المختصر في أحكام السفر
الثامن عشر: مسائل متعلقة بالنكاح والمرأة: (*)
103 - حكم استئذان الزوجة زوجها في السفر له حالتان:
أ- إن كان السفر للحج فحكمها كحكم مسألة استئذان الابن للحج السابقة، ورجح ابن تيمية في شرحه على العمدة عدم اشتراط إذنه في الحج الواجب واشتراطه في المستحب.
ب- إن كان سفرا مباحا فلا بد من إذنه لعموم أدلة طاعة الزوج وعدم جواز خروجها إلا بإذنه.
104 - يجوز للزوج أن يسافر عن زوجته أكثر من ستة
_________
(1) التبرك أنواعه وأحكامه للجديع.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وقبله مباشرة (السادس عشر)، كذا في المطبوع
(1/121)
أشهر لعذر كالعمل لطلب الزرق وطلب العلم وغيره إن أوجد لها مالا يكفيها ولأولادها ولا يلزمه القدوم، وأما إن كان لغير عذر وطلبت قدومه لزمه ذلك فإن لم يأت رفعت أمرها للقاضي (1).
105 - حكم الزواج بنية الطلاق له حالتان:
الأولى: أن يتفق الزوجان على ذلك سواء محددا بزمن أو غير محدد وهذا محرم بالإجماع ويسمى نكاح المتعة.
قال النووي: "النكاح المؤقت باطل سواء قيد بمدة مجهولة أو معلومة وهو نكاح المتعة" (2).
الثانية: أن ينوي الزوج ذلك دون إظهاره سواء محددا بزمن أو غير محدد وهذا محرم وهو شبيه بنكاح المتعة ونكاح التحليل من بعض الوجوه وهما محرمان بالاتفاق، والزواج بنية الطلاق ذهب إلى القول بتحريمه الأوزاعي وهو القول المعتمد والصحيح عند الحنابلة ومحمد رشيد رضا وابن عثيمين وصالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى والألباني وصالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة برئاسة سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ، وقالت: هو زواج باطل لأنه متعة، ولا يجوز أن يتزوج من امرأة لأجل أن يحصل على جنسية ذلك البلد ثم يطلقها، أو يعقد عقدا صوريا فقط فهذا كذب وخداع محرم (3) ولا شك أن في ذلك خيانة للزوجة ووالديها.
_________
(1) كشاف القناع 7/ 2550.
(2) روضة الطالبين 2/ 42.
(3) الاستذكار 16/ 103، وشرح الزركشي 5/ 229، فتاوى اللجنة 18/ 449، والزواج بنية الطلاق للمنصور، الأنكحة المعاصرة للنجيمي.
(1/122)
وقد انتشر هذا الزواج بين الشباب وخاصة حينما يسافرون لبعض البلدان، بل إننا نجدهم يسافرون لأجل الزواج بنية الطلاق وهذا يخالف مقاصد الشريعة في الحكمة من الزواج ويخالف الفطر السليمة والنظر السديد، ولو سألناهم عن ذلك لأقروا بذلك. بل لا تجد الغيرة من الزوج عليها ولا السؤال عنها ولا يقوم برعايتها ولا النفقة عليها، وأدى ذلك إلى أن الأمر أصبح نوعا من الفساد والانحراف نتج عنه ضياع الأولاد وظلم النساء وانتشار الأمراض كالإيدز وغيره، وغش النساء وخداعهن ولو راجعنا كثير من السفارات لوجدنا عشرات النساء والأولاد يبحثون عن أزواجهم وآبائهم، ويستغل بعض الشباب فقر بعض المجتمعات العربية، فيسافر كل صيف ويتزوج في سفرة واحدة العديد من النساء أي عقل ودين يقبل هذا؟! ولا يرضى أحد هذا العمل لبناته أو أخواته وفيه من المفاسد ما لا تحصر، وأشهر من أن تذكر في هذا المقام، ولا شك أن الشريعة جاءت بمراعاة المصالح والمفاسد وسد الذرائع، ولأنه من المقرر عند جمع من الفقهاء أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني، بل إن النكاح بنية الطلاق أشد خطورة من المتعة لأن الخداع فيه أشد، فليتق الله الشباب في أعراض المسلمات.
