وفى القول : إن المحكم ما تعلق بالأحكام وعلم الحلال والحرام .
قال مجاهد : ** آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ** : حكم ما فيها من الحلال والحرام وما سوى ذلك .
وقيل : إن الآيات المحكمات هي : الناسخة والثابتة الحكم . والمتشابهات هي : المنسوخة الحكم والأمثال والأقسام ، وما لا يتعلق بحلال ولا حرام .
وقال ابن عباس : ** هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ** قال : المحكمات : ناسخهُ وحلاله وحرامه وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات : منسوخه ومقدمه ، ومؤخره ، وأمثاله وأقسامه ، وما يؤمن به ولا يعمل به .
وعن الضحاك ، قال : ** هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ** : ( الناسخ ) ** وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ** : ( المنسوخ ) .
وقال بعض أهل العلم : إن الآيات المتشابهات ، آيات متعارضة في الظاهر ، وبها ضلَّ أهل الزيغ ، إذا رأوا أن القرآن ينقض بعضه بعضا .
وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة : أصل التشابه : أن يشبه اللفظ اللفظ في الظاهر ، والمعنيان مختلفان ، قال الله تعالى في وصف ثمر الجنة : ** وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا(25) ** سورة البقرة ، أي : متفق المناظر ، مختلف الطعوم ،
وقال : ** تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ (118) ** سورة البقرة ، أي : أشبه بعضها بعضا في الكفر والقسوة ،
ومنه يقال : اشتبه عليَّ الأمر : إذا أشبه غيره ، فلم تكد تفرق بينهما ، وشبِّهت عليَّ : إذا ألبست الحق بالباطل ، ومنه قيل لأصحاب المخاريق : أصحاب الشُبهْ ، لأنهم يُشبِّهون الباطل بالحق ، ثم قد يقال لكل ما خفي ودقَّ : متشابه ، وإن لم تقع على الحيرة فيه من جهة الشبه بغيره ، ألا ترى أنه قد قيل للحروف المقطعة في أوائل السور متشابهة ، وليس الشك فيها والوقوف عندها لمشاكلتها غيرها والتباسها بها .
ومثل المتشابه ــ المشكل ــ وسُمِّي المشكل بذلك : لأنه دخل في غيره فأشبهه وشاكله ، ثم قد يقال : لما غمض ، وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة مشكلا .
وجاء فى كتاب العلل ومعرفة السؤالات للإمام أحمد ، عن سعيد بن جبير ، عن بن عباس ـــ رضى الله عنهما ــ قال : جمعت المحكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بن عشر حجج قال قلت وما المحكم قال المفصل .
قال عبد الله بن أحمد قال أبى : هذا عندي حديث واهٍ ، أظنه قال: ضعيف . راجع موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في الجرح والتعديل .
وقال الفيروزابادي : وأما المتشابه فاختلف أصحابنا فيه ، فمنهم من قال : هو والمجمل واحد ومنهم من قال : المتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه ، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه .
ومن الناس من قال : المتشابه هو : القصص والأمثال ، والمحكم ، والحلال والحرام ومنهم من قال : المتشابه : الحروف المجموعة في أوائل السور ، كـ : المص (الأعراف) ، المر (الرعد) ، وغير ذلك قال أبو إسحاق : والأول أصح ، وأما ما ذكروه ، فلا يوصف بذلك .
