. ما معنى الحوالة ؟
الحوالة معناها التحويل أو التحول ، أي : تحول الحق من ذمة إلى ذمة ، وهو عبارة عن انتقال الحق من فلان إلى فلان ، مثاله : عندي لشخص مائة درهم وعند زيد لي مائة درهم فجاء يطلبني حقه الذي عليَّ فقلت له : أحلتك به على زيد ، فالآن نقلتُ الحق من ذمتي أنا المطلوب ، إلى ذمة رجل آخر وهو الذي أنا أطلبه.
وهي من الإحسان والمعروف ، إذا كان فيها تسهيل وتيسير على المكلف.
ما حكم الحوالة؟
جائزة بل مستحبة بل واجبة عند بعض العلماء لكن بشروط ،والدليل على جوازها قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن أحيل بدينه على مليء فليحتل" فهذا أصل في جواز الحوالة.
ما هي شروط الحوالة؟
1- لا تصح إلا على دينٍ مستقر أي : أنه لا بد من استقرار المحال عليه. مثاله : إنسان كاتب عبده بعشرة الآف ، فصار على العبد دين ، حيث اشترى نفسه من سيده بعشرة الآف ريال ، فلا يملك السيد الآن أن يحيل على الدين الذي في ذمة المكاتب ؛ لأنه غير مستقر ، فإذا كان هذا السيد عليه عشرة آلاف وأراد أن يحيل صاحب الدين على دين الكتابة ، فقد تحصل وقد لا تحصل ، فيكون هذا الذي تحول غما سالماً وإما غارماً ، أي : أنه لا يدري هل يغرم أو يحصل على حقه ؛ لأن هذا العبد قد يعجز عن تسليم المال المكاتب عليه فيضيع حق المحتال ، فلهذا لا بد من أن يكون المحال عليه مستقراً.
كذلك مهر المرأة قبل الدخول غير مستقر على الزوج ؛ لأنه لا يستقر إلا بالدخول ، فإذا أحالت المرأة به على الزوج صارت الحوالة غير صحيحة ؛ لأنه غير مستقر ؛ لأنه ما دام لم يدخل فيجوز أن يجد فيها عيباً فيفسخ النكاح ويأخذ المهر كاملاً ، ويجوز أن يطلقها فتستحق نصف المهر ، ويجوز أن يدخل بها فتستحق المهر كاملاً ، إذاً فالمهر هنا دين غير مستقر فلا تصح الحوالة عليه.
ولا يعتبر استقرار المحال به أي أن المحال به لا يشترط استقراره وهو الدين الذي على الشخص المحال عليه ، فلو أن المكاتب أحال سيده بدينه على منن في ذمته دين مستقر للمكاتب ، فإن الحوالة صحيحة ؛ لأنه لا يشترط استقرار المحال به.
2- يشترط اتفاق الدَّينين أي المحال به ، والمحال عليه ، جنساً ووصفاً ووقتاً وقدراً، أي : اتفاقهما في أربعة أمور :
الأمر الأول : الجنس ، بأن يحيل مائة صاع بر في ذمته ، على من له في ذمته مائة صاع بر ، فإن أحاله بمائة صاع بر على مائة صاع شعير فإنه لا يصح ، لاختلاف الجنسين ، فهي ليست حوالة ولكنها في الحقيقة بيع. وأيضاً لو أحاله بعشرة دنانير على عشرة دراهم ، فلا يصح لاختلاف الجنسين.
الأمر الثاني : الوصف بأن يكون كل منهما جيداً ، أو رديئاً ، أو وسطاً ، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح أن يحيل جيداً على رديء ، ولا رديئاً على جيد ، وفي هذا نظر ؛ لأنه لا محظور من ذلك ، فإن أحال بجيد على رديء ، وقَبِلَ المحال الرديء عن الجيد فما المانع ؟ مادام الجنس واحداً والقدر واحداً ، فليس فيه ربا ولا غرر ، لأن المحيل الآن أحال باختياره ، كما لو أوفاه جيداً عن رديء.
فالصواب أن الوصف إذا قصد به الرداءة والجودة أنه لا بأس به .
الأمر الثالث : الوقت ، وذلك فيما إذا كان الدَّينان مؤجلين ، فلا بد من اتفاق الدينين في الأجل ، فلا يحيل ما يحل بعد شهر، على ما يحل بعد شهرين ، أو ما يحل بعد شهرين على ما يحل بعد شهر ؛ وذلك لعدم الاتفاق في الوقت ، ولا يجوز أن يحيل مؤجلاً بحال - أيضاً- للاختلاف في الوقت.