وقد قال بعض المالكية: "وإذا وجدنا فعلا من الأفعال يقع على وجه واحد لا يختلف إلا بالنية من فاعله وكان ظاهره
(1/123)
واحدا ولم يكن لنا طريق إلى تمييز مقاصد الناس ولا إلى تفصيل قصودهم وأغراضهم وجب حسم الباب وقطع النظر إليه" (1).
106 - إذا لم يتيسر للإنسان أخذ زوجاته جميعهن أقرع بينهن لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -[رواه مسلم].
107 - يحرم على المرأة أن تسافر وحدها، سواء كان السفر طويلا أو قصيرا، برا أو جوا، وقد تساهل كثير من النساء في السفر لوحدهن جوا، وهذا فيه مخالفة شرعية ومفسدة عظيمة؛ لأن المرأة فتنة وانفرادها سبب للمحظور؛ لأن الشيطان يجد السبيل بانفرادها فيغري بها ويدعو إليها، وكل ما يسمى سفرا فإنه لا يجوز للمرأة أن تسافر وحدها والأصل بقاء النصوص وليس لأحد أن يخصص ويستثنى ما لم يخصصه الشرع، والضرورات تقدر بقدرها قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم» رواه مسلم، والنهي عام لكل امرأة صغيرة أو كبيرة في كل ما يسمى سفرا، سواء طويلا أو قصيرا، سواء بطيارة أو سيارة "والعبرة بالسفر لا وسيلة السفر" قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما» (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويحرم على الزوج سفره بأخت زوجته ولو معها (3).
_________
(1) تكملة المجموع شرح المهذب 10/ 105.
(2) رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار وغيرهم بألفاظ متقاربة.
(3) الإنصاف مع الشرح 24/ 168.
(1/124)
108 - سفر المرأة المعتدة له حالات:
الأولى: معتدة بسبب وفاة زوجها ولها صور:
أ- لا يجوز أن تسافر للحج ولو فريضة أو للعمرة أو غيرها لحديث فريعة بنت مالك رضي الله عنها أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالت: "توفي زوجي بالقدوم، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له: إن دارنا شاسعة، فأذن لها ثم دعاها فقال: «امكثي في بيتك أربعة أشهر وعشرا حتى يبلغ الكتاب أجله» " رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
فرع: إذا خرجت المرأة للحج ومات زوجها وهي في الطريق للحج لها حالتان:
1 - إذا كانت لم تحرم وجب الرجوع.
2 - إذا كانت أحرمت وشرعت في أعمال الحج تكمل حجها ولا ترجع وهذا مذهب جمهور الفقهاء.
ب- يجوز للمرأة التي مات زوجها في بلد الغربة ولا تستطيع الجلوس فيه خوفا على نفسها أن تسافر إلى بلد أهلها وتعتد عندهم بشرط أن تلتزم بما يجب على المعتدة في كل ذلك.
ج- يجوز للمرأة المعتدة أن تسافر مع أهلها سواء سفرا طويلا أو مؤقتا للحاجة إذا كان في بقائها لوحدها ضرر عليها ولم تجد من يرافقها في الجلوس، ويجوز أن تسافر كذلك للعلاج بشرط أن تلتزم بما يجب على المعتدة في كل ذلك،
(1/125)
والشريعة جاءت برفع الحرج والضرر (1).
د- سفر المرأة للنزهة ولغير حاجة مع أهلها لا يجوز، وإذا رفض أهلها الجلوس معها ولم تجد من يرافقها في الجلوس معها، وفي بقائها لوحدها ضرر عليها جاز سفرها دفعا للمفسدة وحصول الضرر.
الثانية: معتدة بائن بثلاث طلقات أو خلع يجوز لها السفر بشرط وجود المحرم لعدم الدليل على المنع (2).
الثالثة: المطلقة الرجعية لها حالتان:
أ- إذا كانت في بيت زوجها: فمذهب الحنابلة كالمتوفى عنها زوجها، وقيل: لا يجوز لها الخروج إلا بإذن زوجها لأن حكمها حكم الزوجة، والثاني أقرب وهو في مذهب الحنابلة.