وقال أبو بكر : محمد بن الحسن بن فورك : الصحيح عندنا أن المحكم : ما أحكم بيانه ، وبلغ به الغاية التي يفهم بها المراد من غير إشكال والتباس ، والمتشابه : هو الذي يحتمل معنيين أو معاني مختلفة ، يشبه بعضه بعضا عند السامع في أول وهلة ، حتى يميز ويتبين وينظر ويعلم الحق من الباطل فيه ، كسائر الألفاظ المحتملة ، التي يتعلق بها المخالفون للحق ، وذهبوا عن وجه الصواب فيه قلت : وحكى القاضي أبو الطيب : طاهر بن عبد الله الطبري ، أن أبا بكر محمد بن عبد الله المعروف بالصيرفي قال :
المتشابه على ضربين ، ضرب استأثر الله بعلمه ، وانفرد بمعرفة تأويله ، وضرب يعلمه العلماء ،
والدليل على الضرب الأولقوله تعالى: ** هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ** ، إلى قوله : ** وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ ** فنفى أن يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، وابتدأ بعد ذلك الكلام بقوله : ** وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ **
والدليل على الضرب الثاني : حديث النعمان بن بشير المتفق عليه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ** الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ** . فدل على أن القليل من الناس يعلم المشتبهات .
قلت : والصحيح - والله أعلم - أن المتشابه يعلمه الراسخون في العلم ، ** وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ** ، فإن الله عز وجل لم يُنزل في كتابه شيئا إلا وقد جعل للعلماء طريقا إلى معرفته .
وعند الحاكم بسند حسن من حديث عبد الله ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد و نزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زجر و أمر و حلال و حرام و محكم و متشابه و أمثال ، فأحلوا حلاله و حرموا حرامه و افعلوا ما أمرتم به و انتهوا عما نهيتم عنه و اعتبروا بأمثاله و اعملوا بمحكمه و آمنوا بمتشابهه و قولوا : ** آمنا به كل من عند ربنا ** ] .
وروى عن أيوب قوله : [ لا تلقى أحدا من أهل البدع إلا وهو يجادلك بالمتشابه من القرآن ] .
قال الشيخ عبد الرحمن اليمانى فى كتابه التنكيل ــ بتصرف ـــ :
وكلا القولين يمكن تطبيقه على السياق .
وأما القول الأول ؛ فأهل الزيغ يتبعون المنسوخ و المجمل ، فتارة يعيبون القرآن بالتناقض - زعموا - وبعدم البيان . و تارة يتشبثون بذلك لتقوية أهوائهم كما فعل النصارى ، إذ تشبثوا بما في القرآن من إطلاق الكلمة و الروح على عيسى ، و كما فعل المشركون عندما سمعوا قوله تعالى : [ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم ] و تارة يبتغون تأويله مع عدم تأهلهم لذلك و عدم رجوعهم إلى الراسخين ، كما فعل الخوارج في قوله تعالى : [ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ] و قوله : [ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان ] ، و نحو ذلك .
وأما القول الثاني : فأهل الزيغ يتبعون تلك النصوص ، تارة ابتغاء الفتنة ، بأن يعيبوا القرآن و الإسلام بزعم أنه جاء بالباطل فيزعمون أن لفظ [ بِيَدَيّ ] معناه أن لله سبحانه يدين مماثلتين ليدي الإنسان يجوز عليهما ما يجوز على يدي الإنسان ثم يقولون : و هذا باطل ، ثم يوجه كل منهم ذلك إلى هواه ، فنمهم من يستدل بذلك على أن القرآن ليس من عند الله ، و أن محمداً ليس بنبي ، ومنهم من يستدل بذلك على أن القرآن جاء بالبطل مجاراة لعقول الجمهور ، إلى غير ذلك . و تارة ابتغاء تأويله ، فمنهم من ذهب يتخرص تخرص هشام بن الحكم و أصحابه و غيرهم من المشبهة الضالة ، و منهم من يحرف تلك النصوص بحملها على معاني بعيدة ، كعقول بعضهم أن اليدين هما القدرة و الإرادة و غير ذلك .
وقوله تعالى : [ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به ] ، و ينطبق على كل من القولين ، إلا أنه القول الأول يكون قوله : [ وَالرَّاسِخُونَ ] عطفاً ، و المعنى أن الراسخين يعلمون تأويله أيضاً ، و على القول الثاني يكون قوله : [ وَالرَّاسِخُونَ ] استئنافاً ، فهم لا يعلمون تأويله ، و إنما امتازوا بأنهم لا يتبعونه اتباع الزائغين ، بل يقولون : [ آمَنَّا به ] الآية .
