الركن السادس : الإيمان بالقدر خيره وشره
الإيمان بالقدر خيره وشره هو الركن السادس،
وهو محل عراك بين العلماء وآرائهم،
ومحل عراك بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء .
الإيمان بالقدر معناه أن تؤمن بأن الله - عز وجل - قد قدر كل شيء يكون إلى مالا نهاية له، وأنه قدره عن علم،
ولهذا قال العلماء : إن مراتب الإيمان بالقدر
أربع مراتب :
المرتبة الأولى:
العلم ومعناها : أن تؤمن بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملةً وتفصيلاً
فيما تعلق بفعله الذي يفعله - عز وجل - بنفسه كالخلق، والإحياء، والإماتة، وإنزال المطر وغير ذلك،
أو يتعلق بفعل المخلوقين، كأقوال الإنسان، وأفعاله،
بل حتى أفعال الحيوان كلها معلومة لله - عز وجل - قبل وقوعها،
وأدلة هذه المرتبة كثيرة منها
قوله تعالى : « وكان الله بكلّ شيء عليماً » سورة الفتح 26
ومنها قوله : « الله الّذي خلق سبع سمـٰوت ومن الأرض مثلهنّ يتنزّل الأمر بينهنّ لتعلموٓا أنّ الله على كلّ شيء قدير وأنّ الله قد أحاط بكلّ شيء علماً » سورة الطلاق 12
ومنها قوله تعالى : « وعنده مفاتح الغيب لا يعلمهآ إلا ّهو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتـٰب مّبين »
سورة الأنعام 59
ونتكلم عن
قوله : « ويعلم ما في البرّ والبحر...»
كلمة ( ما ) اسم موصول،
وكل اسم موصول فهو مفيد للعموم،
فكل شيء في البرّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ يعلمه،
وكذلك كل شيء في البحر فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يعلمه .
« وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها »
أي ورقة في أي شجرة في أي مكان في رأس جبل، أو في بطن وادٍ، أو في روضة من بقاع الأرض، كل شجرة يسقط منها ورقة فالله تعالى يعلم هذه الورقة،
وكل ورقة تنبت فهو عالم بها من باب أولى .
وقوله : « وما تسقط من ورقة »،
في هذه الجملة حرفٌ زائد وهو ( مِنْ ) ،
فإنه زائد في الإعراب،
لكنه يزيد في المعنى : و هو تأكيد العموم المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي،
لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، فإذا جاءت ( مِنْ ) زادته توكيداً .
« ولا حبةٍ في ظلمات الأرض »، أيُ حبة، سواء كانت كبيرة، أو صغيرة في ظلمات الأرض إلا يعلمها الله ـ عز وجل ـ،
وكلمة ( ظلمات ) جمع تدل على أن للأرض ظلمات الأرض : و هي ظلمة الليل، و ظلمة البحر، وظلمة الطين، و ظلمة السحاب، و ظلمة المطر، و ظلمة الغبار،
فهذه ظلمات ست و قد يكون هناك ظلمات أخرى لم نعلمها ،
وهذه الظلمات لا تَحول بين الله - عز وجل - وبين هذه الحبة، بل هو ـ سبحانه وتعالى ـ يعلمها و يراها ـ جلا وعلا ـ .
« ولا رطب ولا يابس » ، و ما من شيء إلا و هو إما رطب و إما يابس .
« إلاّ في كتاب مّبين »، و هو اللوح المحفوظ،
و هذا الكتاب إنما كان عن علم من الله
ـ عز وجل ـ .
و عِلْم الله تعالى بِعَمَل الإنسان موجود في كتاب الله - عز وجل -
قال تعالى : « أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون » سورة الزخرف 80
فهو يعلم السر والنجوى،
و السر: هو ما يسره الإنسان في قلبه، ويُحَدِث به نَفسَه،
و أما النجوى : فهي ما يتناجى به مع
صاحبه .
و كل هذا معلوم لله ـ عز وجل ـ .
و هذا العلم من الله - عز وجل - لم يَسْبِقه جَهلٌ، ولا يلحقه نسيان،
و لهذا لما قال فرعون لموسى : « فما بال القرون الأولى (51) قال علمها عند ربّي في كتـٰب لاّ يضلّ ربّي ولا ينسى(52) » سورة طه
( لاّ يضلّ ) ، أي يجهل ،
( ولا ينسى ) ما كان معلوما ً،
بينما عِلْمُ البشر مَحْفوف بهاتين الآفتين ،
جهل سابق، ونسيان لاحق ،
قال الله تعالى : « و الله أخرجكم مّن بطون أمّهـٰتكم لا تعلمون شيئاً » سورة النّحل 78
( يتبع ) ...............