العام والخاص وشيء من الاصول
معنى قول النبي ص:«ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر»
قال رجلٌ للنبي ص أرأيت الرجل يحسن في الإسلام، أيؤاخذ بما عمل في الجاهلية، قال فقال النبي ص: «من أحسن في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام، أخذ بالأول والآخر»،
فماذا يقصد،
«من أحسن في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية»،
هل يقصد بذالك انه لم يرتد على الإسلام؟
- واحد كان يسرق في الجاهلية، ويسرق، وظل يسرق في الإسلام، فيؤاخذ بهذا وذاك، رجل كان كافراً مشركاً، وعلى شركه كان سيء التصرف، كان يسرق، كان يضرب، كان يشرب الخمر، كان إلى أخره، ثم أسلم، الإسلام يَجُبُّ ما قبله،
لكن هذا الحديث، يدخل لهذه الجملة، لهذه القاعدة تخصيصاً،
الإسلام يجب ما قبله، فالذي أسلم وكان مثلاً سارقاً، فبإسلامه كما انتهى عن الكفر، انتهى عن السرقة، هذا سيحسن إليه في كل ما يفعل، من حسنات في إسلامه، ولا يؤاخذ على سيئته في الجاهلية،
على العكس من ذلك، فرجل آخر أسلم وكان يسرق، ومع إسلامه، ظل يسرق، فهو بناءً على القاعدة العامة الإسلام يجب ما قبله، بيتصور الإنسان، أن هذا لا يؤاخذ بما فعل في الجاهلية، من السرقة، لكن هذا الحديث يقيد هذه القاعدة، ويقول بأن هذا الذي أسلم وأساء في الإسلام، فسيؤاخذ على إساءته هذه في إسلامه [مثل] إساءته في الجاهلية.
ولكن هذا إذا دخل الإسلام، واستغفر الله عز وجل، عما فعل في الجاهلية، وعاد إلى ذنبه، فأين نذهب بحديث النبي ص ، الذي من خلاله يقول حديث المطول،
«... إذا أذنب عبدي، ذنباً، فعرف أن له رباً يغفر الذنب،[إلى أن قال] قد غفرت لعبدي»( متفق علية،
فهذا الإنسان أسلم،ثم بعد ذلك استغفر، قد رجع إلى السرقة، أو إلى الخمر أو كذا، فالله قد غفر له، ثم استغفر، هل يقصد بذلك:
«ومن أساء في الإسلام»... أنه مات على الإساءة؟
ليس شرطاً، إذا كان أساء في الجاهلية، وما رجع عن إساءته في الجاهلية، وهذا ما يخرج عن التوفيق بين قاعدة الإسلام يجب ما قبله، فهي قاعدة عامة،
لكن هذا الحديث يخصص هذه القاعدة فيقول بأنه إذا أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما فعل في الجاهلية، أما بعد إسلامه إذا أساء في الإسلام كما أساء في الجاهلية فهو يؤاخذ بالإساءتين، سواء في الإسلام أو في الجاهلية،
والحديث الذي ذكرته العبد إذا تاب، فهذا أيضاً من النصوص العامة،
أي: التي يتبادر إلى الذهن أنه يشمل من كان مشركاً فأسلم، ويشمل من كان مسلماً أب عن جد.هنا هذا الحديث الآن يأخذ جزئية من جزئيات حديث العبد الذي ذكرته أخيراً، ويعطينا أنه إذا كان مشركاً فأسلم، فأساء في إسلامه كما أساء في جاهليته، أخذ بالإساءتين معاً، تخصيص وتعميم فقط.
-تعريف الإسلام، وبيان ما يُخرجُ المرء منه
[ دين) الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده، على ألسنة رسله، وأصل هذا الدين وفروعه: روايته عن الرسل، وهو ظاهر غاية الظهور، يمكن كل مميز من صغير وكبير، وفصيح وأعجم، وذكي وبليد، أن يدخل فيه أقصر زمان، وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو كذب على الله، أو ارتياب في قول الله تعالى، أو رد لما أنزل، أو شك فيما نفى الله عنه الشك، أو غير ذلك مما في معناه.
