في جلسة محاسبة مع النفس .. تركت لها العنان .. لم ألجمها ..
ولم أسرجها كعادتي .. ربما قلت أتركها لأعرف مكنوناتها .. وخباياها ..
حدثتني عن زمن الفتن الذي نعيشه .. فتن كالجبال .. حدثتني عن طريق
ملئ بالحفر والعثرات .. حدثتني عن مسارها الذي تسلكه لتتحاشى سياط
الفتن التي تلسع عابري دروب الحياة .. حدثتني عن ثقل حملها .. عن حزنها ..
عن رغبتها في الراحة .. بعد أن أضناها الفرار وهي تحتضن كنزها .. دينها ..
كنز تخاف أن تتناثر منه بعض الجواهر .. في رحلة الفرار .. في دروب حفتها
فتن شتى .. حدثتني عن أمنية تراودها .. تطن بأذنها .. فأمست لها ضجيجا يحثها
على الاستجابة .. أمنية تريد تحقيقها .. استراحة تنطلق بها النفس في درب سهل ..
في خيمة في الصحراء .. تفترش الأرض .. وتلتحف السماء .. وغنيمات تستقي مما يجود به
ضرعها .. وأمسح على رأسها .. ويطربني ثغاؤها .. كما ورد في الحديث التالي .....
حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبالومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن )
وتحقيقا لأمنية النفس .. وإكمالا لرحلة الفرار .. قررت الاستجابة لنفسي ..
التي طالما استجابت لسياط الترويض .. ولكن لم أكن أعلم أن مكان الفرار ..
أيضا صعب .. وليس مريحا في زمننا الحالي .. زمن الابتلاءات في كل شئ ..
وتلك هي الحياة .. فذات مساء .. في خيمة في الصحراء .. جلست أرنو إلى
أرض جرداء .. تكسوها رمال صفراء .. وبقايا نباتات باهتة تئن من قسوة المناخ ..
وتشكو من شح سحاب يغزو السماء .. يأبى أن يتنازل عما يحمله من قطرات ماء ..
سحاب شارك الليل حلته السوداء يتناثر في سماء .. تبدو لي هادئة .. يتوسطها قمر
يشع بضيائه حينا ....وأحيانا يتوارى خلف سحابة ارتوت من نوره فأضاءت ..
سحابة استمدت نورها من القمر.. فأمست ساطعة تتراءى لي ما تحمله بين طياتها من لآلئ ..
من قطرات ماء .. تتوق النفس إليها .. وفي جهة أخرى من السماء.. أرى قوافل أخرى قادمة ..
قوافل من غيوم .. أراها تمخر عباب السماء ولكنها قوافل صامتة .. بلا حداء .. أصغي إليها ..
علني أسمع صوت يطربني .. صمت مطبق .. إلا من صوت عصفور.. لعله يستحث السحاب
على عزف رعودها .. ولكن لم تعد الغيوم ترسل هزيم رعودها كعادتها .. ولم أعد أرى
سنا البرق يمزق عتمة الليل رحلت القافلة .. بلا حداء .. بلا رعد .. وبلا برق ..
تحمل معها لآلئ نشتاق لعبير رائحتها عندما تحدث لحظات اللقيا مع حبيبات رمال عطشى ..
تفرقت القافلة .. رحلت .. وتركت وراءها خيبة أمل استقرت في النفس .. وسماء
ربما شاركتني الشعور .. فاكفهرت .. وأعلنت حزنها .. وثورتها .. تساندها رياح عاتية ..
هنا أبت حبيبات الرمال العطشى إلا أن تشارك السماء ثورتها .. فتمردت على
أرضها الجرداء .. وهاجرت .. لتمتطي صهوة الرياح .. وتحف السماء
بغلالة ضبابية رقيقة .. ما زلت شاخصة ببصري الى السماء .. أترقب تقلبات الأحداث ..
هنا زمجرت الرياح بشدة .. وأخذت تكيل صفعاتها .. لم تجد عيناي مفرا ..
سوى الاستسلام .. والإنزواء خلف جفن آثر السلامة .. فأطبق على ما فيه ..
تراجعت للخلف تراجعت .. لأحتمي بخيمة .. كنت قد تركتها شامخة متماسكة ..
وإذا بجلبة من خلفي .. لا أعرف صراخ أم ضحكات .. التفت سريعا .. ونظرت ..
وإذا بخيمة مرتعشة .. لا أعلم أهو حزنا على القافلة الراحلة ...
أم خوفا من زمجرة رياح ثائرة .. ارتعشت.. قفزت ..و....
أطبقت على من فيها !!!!!!!!!!!
هنا وقفت عند الآية الكريمة التالية :
( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ )
اللهم إني أسألك .. خيرا وفيرا يعم بلاد الإسلام والمسلمين في كل مكان .. اللهم إني أسألك رحمة من عندك .. فالدرب طويل .. والحمل ثقيل .. والفتن تتربص بنا .. تتحين لحظات الضعف لتنهشنا .. فاللهم رفقا بنا إنك أنت الرؤؤف الرحيم .
القصواء .. يناير / 2008 الماضي ...