في حدود المعقول والمعتاد وهذا ليس من باب الحكم وإنما من باب التأديب والتربية، وحكى الماوردي خلافا في أمير الحج الذي قال فيه: وهو أحد الرعايا وليس من الولاة إن فعل أحد الحجيج ما يقتضي تعزيرا فإن كان مما لا يتعلق بالحج فليس له ذلك، وإن كان مما يتعلق بالحج فله تعزيره زجرا وتأديبا .. وإمامة الحج في أيام الحج فقط قال: هي ولاية بمنزلة الإمام في إقامة الصلوات. اهـ. ويخرج على كلامه ولاية السفر والمسألة تحتاج مزيد بحث وتحرير والله أعلم وأحكم (1).
ن- إذا أراد أحد الركب الانفصال عن الرفقة ونهاه الأمير، هل يجوز له الانفصال؟
لم أجد من بحثها والجواب: أن يقال: ينظر إذا كان من
_________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي 194.

(1/47)
أراد الانفصال شخص بالغ عاقل لا يخشى عليه من عوارض السفر ومخاطره ولا يؤدي انفصاله إلى ضرر يلحق بالرفقة فله ذلك؛ لأنه إذا لم يجب عليه الدخول في الرفقة ابتداء فكذا الاستمرار لا يجب. وإذا كان غير ذلك أو صغيراً يخشى عليه فليس له ذلك ولا يمكنه الأمير من الانفصال من جهة الخوف عليه من الفساد والهلاك ولأنه بمثابة الأمانة عنده من قبل والديه وأهله، والشرع جاء بحفظ المصالح والأمانات ودرء المفاسد، والله أعلم. وحين وجود الضرر على الطرفين فينظر أيهما أشد ضررا وهكذا.
* يستحب دعاء السفر في الذهاب والإياب: إذا ركب دابته وليس عند الخروج من البلد لرواية مسلم: «كان - صلى الله عليه وسلم - إذا ركب دابته قال ...» ودعاء السفر هو أن يكبر ثلاثا ثم يقول: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل». وإذا رجع قالهن وزاد فيهن «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» رواه مسلم. وفي رواية: «والحور بعد الكور ودعوة المظلوم» (1)، وفي رواية: «وسوء المنظر في
_________
(1) رواها الترمذي وصححها الألباني في صحيح الترمذي برقم 3439.

(1/48)
الأهل والمال والولد» (1).
وفي رواية: «إذا دخل أهله أي: راجعا قال: توبا توبا لربنا أوبا لا يغادر حوبا» رواها ابن حبان وأحمد والطبراني.
وفي رواية: «إذا سافر فركب راحلته قال بأصبعه هكذا، ومج شعبة أصبعه وذكر دعاء السفر» (2).
تنبيه: ورد في بعض كتب الفقهاء لفظ: «أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد» ولم أجده في كتب السنة التي بين يدي وفي برامج السنة الإلكترونية.
(مقرنين: مطيقين، الوعثاء: الشدة، المنقلب: المرجع، الكآبة: تغير النفس من حزن ونحوه، سوء المنقلب: أي: يرجع فيرى في أهله وماله ما يسوؤه).
فرع: قال ابن حجر الهيثمي: "ينبغي إذا فاته ذكر الركوب في أوله أن يأتي به في أثنائه نظير البسملة في الوضوء" وكذا دعاء السفر (3).
فائدة:
قال الأبي: "لا يسمى الله بالصاحب ولا بالخليفة لعدم الإذن وعدم تكرر ذلك في الشريعة" وهذا من باب الإخبار وهو أوسع من باب الأسماء كما في القاعدة المشهورة (4).
* زيادة «آيبون» وما بعدها تقال حين القرب من البلد الراجع إليه؛ لحديث: «فلما أشرفنا على المدينة قال: آيبون
_________
(1) رواها النسائي وصححها الألباني في صحيح النسائي برقم 5499.
(2) رواها الترمذي وصححها الألباني في سنن النسائي برقم 5501.
(3) شرح الأذكار 3/ 128.
(4) شرح الأذكار 3/ 129.

