ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين (46) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (47) ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل (48) ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (49) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (50) إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (51) فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52)
46 - ويكلم الناس وهو طفل صغير قبل أوان الكلام، ويكلمهم وهو كبير قد كملت قوته ورجولته، يخاطبهم بما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم، وهو من الصالحين في أقوالهم وأعمالهم.
47 - قالت مريم مستغربة أن يكون لها ولد من غير زوج: كيف يكون لي ولد لم يقربني بشر لا في حلال ولا في حرام؟! قال لها الملك: مثل ما خلق الله لك ولدا من غير أب، يخلق ما يشاء مما يخالف المألوف والعادة، فإذا أراد أمرا قال له: "كن" فيكون، فلا يعجزه شيء.
48 - ويعلمه الكتابة والإصابة والتوفيق في القول والعمل، ويعلمه التوراة التي أنزلها على موسى - عليه السلام -، ويعلمه الإنجيل الذي سينزله عليه.
49 - ويجعله -كذلك- رسولا إلى بني إسرائيل، حيث يقول لهم: إني رسول الله إليكم قد جئتكم بعلامة دالة على صدق نبوتي هي: أني أصور لكم من مادة الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيصير طيرا حيا بإذن الله، وأشفي من ولد أعمى فيبصر، ومن أصيب ببرص فيعود جلده سليما، وأحيي من كان ميتا، كل ذلك بإذن الله، وأخبركم بما تأكلون وبما تخبئون في بيوتكم من طعام وتخفونه، إن فيما ذكرته لكم من هذه الأمور العظيمة التي لا يقدر عليها البشر؛ لعلامة ظاهرة على أني رسول من الله إليكم، إن كنتم تريدون الإيمان، وتصدقون بالبراهين.
50 - وجئتكم -كذلك- مصدقا لما نزل قبلي من التوراة، وجئتكم لأحل لكم بعض ما حرم عليكم من قبل، تيسيرا وتخفيفا عليكم، وجئتكم بحجة واضحة على صحة ما قلت لكم، فاتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه.
51 - ذلك لأن الله ربي وربكم، فهو وحده المستحق أن يطاع ويتقى، فاعبدوه وحده، هذا الذي أمرتكم به من عبادة الله وتقواه هو الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.
52 - فلما علم عيسى - عليه السلام - منهم الإصرار على الكفر، قال مخاطبا بني إسرائيل: من ينصرني في الدعوة إلى الله؟ قال الأصفياء من أتباعه: نحن أنصار دين الله، آمنا بالله واتبعناك، واشهد - يا عيسى - بأنا منقادون لله بتوحيده وطاعته.
[من فوائد الآيات]
• شرف الكتابة والخط وعلو منزلتهما، حيث بدأ الله تعالى بذكرهما قبل غيرهما.
• من سنن الله تعالى أن يؤيد رسله بالآيات الدالة على صدقهم، مما لا يقدر عليه البشر.
• جاء عيسى - عليه السلام - بالتخفيف على بني إسرائيل فيما شدد عليهم في بعض شرائع التوراة، وفي هذا دلالة على وقوع النسخ بين الشرائع.