ب- إذا كانت ليست في بيت زوجها إنما في بيت أهلها وهذا الأكثر في حال النساء، فيجوز السفر بدون إذن لاسيما أن الإذن يكون في كثير من الحالات متعذر بسبب الشقاق بين الزوجين والافتراق الذي قد يطول إلى أشهر وسنوات والزوجة معلقة، وقد تكون طالبة الطلاق والزوج رافض ذلك فوجوب الإذن فيه حرج ظاهر ومتعذر وفي بقائها لوحدها دون السفر مع أهلها مفاسد عظيمة.
الدين جاء مبني للمصالح ... في جلبها والدرء للقبائح
_________
(1) وبه أفتت اللجنة الدائمة 20/ 462، 463.
(2) المغني 5/ 35.
(1/126)
التاسع عشر: بعض أحكام الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة:
رأيت أن أفرد بعض أحكام الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة لأن هناك جملة كبيرة من المسلمين ما بين مسافر ومقيم فيها لاسيما وأن هناك عددا كثيرا من الطلاب المبتعثين، وقد أفردت رسالة مستقلة بموضوع الابتعاث لعل الله ييسر خروجها.
كما أوصي أخواني المبتعثين والمقيمين من المسلمين في البلدان غير الإسلامية بالرجوع إلى طلبة العلم في المراكز الإسلامية في ما أشكل عليهم من أمور دينهم وعقيدتهم، ونسأل الله لنا ولهم الإعانة والثبات على دينه.
109 - حكم التجنس بجنسية الدولة الكافرة له حالات:
أ- إذا أخذها دون حاجة لها وكان عدم أخذها لا يلحق به المشقة أو الضرر وإنما من باب المباهاة والافتخار فهذا محرم فيدخل في أنواع موالاة الكفار فيخشى على صاحبه.
ب- إذا أخذها لتحقيق مصالح دنيوية لا ترقى لدرجة الضرورة والحرج كتسهيل معاملاته التجارية واكتساب بعض الخدمات والمزايا فهذا كسابقه لا يجوز.
ج- إذا أخذها للحاجة وجلوسه في بلد الكفار، وإذا لم يأخذها سيلحقه مشقة أو ضرر كمن طرد من بلده الإسلامي ظلما وعدوانا أو لا يستطيع أن يقيم شعائر الإسلام في بلده أيا كان عربيا أو إسلاميا صوريا ولم
(1/127)
يجد دولة إسلامية تقبله ويمكن أن يقيم شعائر الإسلام بها جاز ذلك بشروط:
* ألا يترتب على أخذها فقد الشخصية المسلمة والتنازل عن مبادئ الإسلام لمبادئ الكفر.
* ألا يترتب عليها قول أو فعل محرم.
* ألا يترتب عليها التحاكم إلى قوانينهم إلا عند الحالات التالية والله المستعان.
110 - حكم تحاكم المسلمين المقيمين في بلد الكفار إلى محاكمهم له حالات:
أ- أن يتحاكموا إلى محاكمهم استحلالا أو استكبارا عن التحاكم إلى شرع الله فهذا كفر أكبر.
ب- أن يتحاكموا إلى محاكمهم في قضية معينة، وهو يعلم أنه ارتكب إثما ولكنه فعله هوى في نفسه فهذا كفر أصغر.
ج- من أكره على التحاكم إليها أو اضطر إليها لاستخلاص حق له وهو كاره للتحاكم إليها مقر بأنها كفرية جاز، فما وافق الحكم فيه الشرع عمل به لموافقته الشرع لا لكونه صدر من هذه المحاكم وما وقع مخالفا للشرع فهو لغو (1).
111 - هل المقيمون في البلاد الكافرة يجعلون عليهم أميرا؟
_________
(1) فقه الأقليات المسلمة خالد عبد القادر، والمسائل العقدية المتعلقة بالأقليات الإسلامية لعبد المنعم أسرار بحث دكتوراه، والتمهيد شرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ وقرارات المجمع الفقهي.
(1/128)
قال الشيخ ابن عثيمين: جائز ذلك فيكون مرجعا لهم في حل مشاكلهم وخلافاتهم، وأما في الحكم العام فلا يجوز. فلا يجعلون أميرا يطبق الشريعة في ظل الحكومة الكافرة وينابذ الدولة لأنه يلقي بنفسه إلى التهلكة (1).