(1/49)
تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة» رواه البخاري. وورد أنها تقال عند الرجوع كما تقدم.
* قال ابن حجر: قوله تائبون: فيه إشارة إلى التقصير في العبادة.
* قال ابن علان: قوله: استعاذ من الحور بعد الكور ودعوة المظلوم: وخص ذلك في دعاء السفر لكونه مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر، أو لأن دعوة المظلوم المسافر الذي لا يلقى الإعانة ولا الإغاثة أقرب إلى الإجابة. اهـ (1). وهذا مشاهد وملموس فإن بعض المسافرين يتعرض للفتن فيتأثر ويرجع إلى بلده منتكسا أو زاد انحرافا أو يظلم وغير ذلك نسأل الله العافية والثبات. فعلى الآباء والمربين ملاحظة ذلك وأخذ أسباب الحيطة والحذر والمتابعة.
فرع: إذا سافر الإنسان من بلده قد يتنقل من بلد إلى بلد أثناء سفره فهل يشرع دعاء السفر كلما انتقل من بلد إلى بلد؟
الظاهر أنه يكتفي بالدعاء الأول وحين الرجوع إلى بلده لأنه ما بين ذلك يعتبر مسافرا والله تعالى أعلم.

وقفة تأمل:
دعاء السفر برواياته يحتاج إلى رسالة مستقلة لما اشتمل عليه من معان عظيمة في ترابط رائع وتناسق بديع فهو يحوي إشراقات نبوية ولفتات إيمانية وتنبيهات تربوية فكيف بأحكام
_________
(1) الشرح 3/ 133.

(1/50)
وأحاديث السفر؟ فحري بكل مسلم ومسلمة أن يقف عندها متأملا متدبرا، فلا تكون عبارات تردد وألفاظ تقال من غير قلب متأمل وعقل متدبر، فيستخرج المسافر منها ومن معه دررا وغررا أعرج على يسير منها، وأدع للقارئ الإكمال والغوص في بحور النبوة وألفاظ السنة ومنها:
1 - مشروعية أذكار مخصوصة في مواطن عدة من السفر والدعاء المطلق، فلا يغفل المرء عن ذكر الله حتى في سفره وترحاله من خروجه حتى عودته، فيرتبط الإنسان بربه حتى في السفر، والسفر موطن ضعف وزلل.
2 - الدعاء بملازمة البر والتقوى والعمل الصالح في البر والبحر والجو، في الجبال والقفار، فلا يتجرد المرء في سفره من البر والتقوى، ويمتطي كل معصية وبلوى بل يحفظ دينه في كل حال وهذا كسابقه.
3 - الدعاء بحفظ البدن والمال والولد من الشرور والهلاك.
4 - الدعاء بالثبات على دين الله وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
5 - الدعاء بالتوبة وطلب المغفرة حين العودة من السفر ودخول المنزل وتأمل دعاء المسافر حين الخروج من المنزل وحين العودة، ويذكرنا بمسألة الدفع أولا ثم الرفع ثانيا.
* يستحب كثرة الدعاء والاستغفار فيه: فهو موطن إجابة ودعاء وانكسار وتذلل وشعث قال - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث دعوات

(1/51)
مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده ودعوة المسافر ودعوة المظلوم» (1).
قال القرطبي: فالمسافر مستجاب الدعوة؛ لأنه كالمضطر منقطع عن الأهل والوطن منفرد عن الصديق والحميم، لا يسكن قلبه إلى مسعد ولا معين لغربته؛ فتصدق ضرورته إلى المولى فيخلص إليه في اللجوء، وهو المجيب المضطر إذا دعاه (2).
فليحرص المسافر على الدعاء لنفسه وأهله وإخوانه، وجميع المسلمين والمنكوبين والمأسورين والمستضعفين والمهمومين.
* يستحب إذا نزل منزلا أن يقول: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» فمن قالها لم يضره شيء حتى يرحل من منزله. رواه مسلم.
قال ابن علان: نفعها وشفاؤها من كل ما يتعوذ منه بشرط صحة النية وحسن الاعتقاد.
* فائدة: قيل لبعض العلماء: إن فلانا قال هذا الدعاء وقد لدغ، فقال: الحديث، قال: لم يضره، ولم يقل لم يصبه، وفرق بين الأمرين، وإذا بالرجل لم يضره اللدغ بإذن الله.
* يستحب إذا نزل منزلا أن يسبح الله، عن أنس رضي الله عنه
_________
(1) حديث صحيح، رواه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني في الجامع برقم 3031.
(2) الجامع لأحكام القرآن 13/ 200.

