معاني « الحكمة »
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ ( البقرة : 269 )
قالَ العلاَّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالىٰ في « تيسير الكريم الرَّحمٰن » ( 115 ) :
لما أمر الله تعالىٰ بهٰذه الأوامر العظيمة المشتملة علىٰ الأسرار والحكم ،
وكان ذٰلك لا يحصل لكل أحد ، بل لمن مَنَّ عليه ، وآتاه الله الحكمة .
وهي : العلم الـنَّافع ، والعمل الصَّالح ، ومعرفة أسرار الشَّرائع وحكمها .
وإنَّ مَنْ آتاه الله الحكمة ، فقد آتاه خيرًا كثيرًا .
وأيُّ خيرٍ أعظم مِنْ خيرٍ فيه سعادة الدَّارين ، والنَّجاة مِنْ شقاوتهما ؟!
وفيه التَّخصيص بهٰذا الفضل ، وكونه مِنْ ورثة الأنبياء ، فكمال العبد متوقِّفٌ علىٰ الحكمة .
إذْ كماله بتكميل قـوَّتَيْه العِلميّة والعَمليّة .
• فتكميل قوَّته العِلميّة : بمعرفة الحقِّ ، ومعرفة المقصود به .
• وتكميل قوَّته العَمليّة : بالعمل الخير ، وترك الشَّر .
وبذٰلك يتمكَّن مِنْ الإصابة بالقول والعمل ، وتنزيل الأُمُور منازلها في نفسه وفي غيره .
وبدون ذٰلك لا يمكنه ذٰلك ، ولما كان الله تعالىٰ قد فطر عباده علىٰ عبادته ، ومحبَّة الخير ، والقصد لِلْحقِّ ،
فبعث الله الرُّسل مذكِّرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم ، ومفصِّلين لهم ما لم يعرفوه .
˘ اِنْقسم الـنَّاسُ قسمين :
• قسمٌ : أجابوا دعوتهم فتذكَّروا ما ينفعهم ففعلوه ، وما يضرُّهم فتركوه ،
وهٰؤلاء هم أولو الألباب الكاملة ، والعقول الـتَّامَّة .
• وقسمٌ : لم يستجيبوا لدعوتهم ، بل أجابوا ما عرض لفطرهم مِنْ الفساد ،
وتركوا طاعة ربِّ العباد ، فهٰؤلاء ليسوا مِنْ أولي الألباب ،
فلهٰذا قالَ تعالىٰ : ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾ .اهـ.
وقالَ رحمه الله في « تيسير الكريم الرَّحمٰن » ( 664 ) : المراد بآيات الله : القُرآن .
والحكمة : أسراره ، أو سُنَّة رسوله .اهـ.
وقالَ الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيرها : " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :
﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء ﴾ ،
يعني : " المعرفة بالقُرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله ".
وروىٰ جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً :
الحكمة : القُرآن ، يعني : تفسيره .
قالَ ابن عباس : « فإنه قد قرأه البر والفاجر » . (رواه ابن مردويه ) .
وقالَ ابن أبي نجيح عن مجاهد : « يعني بالحكمة الإصابة في القول » .
وقالَ ليث بن أبي سليم عن مجاهد : « ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء ﴾ ليست بالنُّبوَّة، ولـٰكنه العلم والفقه والقرآن ».
وقالَ أبو العالية : « الحكمة خشية الله، فإنَّ خشية الله رأس كل حكمة » .
وقد روىٰ ابن مردويه عن طريق بقية، عن عثمان بن زفر الجهني، عن أبي عمار الأسدي .
عن ابن مسعود مرفوعاً : « رأس الحكمة مخافة الله ».
وقالَ أبو العالية في رواية عنه : « الحكمة الكتاب والفهم » .
وقالَ إبراهيم النخعي : « الحكمة الفهم » .
وقالَ أبو مالك : « الحكمة السُّنَّة » .
وقالَ وهب عن مالك : قالَ زيد بن أسلم : « الحكمة العقل » .
قالَ مالك : « إنه ليقع في قلبي أنَّ الحكمة هي : الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله » .
ومما يبين ذٰلك، أنَّك تجد الرَّجل عاقلاً في أمر الدُّنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفاً في أمر دنياه،
عالماً بأمر دينه، بصيراً بما يؤتيه الله إيَّاه، ويحرمه هٰذا .
فالحكمة: الفقه في دين الله ". أ.هـ. كلام ابن كثير رحمه الله .
مقتطف من إملاءات الشَّيخ العلاَّمة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالىٰ / بعنوان : العلم بأحكام الله من أهم الواجبات .
نشر في مجلة ( البحوث الإسلامية )، العدد: 6، ص 7 - 10، ربيع الثاني والجمادين سنة 1403هـ.
المصدر
قال الشَّيخ الدُّكتور مُحمَّد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالىٰ : الحكمة هي : السُّنَّة .
ووضع الشَّيْء في موضعه هي : الحكمة .اهـ.
[ شريط / النَّصيحة للخطباء وطلبة العلم ( 08 :04 )]