112 - حكم تهنئتهم له حالتان:
أإن كانت التهنئة في أمور عامة كالزواج والأولاد والنجاح فهذا جائز لعموم قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ** [الممتحنة: 8]، وأما إذا كان كافرا محاربا فلا يجوز والحذر من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه كأعزك الله قاله ابن القيم.
ب إن كانت بشعائر الكفار فلا تجوز اتفاقا كأعيادهم وصومهم، وكذا حضورها لا يجوز لنهي عمر بن الخطاب: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم" رواه البيهقي ولأنهم على باطل ولأن في مشاركتهم إظهار الرضا بصنيعهم وإعانة لهم على الباطل إلا إذا خشي على نفسه ضررا منهم إذا لم يفعل ذلك فجاز للضرورة.
113 - حكم عيادة مرضاهم: جائزة لورود ذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث زار غلاما كافرا كما في صحيح البخاري، وأما إذا كان كافرا محاربا فلا يجوز.
_________
(1) التعليق على السياسة الشرعية لابن عثيمين 449.
(1/129)
114 - حكم دفن المسلم لجنازة الكافر محل خلاف بين العلماء والصحيح عدم الجواز إلا إذا لم يوجد غيره أي المسلم، وهو مذهب الحنابلة والمالكية لأن ذلك من إكرامه، ولأمره - صلى الله عليه وسلم - بقتلى بدر أن يلقوا في بئر من آبار بدر، رواه البخاري. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي في وفاة أبيه أبي طالب: «اذهب فواره» رواه أبو داود.
115 - حكم تعزيتهم محل خلاف، قيل: لا يجوز قياسا على السلام وهو صحيح مذهب الحنابلة، وقيل: بالجواز وهو مذهب الأحناف وأكثر الشافعية، ورواية عند الحنابلة لعدم الدليل على المنع ولعموم الآية السابقة وقياسا على جواز زيارتهم، واختار ابن تيمية جواز ذلك عند المصلحة وهو رواية عند الحنابلة، وأما المحارب فلا يجوز إلا إذا خشي ضررا فجاز، واختار ابن عثيمين إن كان يفهم من تعزيتهم إكرامهم فلا يجوز وإلا فينظر للمصلحة (1).
116 - ماذا يقول في التعزية:
أولا: لا يجوز الدعاء له بالمغفرة والرحمة اتفاقا.
ثانيا: الدعاء بقول أخلف الله عليك ولا نقص عددك هكذا عند من يجيزه، ومنعه آخرون كما في الشرح الكبير والإنصاف، والصحيح يدعو بما يراه مناسبا بما ليس فيه دعاء له بتكثير ماله ونسله وقوته؛ لأن في ذلك عونا له على كفره
_________
(1) فتاوى ابن عثيمين 17/ 353، التعزية لخالد الشمراني.
(1/130)
وقد يكون عونا على المسلمين وإنما كألهمك الصبر وأحسن عزاءك.
117 - حكم حمل جنازة الكافر واتباعها:
فيه خلاف بين الفقهاء وكلاهما قولان عند الحنابلة، واختار الشيخان التحريم لأن ذلك من إكرام الميت ولعموم قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ** [التوبة: 84] ولقوله: {لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ** [الممتحنة: 13] ومنهم من فرق بين القريب وغيره (1).
118 - زيارة قبر الكافر جائزة وهو عند الحنابلة واختاره ابن تيمية، لزيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه كما في صحيح مسلم ولكن بدون أن يسلم عليه ولا يدعو له ولكن الزيارة للاعتبار.
119 - حكم إعطائهم من زكاة الفرض أو الفطر أو النذور والكفارات: لا يجوز لعدم الدليل ولأن الأدلة في مخاطبة المسلمين ولحديث: «تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» رواه مسلم، وقد حكى النووي وابن المنذر الإجماع على ذلك وأما الصدقة فجائزة وردت عن عمر، وكذا من الأضحية والعقيقة لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ** [الممتحنة: 8] ولقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا** [الإنسان: 8] قال ابن جريج: "لم يكن الأسير يومئذ إلا
_________
(1) المبدع 2/ 225، المجموع 5/ 237، البيان والتحصيل 2/ 218.