(1/52)
قال: «إذا نزلنا منزلا سبحنا حتى نحل الرحال» قال شعبة: تسبيحا باللسان. رواه الطبراني والهيثمي وقال: سنده جيد.
قال ابن السني وهذا دعاء آخر عند النزول. عمل اليوم والليلة 1/ 476.
* أمر الرسول المسافر إذا أراد أن ينام أو ينزل للراحة أن يجتنب الطريق: قال: «وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب، ومأوى الهوام بالليل» رواه مسلم.
ومعنى التعريس: النزول للنوم أو الراحة.
وهذا نوع من عناية الإسلام بحفظ الأبدان والإرشاد لذلك حتى في أدق الأشياء وأصغرها فأين أعداؤه؟!
* يستحب للمسافر إذا صعد علوا أن يكبر وإذا نزل هبوطا أن يسبح الله: كما في صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله عنه قال: «كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا».
* يستحب للمسافر إذا دخل بلدا أن يقول: «الله رب السماوات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها» حديث حسنه ابن حجر وابن باز (1).
* يستحب للمسافر إذا كان في وقت السحر أن يقول: «سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النار» رواه مسلم.
_________
(1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن خزيمة والبيهقي، تخريج الأذكار 5/ 154، تحفة الأخيار 37.

(1/53)
* يستحب إذا خاف قوما أن يقول: «اللهم اكفنيهم بما شئت» رواه مسلم. ويقول: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم» رواه أبو داود وصححه النووي في الأذكار.
* يستحب للرفقة في السفر أن ينزلوا مجتمعين ويكره تفرقهم لغير حاجة لحديث: " كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان» " حديث حسن (1). فالتفرق في الظاهر يولد التفرق في الباطن، والشيطان يحرص على التفريق وإيغال الصدور ولكن بالتحريش بينهم، والتفرق والانعزال عن الرفقة قد يؤدي إلى الهلاك والتعرض للمخاطر ووسواس النفس والانحراف، والذئب أقرب ما يكون من الغنم القاصية، وليحذر المربون والآباء حين سفرهم من تفرق الرفقة وتشعبهم في الأودية وغيرها، بل يكون ذهابهم وإيابهم ونزولهم مجتمعين غير متفرقين إلا عند الحاجة، وأمن الفتنة والمفسدة، والإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
* السفر موطن للاجتماع وكثرة الاختلاط والزحام: حين الصعود والنزول وفي المنام وفي السيارة وكل ذلك يستوجب الصبر والحلم وسعة الصدر وإدخال السرور والترويح بشيء من النكت والطرف والألغاز والملح وفق الضوابط الشرعية فلا
_________
(1) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وأحمد والبيهقي وغيرهم. قال النووي في المجموع: إسناده حسن 4/ 340.

(1/54)
يكثر منه الإنسان أو يكذب أو يغتاب أو يؤذي ويخاصم ويجادل، فيقسو القلب، وتضيع الأوقات، ويشغل عن ذكر الله، وتركه يقبض المؤانس ويمل الراكب والمسافر وينفر الطباع، ورد عند ابن أبي الشيخ في أخلاقه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لا أمزح إلا حقا». وورد عن سفينة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر وكان إذا أعيا بعض القوم يلقي علي سيفه وترسه ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «أنت سفينة» (1)، يمازحهم ويداعبهم وهو الإمام الأعظم وسيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم -.
* يكره سفر الإنسان لوحده إذا وجد الصاحب أو لغير حاجة؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده» رواه البخاري، ولما فيه من الوحشة وتسلط اللصوص عليه وعدم وجود المعين بعد الله عند حدوث الضرر. قال الإمام أحمد عن الرجل يسافر وحده:" ما أحب ذلك إلا أن يضطر مضطر" (2). قال الحافظ ابن حجر: "جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد والكراهة لماعدا ذلك" (3). ويستحب أن يطلب رفيقا تقيا، نقيا، راغبا في الخير، كارها للشر يحرص على إرضاء رفيقه وموافقته لا مخالفته، صبورا على ما يقع منه ويحتمل كل واحد منهما الآخر ويرى لصاحبه عليه فضلا وحرمة وكما قيل:
_________
(1) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 295.
(2) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 457.
(3) فتح الباري 6/ 161.