وهذا -أيضاً- فيه نظر ، فأي مانع يمنع إذا أحلت عشرة دراهم تحل بعد شهر ، على عشرة دراهم لا تحل إلا بعد شهرين ورضي المحال ؟ فليس في ذلك أي ضرر ، والصحيح أنه جائز. فهل هذه تشبه بيع الدراهم بالدراهم إلى أجل؟ فيقال : هذا ليس بيعاً ، ولكنه استيفاء ، ومن المعلوم أنه لو عجل المؤجل ، أو أجل المعجل ، فإنه لا بأس به ، فالصواب إذن أنه لا يشترط اتفاقهما في الوقت.
الأمر الرابع: القدر فيشترط -أيضاً- اتفاق الدَّينين قدراً ، فلا يحيل بعشرة على ثمانية ، أما ثمانية على عشرة فلا بأس. ولا يؤثر الفاضل يعني الزائد في المحال عليه ، ولا بأس به ؛ لأنه كأنه أحاله على ثمانية من عشرة ، وهذا لا بأس به ، وهذا معنى قوله : " ولا يؤثر الفاضل" ويبقى الفاضل لصاحبه. فإن قال : أحلتك بثمانية على عشرة ليقبض كل العشرة؟ فهذا لا يجوز ، لأنه صار معاوضة ، والمعاوضة بين جنسين ربويين لا بد أن يكون أحدهما مساوياً للآخر إذا كان الجنس واحداً ، ومعلوم أنه إذا اختلف الجنس فهو معاوضة من باب أولى. فصار اتفاقهما في القدر تحته أمران : الأول : التحويل بالناقص على الزائد ، على أساس أنه يأخذ مقدار حقه والباقي يبقى في ذمة المحال عليه ، فهذا جائز.
الثاني : التحويل بالزائد على الناقص - على كلام المؤلف- لا يصح .
لكن ما هو الطريق للصحة؟ الطريق أن يبرئه من الزائد ، ثم يحيله على المساوي. فإذا قال : أنا أريد أن أبرأ منه نهائياً؟ قلنا : الطريق إلى هذا أن يبرئه من الزائد ثم يحيله ، وهذه حيلة لا بأس بها ؛ لأنها حيلة على مباح.
والخلاصة :[ أن الحوالة من باب الاستيفاء ، فإذا انقلبت إلى معاوضة صار لا بد من مراعاة شروط البيع المعروفة ] ، هذه هي القاعدة ، أما هذه الشروط التي ذكرها المؤلف فكما سبق أن بعضها فيه نظر.
3- إعتبار رضى المحيّل.
والدليل على ذلك أن الله تعالى قال : ** إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم** ، فالرضا لا بد منه في جميع العقود حتى عقود النكاح -على القول الراجح- فيما إذا كانت البنت بكراً.
أما المحال عليه لا يعتبر رضاه ، فلو أحال رجل بدينه على آخر ، وقال المحال عليه : لا أقبل ؛ لأن المحتال رجل سيء الطلب ، ويتعب المطلوب ، فلا يملك ذلك ، قال العلماء : لأنه -أي : صاحب الحق- يملك استيفاؤه بنفسه وبوكيله ، والمحتال كأنه وكيل ، فكما أن لصاحب الحق أن يوكل رجلاً خصماً لدوداً في استيفاء حقه فله أن يحيله أيضاً.
وإذا امتنع المحيل عن الحوالة لكونه فقيراً ، فهل يملك صاحب الدين أن يجبره على إحالته على دينه في ذمة غني؟
على كلام المؤلف لا يملك ؛ لأنه يشترط رضاه على كل حال. فلو قال الدائن : أنت الآن ليس عندك شيء ، لكن لك في ذمة فلان الغني الباذل كذا وكذا ، فأحلني عليه ، فقال : لا أحيلك ، فإنه لا يلزمه ، لكن لو رأى القاضي أن إحالته لا بد منها فله ذلك ، فالقول في هذه الحال لا يعتبر رضاه وأنه يجبر على الإحالة قول قوي ؛ لئلا يضيع حق صاحب الدين.
أما المحتال ففي رضاه تفصيل إن كان على مليء لم يعتبر رضاه ، وإن كان على غير مليء اعتبر رضاه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " مطل الغني ظلم ، وإذا أحيل أحدكم بدينه على مليء فليحتل" ، ومفهومه أنه إذا أحيل على غير مليء لا يلزمه الاحتيال ، فصار المحيل والمحتال والمحال عليه باعتبار الرضا على ثلاثة أقسام :
الأول : من يعتبر رضاه بكل حال وهو المحيل.
الثاني : من لا يعتبر رضاه على كل حال وهو المحال عليه.
الثالث: من فيه التفصيل وهو المحتال ، إن كان على مليء لم يشترط رضاه ، وإن كان على غير مليء اشترط رضاه.
من هو المليء؟
هو القادر على الوفاء بقوله وماله وبدنه. (وبدنه) أي يمكن إحضاره عند المحاكمة إلى مجلس الحكم ، فإن كان ل يمكن محاكمته شرعاً أو عادة ، فإنه لا يلزمه أن يتحول ، ولا بد من رضاه.