ويدل على تصحيح كلا القولين أن من الناس من و قف على قوله : [ إلا الله ]، ومنهم من لم يقف ، و أنه صح عن ابن عباس أنه ذكر الآية ثم قال : (( أنا ممن يعلم تأويله)) . وصح عنه أنه قرأ : (( و يقول الراسخون )) .
والتأويل على القول الأول بمعنى التفسير ، و على الثاني بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها اللفظ ، ففي قوله تعالى : [ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي ] تأويل اليدين حقيقتهما و كنههما على ماهما عليه .
ــــــــــــــــــــــــ{ العلم والفهم أصل التأويل **ــــــــــــــــــــــ
عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل لابن عباس ـــ رضى الله عنهما ـــ ، فقال : يا ابن عباس ، إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ ، فقد وقع ذلك في صدري ؟
فقال ابن عباس : ( أتكذيب ؟ )
فقال الرجل : ما هو بتكذيب ولكن اختلاف ،
قال : ( فهلم ما وقع في نفسك )
فقال الرجل : أسمع الله تعالى يقول : ** فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ** ، وقال في آية أخرى : ** وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ** ، وقال في آية أخرى : ** ولا يكتمون الله حديثا ** ، وقال في آية أخرى : ** والله ربنا ما كنا مشركين** ، فقد كتموا في هذه الآية ، وفي قوله : ** أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ** ، فذكر في هذه الآية خلق السماء قبل الأرض ، وقال في الآية الأخرى : ** أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ** ، فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء ، وقوله تعالى : ** وكان الله غفورا رحيما ** ، ** وكان الله عزيزا حكيما ** ، ** وكان الله سميعا بصيرا ** فإنه كان ثم انقضى ؟
فقال ابن عباس : ( هات ما في نفسك من هذا )
فقال السائل : إذا أنبأتني بهذا فحسبي .
قال ابن عباس : قوله تعالى : ** فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ** ، فهذا في النفخة الأولى ، ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض ، إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثم إذا كانت النفخة الأخرى ، قاموا ( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) ،
وأما قول الله تعالى : ** والله ربنا ما كنا مشركين ** وقوله : ** ولا يكتمون الله حديثا ** ، فإن الله تعالى يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم ، لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ، ولا يغفر شركا ، فلما رأى المشركون ذلك قالوا : ** إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك ** ، تعالوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ، ولم نكن مشركين ، فقال الله تعالى : أما إذ كتموا الشرك ، فاختموا على أفواههم ، فيختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون ، فعند ذلك عرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا ، فذلك قوله تعالى : ** يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا **
وأما قوله : ** أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ** ، فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم نزل إلى الأرض فدحاها ، ودحيها : أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار ، وجعل فيها السبل ، وخلق الجبال والرمال والأكوام وما فيها ، في يومين آخرين فذلك قوله تعالى : والأرض بعد ذلك دحاها ، وقوله : ** أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ** فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وجعلت السماوات في يومين
وأما قوله تعالى : ** وكان الله غفورا رحيما ** ، ** وكان الله عزيزا حكيما ** ، ** وكان الله سميعا بصيرا ** فإن الله تعالى جعل نفسه ذلك ، وسمى نفسه ذلك ، ولم ينحله أحدا غيره ، وكان الله : أي لم يزل كذلك . ثم قال ابن عباس : ( احفظ عني ما حدثتك ، واعلم أن ما اختلف عليك من القرآن أشباه ما حدثتك ، فإن الله لم ينزل شيئا إلا قد أصاب به الذي أراد ، ولكن الناس لا يعلمون ، فلا يختلفن عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله عز وجل ) .