(1/55)
"الصديق قبل الطريق وليس كل صديق يناسب الطريق" وورد: "يا خفاف ابتغ الرفيق قبل الطريق فإن عرض لك أمر نصرك وإن احتجت إليه ردفك" (1)، وقد قيل: "المروءة في السفر بذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب وكثرة المزاح في غير مساخط الله وإذا فارقتهم أن تنشر عنهم الجميل" وقيل: "من حسن المرافقة الموافقة" (2) لكن فيما لا يخالف الشرع.
فرع: إذا كان الإنسان في سفر في سيارته لوحده وكان الطريق مليئا بالمسافرين والمحطات فهذا لا يدخل في النهي واختاره ابن عثيمين.
تنبيه وتحذير: إن المتأمل لنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن سفر الإنسان لوحده يعرف حكما وأسرارا عظيمة وقد سمعنا وشاهدنا من يسافرون لوحدهم وما يتعرضون إليه من مخاطر وقتل واعتداء والوقوع في حبال الرذيلة والفساد والانحراف، حتى وإن كان إنسانا سويا فتجد النفس تراوده بحجج واهية، والإنسان الذي معه آخرون قد يستحي منهم فلا يذهب لبعض أماكن الفساد أو النظر لبعض القنوات المنحرفة أو غير ذلك إن كان معه عقلاء لاسيما حين السفر للخارج، وفوق هذا رأي الاثنين أعقل وأسلم من الواحد في الغالب.
* على قدر نيتكم وعملكم تؤجرون: فنفقتك في السفر إما أجر وإما وزر فسفرك للعبادة ونفقتك فيه تؤجر عليها، وإن
_________
(1) ضعفه العجلوني في كشف الخفاء 1/ 205.
(2) المجموع للنووي بتصرف 4/ 325.

(1/56)
كان سفرا محرما فنفقتك وزر عليك، والمباح يؤجر عليه بحسن نيته.
* قالوا:
- من صلح لصحبة السفر صلح لصحبة الحضر، وقد يصلح في الحضر من لا يصلح في السفر.
- السفر يخرج خبايا الباطن ويسفر عن أخلاق الرجال.
- إذا أثنى على الرجل معاملوه في الحضر ورفقاؤه في السفر، فلا تشكوا في صلاحه.
- قال علي: السفر ميزان القوم.
- سئل إمام الحرمين لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فراق الأحباب.
- كن رحمة على من معك من المسافرين ولا تكن عذابا.
- أتى رجلان إلى ابن عون يودعانه ويسألانه أن يوصيهما فقال: عليكما بكظم الغيظ، وبذل الزاد، فرأى أحدهما ابن عون في المنام وقد أهدى له حلتين. ولا شك أن المسافر بحاجة لكظم الغيظ والصبر فهو معرض في السفر لكثير من المكدرات.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم.

* حسن العشرة للزوجات حتى في السفر: عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وأنا جارية

(1/57)
لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول: «هذه بتلك» (1). وللقارئ التأمل في هذه القصة، وأخلاق كثير من الناس مع زوجتاهم وأولادهم والله المستعان.

* التنافس والتفاني في خدمة الأخوان:
قال مجاهد: "صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني" يقول أنس رضي الله عنه: «خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني، وكان جرير أكبر من أنس» رواه البخاري، قال النووي: يستحب خدمة المسافر الذي له نوع فضيلة وإن كان الخادم أكبر سنا (2).
وما الفضل في أن يؤثر المرء نفسه ... ولكن فضل المرء أن يتفضلا

وبوب البخاري باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر وذكر حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة ...» رواه البخاري، وحديث: «سيد القوم خادمهم» حديث ضعيف (3)، وعند ابن المبارك: «سيد القوم خادمهم في السفر».
_________
(1) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 131.
(2) المجموع 4/ 196.
(3) كشف الخفاء 1/ 463.

