لمن أراد أن يتذكر..(توالد المعاصي) من كتاب الداء والدواء لابن قيم الجوزية رحمه الله
لمن أراد أن يتذكر..(توالد المعاصي) من كتاب الداء والدواء لابن قيم الجوزية رحمه الله
لمن أراد أن يتذكر
فصل
(توالد المعاصي )
ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها ، ويولد بعضها بعضا ، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها ، كما قال بعض السلف : إن من عقوبةالسيئة السيئة بعدها ، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها : اعملني أيضا ، فإذا عملها قالت الثالثة اعملني أيضا وهلم جرا ، فتضاعف الربح وتزايدت الحسنات .
وكذلك كانت السيئات أيضا ، حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة ، وصفات لازمة ، وملكات ثابتة ، فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها ، فتسكن نفسه وتر عينه .
ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه ، وضاق صدره ، وأعيت عله مذاهبه ، حتى يعاودها ، حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ، ولا داعية إليها ، إلا لما يجد من الألم بمفارقتها .
كما صرح بذلك شيخ القوم الحسن بن هانئ حيث يقول :
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها
وقال آخر :
فكانت دوائي وهي دائي بعينه كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه وتعالى برحمته عليه الملائكة تؤزه إليها أزا ، وتحرضه عليها ، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها .
ولا يزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله عليه الشياطين ، فتؤزه إليها أزا .
فالأول قوى جند الطاعة بالمدد ، فصاروا من أكبر أعوانه ، وهذا قوىجند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه .