ينظرون إلي ويتساءلون ...
والصغير قبل الكبير ...
كل من يراني يتساءل ...
ماذا تفعلين ؟!!
الكل يسألني نفس السؤال !!!
هل تستخدمين دفتر التلوين ؟!!
يتعجبون من فعلي يا ولدي ...
لا يعلمون إني أبحث عنك بين هذه الألوان ...
ولا يعلمون أني أبحث عن صورتك بين هذه الرسومات ...
وما زلت أبحث عنك ...
ولا أدري أين أنت !!!
هل ما زلت على قيد الحياة ؟
أم أنت في عداد الشهداء !!!
اتصلت مراراً وتكراراً ... لا مجيب
وعندما فرحت يوما برد أحدهم ... قال لي : اتصلي بعد قليل ...
فاتصلت يا ولدي ... ولكن
الرقم أصبح خارج الخدمة ...
فلا أدري والله هل أصبح هذا الرجل أيضا خارج الخدمة ... عفوا أقصد شهيدا ؟؟؟
فحدثتني نفسي قائلة :
هل استشهد هذا الطفل اليتيم ؟
أم إنه جريح ؟؟؟
هل تم إسعافه ؟
أم ما زال تحت الأنقاض ؟؟؟
لا أدري ... تعبت من التفكير فأشغلت نفسي بدفتر التلوين ...
فتعددت الألوان يا ولدي ...
كرهت اللون الأحمر ... لأني لا أريد أن ينزف دم هذا الطفل اليتيم ...
وكرهت الأسود .... لأنه يذكرني بالليل الذي لا تهنئ فيه بنوم ولا راحة ...
وحتى الأبيض كرهته يا ولدي ... لأني أخاف عليك من الفسفور الأبيض ...
فرميت الألوان التي أحبها أرضا من أجلك يا ولدي ...
وقلت يا نفسي هيا نامي وارتاحي من التفكير ... فوضعت نفسي على السرير ، فإذا هي وسادة ناعمة ، ومكان دافئ ...
فأبت نفسي الراحة ...
تقلبت ذات اليمين وذات الشمال ، لعل هذه النفس تهدأ قليلا وتنام ... ولكن
لا فائدة
تذكرت إنك لا تملك وسادة ناعمة ...
تذكرت إنك قد تكون في مكان بارد جدا ...
تذكرت إنك قد تكون وحيدا في ظلمة الليل ...
تخيلتك يا ولدي تبكي خوفاً وجوعاً وعطشاً ...
آآآه ... يا ولدي
لا أدري ماذا أفعل ؟؟؟
ففتحت عيني وأنا بالكاد أتنفس ... فلاح لي من بين الألوان الأخضر ...
فاستبشرت خيرا ، وقلت يا نفسي :
هو في معية الله ...
هو عند أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ...
هو سبحانه الذي يرى مكانه وحاجته ...
هو الشافي الذي يشفيه إن كان جريحا ...
هو الرزاق الذي يرزقه ويطعمه ويسقيه ...
هو الحي سبحانه ، الذي يحيي العظام وهي رميم ...
وهو سبحانه القائل في كتابه (( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ))
فقلت يا نفسي لعله شهيداً ...
فذكرت هذا الحديث : ( أرواح الشهداء في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة ، فقال : هل تشتهون شيئا ؟ قالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا ، قالوا : يا رب ! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا ، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ! فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا )
إذا كفاك يا نفسي ...
فإن كان شهيدا فهو في جنة خضراء ، فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ...
إذا نعيمها لا ينفذ ...
ولعله يشفع لي يوم القيامة فأدخلها معه ... اسأل الله تعالى ذلك
فقمت وأخذت اللون الأخضر ، وبدأت ألون فــــي دفــتــر الــتــلــويـــن .
كتبه / إسلاميه
19/1/2009م
إهداء لطفلي اليتيم / عبدا لله الخويطر ( من أرض العزة ) ... فلعله يقرأها يوما إن كان حيا ، أو يشفع لي بها إن كان شهيدا .