(1/58)
ويذكر عن الشيخ ابن سعدي رحمه الله وهو شيخ الشيخ ابن عثيمين أنه إذا سافر مع الطلبة يجهز لهم الإفطار، والقهوة فيرفضون ذلك فيقول لهم: ألست أنا الأمير؟ فيقولون: بلى، فيقول: آمركم أن تجلسوا.
وأحد الفضلاء بمرتبة وزير سافر معه أحد الأشخاص إلى دولة روسيا لمهمة يقول المرافق: كنا نجهز الطعام سويا ونذهب لشراء الطعام سويا ويرفض أن أذهب لوحدي فقط، وكان من عادته أنه لا يتعشى فلا ينام حتى يطمئن أني تعشيت وأنا شاب وهو كبير، وفي مرتبة وزير، ولكن التواضع منحة من الله قل وجودها، وندر من أبحر بها في زمن المناصب والرئاسة فكيف بالأقران سنا ورتبة؟! فالمشتكي إلى الله من أولئك المتعالين.
وكان العوام من أهل عنيزة يحبون السفر مع الشيخ ابن سعدي لمكة والرياض لشدة تواضعه وحلمه ومؤانسته لهم في السفر فرحمه الله رحمة واسعة.
ولا ينبغي للإنسان أن يكون متميزا في السفر عن إخوانه فلا يشاركهم في ما يحتاجون، ورد في السير أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خرج مع أصحابه في سفر فأمر بإصلاح شاة فقال أحدهم: علي ذبحها، وقال آخر: علي سلخها، وقال آخر: علي طبخها، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «علي جمع الحطب»، فقالوا: يا رسول الله نكفيك فقال: «أعرف ذلك ولكني لا أحب أن أتميز عليكم فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا على أصحابه» (1). فلا يكون الإنسان كلا على الآخرين.
_________
(1) الوافي بالوفيات 1/ 31، وكشف الخفاء للعجلوني 1/ 251.

(1/59)
* فائدة: كان بلال بن سعد إذا رأى رفقة توافقه قال: يا هؤلاء إني أريد أن أصحبكم على أن تعطوني من أنفسكم ثلاث خصال. فيقولون: ما هي، قال: أكون خادما ومؤذنا لكم لا ينازعني أحد منكم في ذلك، وأنفق فيكم بقدر طاقتي، فإذا قالوا: نعم انضم إليهم. وكان عمرو بن عتبة يشترط على أصحابه أن يخدمهم (1).
* فائدة: قال - صلى الله عليه وسلم -: «صاحب الدابة أحق بصدرها إلا من أذن» حديث صحيح (2).
* فائدة: قال ابن حجر رحمه الله: "إن السفر يغتفر فيه لبس غير المعتاد في الحضر. اهـ" (3). والمقصود ما لم يكن فيه محظور شرعي.
* بشارة وتسلية: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما» رواه البخاري. قال ابن حجر: وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يداوم عليها (4).
تنبيه: عن أبي قتادة قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذارعه وضع رأسه على كفه» رواه مسلم.
_________
(1) الجهاد لابن المبارك 1/ 161.
(2) رواه أحمد والحاكم وابن حبان والدرامي وصححه الألباني في الجامع برقم 3751.
(3) فتح الباري 10/ 280.
(4) فتح الباري 6/ 159.

(1/60)
التعريس: النزول للنوم والراحة سواء في آخر الليل أو أي وقت، وهذا فيه تنبيه وهو أن يحرص الإنسان على أن يبذل السبب لعدم فوات الصلاة كحمل المنبه، وما في حكمه لأنه من المشاهد أن كثيرًا من المسافرين لا يحافظون على الصلاة في وقتها وتجدهم يسهرون معظم الليل حتى يفوتهم الفجر.
تنبيه: حديث ضعيف: «إذا قدم أحدكم من سفر فليهد إلى أهله وليطرفهم ولو كانت حجارة» (1).
تنبيه: حديث ضعيف: «إن المسافر ورحله على قلت ـ أي: هلاك ـ إلا ما وقى الله» (2).
تنبيه: حديث ضعيف: «سافروا تصحوا وتغنموا» وفي رواية: «تسلموا» وفي رواية: «ترزقوا» (3). والمعنى صحيح.
تنبيه: حديث ضعيف: «أتحب يا جبير إذا خرجت سفرا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا فاقرأ سورة الكافرون والإخلاص والنصر والفلق والناس» (4).
تنبيه: حديث موضوع: "خمس لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعهن في سفر ولا حضر: المرآة، والمكحلة، والمشط، والمدرى، والسواك، وفي رواية قارورة دهن" (5).
_________
(1) رواه الطبراني ومالك وحسنه الألباني في الجامع برقم 3004.
(2) رواه الدارقطني ونقل تضعيفه ابن حجر في فتح الباري 3/ 370.
(3) ذكره ابن عبد البر في التمهيد، وحديث: «سافروا تصحوا» ضعيف الجامع برقم 3211.
(4) كنز العمال برقم 17526.
(5) الموضوعات لابن القيسراني 4329.

