عَنْ أبي هُرَيرةَ رَضي الله عَنْهُ عَنِ النَبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ عَلَيْهمَا السلام: لأطُوفَنَّ الّليلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأةً تَلِدُ كُلُّ امْرَأةٍ مِنْهُنً غلاماً يُقَاتِلُ في سَبِيلِ الله.
فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ الله. فَلَمْ يَقُلْ. فَطَافَ بِهنَّ فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُن إلا. امْرَأة وَاحِدَة نِصْفَ إنْسَانٍ.
قَالَ: فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم " لَوْ قَالَ: إنْ شَاء الله لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ ذلِكَ دَرَكاً لِحَاجَتِهِ ".
قوله: " قيل له: قُلْ: إنْ شَاءَ الله " يَعْني قال لَهُ المَلَكُ.
الغريب:
لأطوفن: اللام واقعة في جواب قسم مقّدر محذوف، كأنه قال: (والله لأطوفن) والنون للتأكيد.
وطاف بنسائه: ألَم بِهنَّ وقاربهن، والمراد به المجامعة.
دَرَكاً لحاجته: بفتح الدال المهملة والراء، اسم مصدر لـ (أدرك) والمراد به: اللحاق والوصول إلى الشيء.
والملك: بفتح الميم واللام، أحد الملائكْة.
المعنى الإجمالي:
سليمان عليه السلام نبي من أنبياء الله تعالى إلى بنى إسرائيل، وقد أعطاه الله من الملكً ما لم يعطه أحدا.
وكان من حرصه ورغبته في الخير وإعلاء كلمة الله بجهاد أعدائه، أن أقسم بالله تعالى أن يجامع تسعين امرأة، تلد كل واحدة منهن غلاما يشب ويقوى، حتى يجاهد في سبيل الله وأتى إلى شهوته بهذه النية الصالحة، لتكون عبادةً تقربه من ربه تبارك وتعالى، جاء واثقاً بربه، مخلصاً في مقصده، جازماً في تحقق مراده فأذهله ذلك، وأنساه عن الاستثناء بيمينه بأن يقول: (إن شاء الله) مع تذكير الملك له ذلك.
فطاف بهن، فلم تلد له منهن إلا واحدة جاءت بنصف إنسان، تأديبا من الله تعالى، وعظة لأوليائه وأصفيائه، وليرجعهم إلى كمالهم بالتعلق به وإدامةْ ذكره ومراقبته، فيما يأتون وما يذرون، وليعلم الناس أن الأمر لله وحده، وأنه المدبر المتصرف بالأمور.
فليس لنبي ولا لملك ولا لغيرهما مشاركة معه في ملكه وتصرفه، فهو القادر على كل شيء
والمدبر لكل شيء.
فلو أن سليمان عليه السلام، استثنى في يمينه بمشيئة الله تعالى، لأدرك حاجته، ونال مطلوبه. ولكن الله قدر هذا، ليكون تشريعاً لخلقه، وعِظَة وعبرة للناس أجمعين.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن الاستثناء في اليمين، وهو قول الحالف (إن شاء الله) نافع ومفيد جداً لتحقيق المطلوب، ونَيْلِ المرغوب، فاٍن مشيئة الله تعالى نافذة على كل شيء، وبركة ويمن.
2- أن المستثنى لا يحنث في يمينه، إذا علقه على مشيئة الله تعالى.
3- في هذا الحديث، عبرة وعظة وقعت لنبي من أنبياء الله تعالى، صمم في أمره بلا مشيئة الله، فلم يشفع له قربه من الله جلا وعلا أن يحقق طلبه إلا أن يذكره فلا ينساه، فكيف بمن هو دون الأنبياء رتبة ومنزلة؟! فسبحانك من مرب حكيم.
4- أن عادات أنبياء الله وأوليائه، تكون بسبب نيا تهم الصالحة عبادات.
فهم يجامعون- مثلا- ليحصنوا فروجهم وأعينهم عن الحرام، وليحصنوا زوجاتهم أو ليرزقوا أولاداً صالحين، أو ليحصل كل هذا. فتكون العادة عبادة بسبب هذه النية الصالحة، والمقاصد السامية.
أما الغافلون فعباداتهم كعاداتهم. فهم يأتون المساجد للصلاة، جَرْياً على العادة المتبعة عند المسلمين، وليس لذكر الله في قلوبهم مقام. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
5- يُجْرِى الله تعالى ويُقدر مثل هذه الأمور على الكَمَلَةِ من عباده لِيرىَ الناس أن الأمر له وحده، وأنه المتفرد بالتدبير والتصريف، وأن ليس له مشارك في حكمه وأمره.
6- قال ابن دقيق العيد: وقد يؤخذ من الحديث جواز الإخبار عن وقوع الشيء بناء على الظن، فإن هذا الإخبار من سليمان لم يكن عن وحي، وإلا لوجب أن يقع ما أخبر به.