تعطَّر بالتوبة والاستغفار
إنَّ الزمن يجري بسرعة عجيبة، فهو دائبُ الحركة ليلًا ونهارًا مؤكِّدا أنَّ تقارب الزمان من أشراط الساعة، كما صحَّ بذلكم الخبر عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.يتساءل الناس من كان منهم بلغ العشرين من عمره أو الثلاثين أو أقل أو أكثر عن تلك الأيام التي عاشها والليالي التي قضاها، فلا ينفكُّ يراها ماضيًا تركه خلفه لن يعود له مرة أخرى، يشعر الناس جميعًا بذلك صغيرهم وكبيرهم، برُّهم وفاجرهم، {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ** [المؤمنون: 113].
ولقد صدق رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه بأبي هو وأمي- حيث يقول: (اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شُغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)رؤية الروابط خاصة بالأعضاء فقط.
وإنَّ الزمن فرصة كبرى لإيقاظ ذوي الفطن لفعل الخير، والتوبة النصوح وإسداء المعروف، وترك ما يشين، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا** [الفرقان: 62].واعلموا أنَّ الزمان سيدور دورته، وأنَّه سيأتي على البيت العتيق الشامخ زمان يُقتلع بناؤه حجرًا حجرًا، يصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (يخرِّب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، كأنَّي به أســود أفحج يقلعها حجرًا حجرًا).
ففي هذا الحديث إيذان بانتهاء الحياة الفانية، والوقوف أمام فاطر السموات والأرض جميعًا حفاة عراة غرلًا ما منَّا أحد إلَّا وسيكلِّمه ربه سِفاحًا دون ترجمان، لا يُسْتثنى منَّا صغيرٌ ولا كبير، ولا أميرٌ ولا وزير، ولا حرٌ ولا عبد، ولا ظالمٌ ولا مظلوم، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ** [الأنعام: 94]،
فهل انتبهت لذلك أيُّها الظالم، ألا ترعوي وترفع الظلم عمن ظلمت قبل أن لا ينفع دينار ولا درهم؟! تُب إلى ربك قبل أن يدركك الأجل.فيا أيُّها المذنب بدِّل اهتمامك لك باهتمامك بك، واسرق منك لك؛ فالعمر قليل، تظلَّم إلى ربك منك، واستنصر خالقك عليك.هل التفت إلى نفسك أيُّها المذنب، وتفكَّرت في خطايا لو عُوقِبت ببعضها؛ لهلكت سريعًا، ولو كُشِف للناس بعضها؛ لاستحييت من قبحها وشناعتها.
ألا وإن قلة التوفيق من قلة الاعتراف بالذنب، ورحم الله ابن سيرين، فلقد حُمِّل دَينًا، فسُئل فقال: "إنِّي لأعرف الذنب الذي حُمِل به على الدَّين ما هو، قلتُ لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس"، الله أكبر ولا إله إلا الله! قلَّت ذنوبهم، فعرفوا من أين يُؤتَون، وكثُرت ذنوبنا؛ فليس ندري من أين الناس نُؤتَى، والجزاء من جنس العمل.
فيا مؤخِّرًا توبته بسبب التسويف لأيِّ يوم أجَّلت توبتك، كنتَ تقول إذا شِبْت تُبْت، وإذا دخل رمضان أنبت، كنتَ في كلِّ يوم منه تضع قاعدة الإنابة لنفسك، ولكن على شفا جرف هار، ويحك تعطر بالتوبة والاستغفار؛ فقد أنتنتك روائح ذنوبك، ولا تقنَع بتوبتك إلَّا بمكابدة حزن يعقوب، أو بصبر يوسف عن الهوى، فإن لم تُطِق؛ فبذُلِّّ إخوته يوم أن قالوا: {وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ** [يوسف: 91].ثم اعلم أنَّ التائب من الذنب إذا صدق في توبته أحبه الله وأحياه: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا** [الأنعام: 122].
لفضيلة الشيخ سعود الشريم–حفظه الله-