(1/61)
وقفة مع الإمام الأعظم - صلى الله عليه وسلم -:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس أبا بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: عائشة فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر؛ فقالت عائشة رضي الله عنها: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته». رواه مسلم.
- وفي الحديث فوائد ووقفات من أهمها:
- أنه يمكن التظلم من الإنسان لو كان فاضلا، وأنه يمكن التظلم إلى المفضول مع وجود الفاضل، وقد يكون ما يتظلم منه لم يكن مقصودا لمن وقع منه الفعل.
- أن الناس تؤثر فيهم تصرفات بعض أفرادهم وتنعكس عليهم، وقد يكون لها آثار سلبية عليهم، لذلك فعلى الفرد إذا

(1/62)
كان ضمن مجموعة ـ في أي وضع كان ـ أن ينتبه إلى نفسه وإلى تصرفاته وانعكاسها على المجموعة، فقد لا يشعر بأثر بعض تصرفاته.
- أن الإنسان قد يضجر من أمر ما ويحسبه شرا، ثم تكون عاقبته حميدة ومآله حسنا، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ** [البقرة: 216]، {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا** [النساء: 19]. وكما يقال في كل تأخيرة خيرة.
- فيه العتاب لمن أخر القوم ولكن ينظر إن كان بتفريط عوتب وإلا فلا، وورد تكرر ذلك من عائشة في بعض الأسفار، وورد عند الطبراني «في كل مرة تكونين عناء».
- صدور العتاب من المفضول مع وجود الفاضل.
- فيه اعتناء الإمام والأمير بحفظ حقوق المسلمين وإن قلت، وإقامته بالركب لتحصيل ضائع، ولحاق منقطع، ونحو ذلك من مصالح الرعية.
- النهي عن إضاعة المال ولو كان يسيرا.
- تزين المرأة حتى في حال السفر بالضوابط الشرعية.
- الصبر على ما يحدث من منغصات في السفر (1).
_________
(1) شرح البخاري ومسلم.

(1/63)
خامسا: مسائل الاعتقاد:
* حكم السفر للهجرة لبلد الإسلام وبلد الكفار قال ابن عثيمين له حالات:
الأولى: السفر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام: إن كان يستطيع أن يظهر دينه في بلد الكفر ويعلنه ولا يجد من يمنعه من ذلك فالهجرة مستحبة، وإن كان لا يستطيع ذلك فالهجرة واجبة بشرط أن يكون مستطيع الهجرة لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا** [النساء: 97 - 99].
الثانية: السفر من بلد الفسق إن كان يخاف على نفسه من البقاء بأن يفسق فالهجرة واجبة، وإن كان يأمن على نفسه فمستحبة، إلا إذا كان في بقائه نفع وإصلاح فبقاؤه واجب للإصلاح لأنه إذا هاجر أهل الصلاح بقي أهل الفساد وازداد البلد فسادا (1).
الثالثة: أن يسافر من بلد الإسلام إلى بلد الكفار ويقيم بها للدعوة إلى الله وهذا نوع من الجهاد.
الرابعة: أن يسافر لبلاد الكفار لدراسة أحوال الكافرين وما
_________
(1) شرح الأربعين النووية 17.

(1/64)
هم عليه من فساد العقيدة والأخلاق ليحذر الناس من ذلك ويشبهه، ليكون عينا للمسلمين وما يدبروه للمسلمين من مكايد وهذا جائز.
الخامسة: أن يقيم لحاجة دولته المسلمة كالسفراء ومن في حكمهم وهذا جائز.
السادسة: أن يقيم للدراسة وهي أخطر مما قبلها لأن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو معلميه فيحصل تعظيم لهم، واقتناع بآرائهم، وتأثر بسلوكهم، والحكم بالجواز بشرط ألا يكون في بلاد المسلمين هذا العلم وتوافره.