2-فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام، وسهولة تعلمه، وأنه يتعلمه لوافد ثم يولي في وقته واختلاف تعليم النبي ص في بعض الألفاظ بحسب من يتعلم، فإن كان بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي، ووفد عبد القيس؛ علمهم ما لم يسعهم جهله، مع علمه أن دينه سينشر في الآفاق، ويرسل إليهم من يفقههم في سائر ما يحتاجون إليه، ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج، أو كان قد علم فيه أنه قد عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل، كقوله:
[قل آمنت بالله ثم استقم].
وأما من شرع ديناً لم يأذن به الله فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي ص، ولا عن غيره من المرسلين، إذ هو باطل، وملزوم الباطل باطل، كما أن لازم الحق حق.
متى يخرج المسلم من إسلامه؟ بأقصر الطرق وأسهل
1-: المسلم يخرج من إسلامه إذا أنكر شيئاً منه كان دخل فيه، مفهوم هذا الكلام؟ إذا أنكر.. إذا جحد شيئاً يتبناه في إسلامه وفي دينه وهو يعرف ذلك فأنكره بقلبه وليس بلسانه، فهو مرتد عن دينه، ولو كان [يوجد] حكم إسلامي يقتل؛ لأنه ارتد عن دينه، أما إذا لم يُخْرِجْ ذلك عن عقيدةٍ،وإنما إما قال ذلك جهلاً بدينه، أو قاله مضطراً، أو خوفاً، أو نحو ذلك فهو لا يكفر به.
2-فالخلاصة: يرتد عن الدين إذا جحد شيئاً منه وهو عالم به، لكن إذا أنكر شيئاً هو لا يعرفه أنه من الإسلام فأنكره فلا يُكَفَّر إلا بعد أن يُبَيَّنَ له أن هذا الإسلام جاء به فأصر على إنكاره فهو الذي يحكم بكفره وردته؛ تطلق منه زوجته؛ وإذا مات لا يدفن في مقابر المسلمين، يعني: تترتب [عليه] أحكام أهل الردة.
3-أما الشيء الذي يُنْكِرُهُ ويَكفُر بإنكاره إياه فهو ما يسميه أو يعبر عنه العلماء الفقهاء:
[ما] كان معلوماً من الدين بالضرورة،
ما معنى هذا الكلام؟
مثل : الخمرالذى يقول ليس حرام، هذا مرتد عن دينه لماذا؟ لأنه لا يتصور أنه يجهل أن دينه الذي هو يعتقده ويؤمن به.. لا يتصور فيه أنه يجهل أن الإسلام يحرِّمه بل هو يقيناً يعلم أن الخمر حرام، لكن هو أبى هذا الحكم في الإسلام، ففي مثل إنكاره لهذا الحكم يكفر.
4-هذا (يسميه) الفقهاء: معلوم من الدين بالضرورة بمعنى:
مجرد كون المسلم مسلماً يعلم هذا الحكم، بينما هناك أحكام فيها دقة متناهية لا يعرفها إلا أهل العلم بل ربما إلا خواص أهل العلم، [مثل] شرب الدخان وكونه حراماً، المسلمين كلهم يعرفون أنه حرام مثل الخمر؟! لا، فالدخان يا أخي أنا أريد أشربه وما هو حرام فهل يكفر؟! [لا]؛ لأنه ما أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة.
5-ومن صفات المعلوم من الدين بالضرورة أنه يكون مذكوراً إما في القرآن الكريم أو في السنة المتواترة المتلقاة عند علماء المسلمين بالقبول، فإذا أنكر حكماً مختلَفاً فيه فلا يكفر به وإنما يُخطّأ إذا كان مخالفاً للدليل،
واآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين