فإنَّ الله تباركَ وتعالى يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، وكانَ منْ حكمتهِ جلَّ وعلا أنْ خَلَقَ الخَلْقَ أجمعين، وجعلَ منهم كافرين ومسلمين وأرسلَ الرُّسُلَ جلَّ وعلا، وأنزلَ معهمُ الكُتُبَ، وجعلَ للرُّسُلِ أتباعاً وحواريِّين يهتدون بهديِهم ويستنُّون بسُنَّتهم ويدعون إلى ما كانَ يدعو الرُّسُلُ إليهِ.
ويتفاوتُ أتباعُ الرُّسُلِ في الفضلِ والمكانةِ كما يتفاوت الرُّسُلُ في الفضلِ والمكانةِ، وإنَّ سيِّد الأنبياءِ والمرسلين هو خاتمهم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وجعلَ الله تباركَ وتعالى أتباعَه سادات أتباع المرسَلين، وجعلَ الكتابَ الذي أنزلَ إليهِ مُهيمناً على الكُتُبِ
جميعاً، وجعلَ رسالتَه مهيمنةً على جميعِ الرِّسالاتِ وناسخةً لها، وجعلَها خاتمةَ الشَّرائعِ وصالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.
فنجدُ أنَّ الله تباركَ وتعالى ميَّز هذه الأمَّةَ بميزاتٍ كثيرةٍ منها
*- أنه أرسلَ إليها خيرَ رُسُلِهِ
*- ومنها أنه أنزلَ إليهِ أحسنَ كُتُبِهِ
*- ومنها أنه شَرَّعَ له أكملَ شرائعهِ
*- وكانَ مِنْ فضلهِ ومنِّه تباركَ وتعالى أنْ جعلَ أتباعَه أكثرَ أتباع الأنبياءِ، وأكفأَ أتباع الأنبياءِ، وأصدقَ أتباع الأنبياءِ.
وذلك أنَّ الصَّحابةَ رضيَ الله عنهم كما أنهم يتفاوتون في الفَضْلِ مع النَّاسِ، كذلك يتفاوتون فيما بينهم، لا يستوون عند الله تباركَ وتعالى كما قالَ الله جلَّ وعلا: " لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) " سورة النساء، لا يستوون، بل أكَّد هذا سبحانه وتعالى بأوضحَ مِنْ ذلك فقالَ سبحانه وتعالى: " لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا (10) "سورة الحديد، لا يستوون، إذاً الذي أنفقَ وقاتلَ قبل الفَتْح أفضل مِنَ الذي أنفقَ وقاتلَ بعد الفَتْح، فهم متفاوتون إذاً عند الله تباركَ وتعالى.