* شروط السفر إلى بلاد الكفار والإقامة بها:
قال شيخنا ابن عثيمين طيب الله روحه وأعلى درجته في المهديين: لا يجوز السفر إلى بلد الكفار إلا بشروط:
1 - أن يكون سفره وإقامته للحاجة.
2 - أن يكون عنده إيمان يدفع به الشهوات، وعلم يدفع به الشبهات.
3 - أن يستطيع إقامة شعائر دينه في ذلك البلد.
قال عليه الصلاة والسلام: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» (1). فالحديث يدل على عدم الجواز؛ لأن في ذلك فتنة للمرء في دينه وخلقه، واستثنى العلماء الجواز
_________
(1) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني الجامع رقم (1460).

(1/65)
للحاجة بالشروط السابقة والضرورات تبيح المحظورات والحاجات تنزل منزلة الضرورات (1).

* حرمة السفر إلى بلاد فيها الشر والفساد للنزهة والسياحة ولو كانت غير كافرة خشية الوقوع في الفساد والرذيلة، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهذا من فقهه رحمه الله في العلم والدعوة (2).
* دخول الكنائس والصلاة بها محل خلاف والصحيح الجواز بشروط:
- عدم وجود تماثيل وصور بها لوروده عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما كما في البخاري وهو رواية في مذهب الإمام أحمد ورجحه ابن تيمية.
- إذا أمنت الفتنة بها بحيث لا يكون دخوله سببا في القناعة أو الدخول في اليهودية أو النصرانية، أو ورود الشبه على قلبه فيضل، فمن يخاف على نفسه من ذلك يحرم عليه دخولها.
- خلوها من المحرمات العقدية أو الأخلاقية واللهو المحرم، كأن يكون بها سب أو انتقاص للإسلام أو الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو نوع من أنواع الفساد الأخلاقي.
- ألا يكون بها وسائل للدعوة للتنصير أو التهويد
_________
(1) شرح الأربعين النووية وشرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين والهجرة إلى بلاد غير المسلمين لعماد عامر رسالة ماجستير.
(2) اللقاء الشهري بالجامع الكبير في عنيزة.

(1/66)
كمحاضرات أو أشرطة أو كتب ونشرات تدعو للدخول فيها والخروج من الإسلام.
- ألا يكون الداخل بها من المسلمين له مكانة دينية عند المسلمين أو اليهود والنصارى، فيفتنون ويظنون أن هذا إقرار بما هم عليه من الكفر والضلال.
وقيل: بعدم الجواز مطلقا، واختاره ابن باز مع اللجنة الدائمة إلا إذا وجدت مصلحة؛ لنهي عمر رضي الله عنه عن ذلك كما رواه البيهقي بسند صحيح: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم" والقول بالمنع قوي سدا للفتنة ودرءا للمفسدة وخاصة في هذه الأزمان التي خرجت فيها الدعوة لحرية ووحدة الأديان، والطائفية يحمل وزرها من دعا إليها، وزر من تنصر أو تهود أو ضل بها، وما ورد عن بعض الصحابة فهم عندهم من العلم وصدق الإسلام والإيمان ما يدفع به الشبهة والشهوة.
* حرمة الذهاب إلى ديار المعذبين سواء كان بسفر أو بلا سفر كمدائن صالح للنزهة والسياحة والإعجاب بهم، وأما للعظة والعبرة فلا بأس قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم» متفق عليه.
قال ابن حجر رحمه الله:" وهذا تناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم" (1).
_________
(1) الفتح 6/ 438.