(1/131)
المشركين" ورجحه عكرمة وأبو عبيد والحسن وابن باز. ولا شك أن المسلمين أحوج وأفضل، وقد يكون الكافر القريب أفضل إذا وجدت المصلحة ورجي إسلامه (1).
120 - إذا أعطى الزكاة لشخص ظنه مسلما فبان كافرا: فإن تحرى واجتهد عن حال المعطى له فأخطأ - أجزأت وإن كان من غير تحر لم تصح ويلزمه إعادتها.
121 - حكم إعطائهم من الأضحية جائز لوروده عن ابن عمر كما في الأدب المفرد.
122 - الصيام في البلاد الكافرة إذا كان البلد الكافر توجد فيه مراكز إسلامية ولها رؤية معتبرة وقول معتبر فيصوم برؤيتهم لعموم حديث: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون» ولأن في مخالفتهم مفسدة ظاهرة فلا يستقيم شرعا ولا عقلا أن ينقسم المسلمون في منطقة واحدة فالبعض يصوم والآخر يفطر.
وإذا لم يوجد في البلد رؤية معتبرة للمسلمين كأن يكونوا قلة جدا ولا يوجد به طلاب علم أو مركز إسلامي فيتبع أقرب بلد إسلامي له.
123 - حكم زيارتهم جائزة إذا أمنت الفتنة وعدم المنكر وتستحب إذا رجي إسلامهم ودعوتهم.
124 - حكم إهدائهم وقبول هديتهم له حالتان:
_________
(1) الأموال لأبي عبيد ص57.
(1/132)
الأولى: الهدية العامة أو بمناسبة مولود أو نجاح أو غير ذلك فهذا جائز، إلا إذا تضمنت أمرا محرما فلا يجوز قبولها، فقد قبل - صلى الله عليه وسلم - هدية أكيدر دومة الجندل ملكها وكذا هدية المقوقس وكانت جارية، رواهما البخاري. وكسى - صلى الله عليه وسلم - ملك إيلة بردة، رواه البخاري ومسلم.
الثانية: الهدية لهم بمناسبة عيدهم لا تجوز، وأما هديتهم هم للمسلم بمناسبة عيدهم فمحل خلاف، والصحيح جواز قبولها ما لم تتضمن محرما، واختاره ابن تيمية وابن عثيمين لما ورد عن علي رضي الله عنه أنه أتى بهدية النيروز فقبلها، وعن أبي برزة أنه كان له سكان مجوس فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان فكان يقول لأهله ما كان من فاكهة فكلوه وما كان من غير ذلك فردوه ولأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم، وأما الكافر الحربي فلا يجوز (1).
125 - حكم الأكل من ذبيحتهم بمناسبة عيدهم فيه خلاف. قال حنبل: سمعت الإمام أحمد يقول: ما ذبح لكنائسهم وأعيادهم لا يؤكل لأنه أهل به لغير الله، واختار ابن تيمية التحريم (2).
126 - لا يجوز حضور اجتماعاتهم وموائدهم إذا كانت مشتملة على محرم، إلا إذا كانت للحاجة أو خشي الضرر فجائز.
_________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم 226، الجواب على أسئلة الملاحين لابن عثيمين.
(2) الشرح الكبير مع الإنصاف 27/ 339.
(1/133)
127 - يجوز أن يشمت المسلم الكافر بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم. كما ورد في صحيح البخاري.
128 - ابتداؤهم بالسلام محل خلاف، والصحيح المنع لحديث: «لا بتدؤوا اليهود والنصارى بالسلام» رواه مسلم. وأما التحية بصباح الخير وما شابهه فجائز، وقيل بالمنع كالسلام، وأما الرد عليهم إذا ألقوا السلم فيرد عليهم بقول وعليكم، وزيادة وعليكم السلام محل خلاف. رجح ابن القيم الجواز إذا تحقق أن الكافر قال السلام عليكم وهذا من باب العدل والإحسان.
129 - حكم مصافحتهم جائز لعدم الدليل على المنع، وأما المعانقة فالأولى تركها لأنها تعبير عن الرضا والمحبة.
قال ابن باز وجملة القول في ذلك أن ما كان من باب البر ومقابلة الإحسان بالإحسان قمنا به (1).