قال حكمى فى المحكم والمتشابه
والمحكم المتضح المعنى به ... واستأثر الله بذي التشابه
أعني بذي التشابه : الحقيقي ... ليس الإضافي على التحقيق
نحو الحروف في أوائل السور ... على تلاوة لها فليقتصر
نقول آمنا به والكل ... من عند ربنا فلا نضل
مع اعتقاد إن أراد الله ... معنى به لم يدره سواه
وعد منه الافتتاح بالقسم ... كـ(الذاريات) (المرسلات) تلو (عم)
شاهده ما لصبيغ قد جرى ... مع عمر إذ عاقبه وهجرا
ولم يقع في ديننا الحنيف ... في حق ما أنيط بالتكليف
فإنه أناطه بالوسع ... كما استبان بالدليل القطعي
أما الإضافي : فعند العلما ... بالرد للمحكم عاد محكما
نحو الذي أوضحه إذ سئلا ... عنه ابن عباس فبان واجلى
كذكر خلق أرضه مقدما ... وبعده ثم استوى إلى السما
مع ذكره في آية سواها ... أن بعد رفعه السما دحاها
فما يراه الناظر اختلافا ... فليعزه لفهمه مضافا
وكل من يعتقد التناقضا ... في محكم النصين إن تعارضا
فليس تخلو هذه القضيه ... من فرط جهل أو لخبث نيه
ولا يجوز قط في القرآن ... ورود ألفاظ بلا معان
وصرف ظاهر بلا دليل ... من طرق تفضي إلى التضليل
وليس في القرآن باطن أتى ... على خلاف ظاهر قد ثبتا
فذاك قول ظاهر الإلحاد ... بكفر من قال به ينادي
قال الدكتور الزندانى فى نظرة تاريخية فى علم الأجنة :
إن تاريخ علم الأجنة يدل على أن التخلق البشري كان دائماً مثار اهتمام كبير ، وقد اقتصرت الدراسات الأولى على استخدام الوصف التخيلي نظراً لقلة الوسائل التقنية المتقدمة حينئذ ، وبعد اختراع المجهر في وقت لاحق اتسمت الدراسات بدقة أكبر وظلت تستخدم الوصف إلى جانب الأساليب التقنية التجريبية ، بيد أن كثيراً من هذه الملاحظات الوصفية كان على قدر كبير من التخيل والبعد عن الدقة ، ولم يتم التوصل إلى فهم ووصف أدق للتخلق الجنيني إلا في هذا القرن وباستخدام الأجهزة الحديثة فقط .
ويمكننا أن نستنتج من تحليل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أنها تتضمن وصفاً دقيقاً شاملاً للتخلق البشري من وقت امتزاج الأمشاج وخلال تكون الأعضاء وما بعد ذلك ، في مثل قوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ﴾[المؤمنون:12-14].
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :
(إذا مرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها وجلدها ، ولحمها ، وعظامها ..)[8].
ولم يكن هناك أي تدوين مميز شامل للتخلق البشري كالتصنيف المرحلي وعلم المصطلحات والوصف قبل القرآن الكريم. فقد سبق هذا الوصف القرآني والنبوي بقرون كثيرة في معظم الحالات إن لم يكن في كلها ، تسجيل المراحل المختلفة لتخلق الجنين البشري في المؤلفات العلمية المعروفة .
وقبل ظهور المجهر المركب لم تكن هناك أية وسيلة نعرفها لمراقبة المراحل الأولى للتخلق البشري (النطفة على سبيل المثال) .
وإن تقديم وصف علمي لمراحل التخلق البشري، يتطلب الحصول على عدد كبير من الأجنة البشرية في عمر معين ودراستها ، ويصعب تماماً حتى في يومنا هذا تجميع مثل هذه السلسلة. وقوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)﴾ [المؤمنون:17] ، يلمح إلى سبب وجود نصوص عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية تصف تفاصيل التطور الجنيني .