(1/67)
وقال النووي رحمه الله:" وكذا وادي محسر ما بين مزدلفة ومنى وضعَّف الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قول النووي وقال: النهي عن الجلوس فيه من باب عدم المشابهة بالمشركين في الحج " (1).
عن علي رضي الله عنه قال: «نهاني حبيبي أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة» رواه أبو داود. قال الحافظ وفي إسناده ضعف.
قال الخطابي: لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة بها وإذا ثبت النهي فيحمل على الإقامة بها أو خاص بعلي (2)، وأفردت في آخر الكتاب بعض المسائل المتعلقة بالأقليات المسلمة في البلاد الكافرة باختصار.
* الخروج من بلد به وباء استشرى بأهله أو السفر إليه:
قال الحافظ ابن حجر له حالات:
1 - إذا أراد الخروج قاصدا الفرار من الوباء فلا يجوز لحديث «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها» رواه البخاري. وقيل: النهي لكراهة التنزيه.
2 - إذا أراد الخروج للعلاج جاز لقصة العرنيين الذين أصابهم مرض المدينة لعدم ملائمة أجسامهم لأرض المدينة فأمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخروج منها للعلاج. رواه
_________
(1) هو واد أهلك الله فيه أصحاب الفيل سمي بذلك لأن فيل أبرهة حسر فيه؛ أي، عيي وكل، وقيل: لأنه أوقف أصحابه في الحسرات.
(2) الفتح 1/ 631.

(1/68)
البخاري، وبوب عليه باب من خرج من أرض لا تلائمه.
3 - إذا أراد الخروج لحاجة متمحضة وليس قصده الفرار جاز.
4 - السفر إليها لا يجوز لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ** [البقرة: 195]، وللنهي المتقدم، وقيل: يجوز مع الكراهة لمن عنده قوة توكل وصبر (1).

* زيارة الآثار لها حالتان:
الأولى: السفر لأجلها وله حالات:
أإن كان على وجه التعبد فهذا لا يجوز؛ لعموم حديث: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد» رواه البخاري؛ ولعدم الدليل على الجواز؛ ولأن الأصل في العبادات المنع.
ب إن كان على وجه السياحة والمعرفة لا لاعتقاد بالبقعة جاز بالشروط الآتية:
1 - ألا ينوي بزيارتها التقرب إلى الله أو التبرك بها أو اعتقاد أن الدعاء عندها سبب في الاستجابة.
2 - ألا يقصد بزيارتها تعظيمها.
3 - ألا يكون بها مظاهر محرمة كالشرك والبدع ولا يستطيع الإنكار.
الحالة الثانية: زيارتها دون سفر: الصحيح الجواز بالشروط السابقة.
_________
(1) الفتح 10/ 197.

(1/69)
* لا تجوز زيارة المزارات والمشاهد التي فيها قبور وأضرحة من أجل التبرك بها وبأصحابها، أو التمسح بها أو اعتقاد سنية ذلك واستحبابه، كغار ثور وحراء وجبل عرفة ومشهد الحسين وزينب وصلاح الدين والبدوي (1) وغيرها من الأشجار والجبال والأشخاص، والبقع وقصد الصلاة والدعاء عندها، والطواف حولها، والذكر والأخذ من تربتها للاستشفاء فكل ذلك لا يجوز لأنه من البدع والمنكرات، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله (2)؛ لأن تلك الأعمال من العبادات ولا يعبد الله إلا بما شرع أو فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة، ولا دليل على ذلك في الكتاب أو السنة الصحيحة، ولأن بصرة ابن أبي بصرة الغفاري أنكر على أبي هريرة سفره إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام قائلا: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد» حديث صحيح (3).
* قال ابن باز: الحذر الحذر من الصلاة في المساجد التي فيها قبور حيث وللأسف بعض البلدان يوجد في مساجدها قبور وأضرحة، فلا تجوز الصلاة فيها، وأما وجود قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مسجده، فالرسول دفن في بيته وليس في المسجد، ولكن لما وسع الوليد بن عبد الملك المسجد أدخل
_________
(1) التبرك للجديع بتصرف.
(2) اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 644، الفتاوى 26/ 144.
(3) رواه مالك والنسائي وصححه الألباني في الجامع برقم 7371.

(1/70)
البيت في المسجد بسبب التوسعة، وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله حتى لا يحتج الجهلة وأشباههم بذلك، وقد أنكر عليه أهل العلم ولا يظن ظان أن هذا من جنس البناء على القبور لأن هذا البيت مستقل أدخل في المسجد للحاجة للتوسعة، وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عن المسجد وقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مفصول بجدار وقضبان (1).
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 06:56 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com