هل لا بد من رضا المحتال؟
رضا المحتال فيه تفصيل: إن كان على مليء لم يُعتبر رضاه ، وإن كان على غير مليء اعتبر رضاه ، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمهُ الله- وهو ما مشى عليه المؤلف.
وذهب أكثر العلماء إلى اعتبار رضاه حتى وإن أحيل على مليء ، وقالوا : إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " فليحتل" ، على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب ؛ لأنه من حُسن الاقتضاء ، وأنا أميل إلى هذا القول وأنه لا يجب قبول التحول ؛ لأنه صاحب حق ، وأنت ربما تحيلني على مليء ، قادر على الوفاء بقوله وماله وبدنه ، وأستطيع أن أحضره إلى مجلس الحكم ، لكن له احترام عندي ، إما أنه أخ ، أو قريب ، أو صديق ، أو ذو شرف وجاه ، فكيف تجبرني ؟ أو بالعكس ، فلا أُنَزِّل نفسي بمنزلة هذا السفيه مثلاً.
فالصواب أنه لا بد من رضا المحتال سواء كان على مليء أم على غير مليء ، وهو قول الجمهور.
إذا أحال المحيل صاحب الدين على زيد ثم تبين أنه مفلس فهل له أن يرجع إلى صاحب الحق؟
إذا رضي المحتال ، وتبين أن المحال عليه مفلس ، فإنه لا يرجع ، وهذه المسألة لها ثلاث حالات:
الحال الأولى: ألا يكون المحتال رضي ، بأن قال المحيل للمحتال : أحلتك على فلان وهو مفلس ليس عنده دراهم ، فقال : لا أقبل ، فهنا يرجع قولاً واحداً ، ولا خلاف في ذلك ؛ لأنه يشترط للمحتال على غير مليء أن يكون راضياً ، وهنا لم يرض ، فيرجع بلا خوف.
الحال الثانية : أن يعلم أنه مفلس ويرضى بذلك ، فهنا لا يرجع بلا خوف ؛ لأنه رضي به فلا يرجع.
الحال الثالثة: أن يرضى وهو لا يعلم بحاله ثم يتبين أنه مفلس ، فعلى كلام المؤلف لا يرجع ؛ لأنه قيد ذلك بما إذا لم يكن رضي ، وهذا الرجل رضي.
فإن قال المحتال : أنا رضيت ، أحسب أن فلاناً غني ، فلما تبين أنه مفلس أريد أن أرجع إلى الذي أحالني ، وآخذ حقي منه؟ قلنا : لا رجوع لك ؛ لأنك فرطت ، فلماذا لم تشترط الملاءة حين أحالك ، وأنت لا تدري عن صاحبك المحال عليه؟ فيقال : ما دمت أنك لم تشترطها فأنت الذي فرطت فلا رجوع لك.
إذا أحيل بثمن مبيع ، أو أحيل به عليه فبان البيع باطلا ، فهل تبطل الحوالة؟
نعم ، لأن المبني على باطل يكون باطلاً. مثال ذلك : عبد الرحمن اشترى من الطاهر كتاباً بعشرة ريالات ، فأحال عبدُ الرحمن الطاهرَ على سامي ، لأنه كان مدنيناً له فتبين بطلان البيع لكون الكتاب وقفاً والوقف لا يباع ، فهنا تبطل الحوالة والبائع يرجع على المشتري بالمبيع ،وهو هنا الطاهر فيأخذ كتابه وتنتهي المسألة.
هل تبطل الحوالة بفسخ البيع؟
لا تبطل ، مثلاً لما أشترى عبد الرحمن الكتاب من الطاهر وجد فيه عيباً ، فرده لعيبه ، فهذا فسخ للعقد فالحوالة لا تبطل ، وللطاهر أن يطالب سامياً بالثمن ؛ لأنه أحيل عليه به ، فله أن يطالبه ، ولكنه إذا قبضه يرده إلى المشتري وهو عبدالرحمن ؛ لأنه فسخ العقد.
إذاً إذا كانت الحوالة مبنية على باطل فهي باطلة، وإن كانت مبنية على صحيح ولكن فُسخ ، فالحوالة صحيحة ولا تبطل.
هل للبائع أن يحيل مدينه على المشتري؟
نعم ، مثال ذلك : اشترى عبدالرحمن من الطاهر كتاباً بعشرة ريالات ، فثبت في ذمة عبد الرحمن للطاهر عشرة ريالات ، كان سامي يطلب الطاهر عشرة ريالات ، فقال له الطاهر : أحلتك على عبد الرحمن - المشتري- فإذا فسخ البيع ، فإن سامياً سوف يستلم من المشتري -عبد الرحمن- وهنا سوف يحيل المشتري - عبد الرحمن- سامياً على البائع -الطاهر- .