130 - إذا أراد أن يتزوج مسلم مسلمة لا ولي لها مسلم، فالذي عليه العمل في الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة أن الذي يتولى التزويج المراكز الإسلامية فيها وبه أفتت اللجنة الدائمة والمجمع الفقهي بالرابطة.
131 - حكم أكل الطعام في بلاد الكفار له حالات:
أ- الطعام النباتي كالخضروات والفواكه والحبوب كالبر والدقيق فهذا كله جائز.
_________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة 24/ 138.
(1/134)
ب- الطعام البحري جائز.
ج- الطعام الحيواني وله حالات:
1 - ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب كالمجوس والوثنيين والهندوس والملحدين فهذه تحرم وإن ذكروا اسم الله عليها وذبحوها على الصفة الشرعية لأن الله أباح ذبائح أهل الكتاب، وما عداهم فيبقى على التحريم. وقد نقل الإجماع على ذلك النحاس في ناسخه سواء أيقنا أنها لغير أهل الكتاب أو غلب على ظننا أو شككنا فالأصل التحريم في الذبائح من حيث التذكية.
2 - ذبائح أهل الكتاب ولها حالات:
الأولى: ما علم أنه ذكي بطريقة شرعية وذكر عليه اسم الله فهذا جائز لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ** [المائدة: 5]، قال ابن عباس الذبائح.
الثانية: ما علم أنه ذكي على غير طريقة شرعية محل خلاف والصحيح لا تجوز لأن المسلم لو ذكى بطريقة غير مشروعة فلا تصح فمن باب أولى الكتابي وهو أحوط وأبرأ للذمة ورجحه ابن باز واللجنة الدائمة (1).
الثالثة: ما جهل حالها أذبحت بذكاة شرعية وذكر اسم الله عليها أم لا؟ محل خلاف. رجح ابن باز واللجنة الدائمة الجواز لأن الأصل حل ذبائحهم، وقيل: يحرم، ورجحه الشيخ
_________
(1) الفتاوى 22/ 390.
(1/135)
عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا والشيخ صالح الفوزان لأن الأصل في الحيوانات التحريم من حيث التذكية فلا تحل حتى نعلم ذكاتها وتغليبا لجانب الحظر عند التردد، ولأن كثيرا من الدول الكافرة هي ملحدة وليست صاحبة كتاب كما تزعم ولأنها تقوم بمنع الذبح على أراضيها، ولأنه ثبت استخدام كثير من المصانع القتل بالصعق الكهربائي أو الضرب فيما يكتب عليها ذبح بالطريقة الإسلامية. فهل يرجى ممن ديدنه العداء للإسلام ونقض العهود والمواثيق وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتهامه بالإرهاب والكذب عليه - الصدق فيما هو أقل من ذلك بكثير وهو الذبح والله المستعان؟! وللقاعدة: إذا تعارض الأصل الظاهر فالمقدم الظاهر إذا قويت القرائن (1).
3 - ذبائح قوم وبلد كفار لا يعلم عن حالهم أهم أهل كتاب أم ليسوا أهل كتاب؟ فمحرم لأن الأصل في الحيوانات التحريم كما تقدم من حيث التذكية.
132 - حكم الأكل في آنية الكفار لها حالات:
أ- إذا علمنا بأنها لا تستخدم في نجس كالخنزير والخمر جاز استخدامها لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - "توضأ من مزادة امرأة مشركة" رواه البخاري.
ب- إذا علمنا بأنها تستخدم فيما ذكر أو غلب على الظن ذلك ولم يوجد غيرها تغسل وجوبا وتستخدم.
_________
(1) الأطعمة وأحكام الصيد للشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء.
(1/136)
ج- إذا وجد غيرها فاختلف العلماء في جواز استخدامها والأحوط تركها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تأكلوا في آنيتهم إلا ألا تجدوا منها بدا، فإن لم تجدوا منها بدا فاغسلوها ثم كلوا فيها» رواه البخاري.
133 - حكم إعطاء الكافر القرآن:
ألا يجوز إعطاء القرآن الكافر لأن الكافر نجس وخشية امتهانه.
ب يجوز إعطاء القرآن المترجم للكافر إذا كان مجرد تفسير ورجي إسلامه.