الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
إن من أهم الأمور التي يسعى الشيطان جاهدا لإيقاع المعالِج بها هيَّ النظرة المادية البحتة واتخاذ الرقية الشرعية وسيلة للتجارة دون رادع أو وازع ، فتغيرت النية لدى كثير ممن سلك هذا المسلك وتبدل حالهم ، فأصبحت التجارة والربح هما الغاية ، وأصبحت ترى من يبيع الماء بمبلغ كذا ، والآخر يأخذ رسم دخول قدره كذا ، والثالث يبيع أوراقا مكتوبا عليها آيات من كتاب الله عز وجل بالمداد المباح بمبلغ كذا ، والرابع يبيع الحديد بكذا ( بيع قطع من الحديد أو الفؤوس ونحوه بمبالغ طائلة وإحماء ذلك الحديد على النار والتبخر به اعتقادا في استخدامه من أجل حل المربوط عن أهله ، وهذا اعتقاد جاهلي ليس له أصل في الشريعة وهو من قبيل عمل السحرة والمشعوذين ، وقد صدرت فتوى لهيئة كبار العلماء تؤكد هذا المفهوم ، ناهيك أن فيه أكل مال بالباطل وهو من السحت المحرم ) ، ولا ندري بعد ذلك أي طريق سيسلكون وإلى أين سيذهبون ؟! وما نراه ونسمعه اليوم بعيد كل البعد عن أهداف الرقية الشرعية ، ومعظم أولئك جاهل بالأحكام الشرعية ، لا يفرق بين الأصول والفروع 0
سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عن الحكم الشرعي في بيع الماء والزيت المقروء عليه ونحو ذلك من أمور أخرى وبأسعار قد تكون خيالية في بعض الأحيان ، فأجاب - حفظه الله - : ( الواقع أن الذين يبيعون الماء ونحوه بعدما ينفثون فيه قليلا ، أن ذلك الماء قليل الفائدة والتأثير ، حيث أن ذلك الراقي لم يقصد من قراءته في هذا الماء أو الزيت ونحوه إلا الدنيا والمصلحة الشخصية ، ولا يضره من انتفع به أو لم ينتفع به ، فننصح القارئ أن يحتسب في رقيته فيقصد منفعة إخوانه المسلمين وزوال الضرر عنهم ، ولا يأخذ منهم أجرة على الرقية إلا بقدر تكلفته كقيمة الماء الذي يقرأ عليه ونحوه ، وكذا أجرة الرقية ، عليه أن لا يطلب منهم مالا ، فإن أعطوه كثيرا رده عليهم ، وننصح المريض أن لا يذهب إلى أولئك النفعيين الذين هدفهم المال ، فإن تأثيرهم قليل والله أعلم ) ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقية ) 0
إن العلم الشرعي يورث في قلب العبد مخافة الله وتوقيره ، ورحمة المؤمنين ونصرتهم ، ومعاونتهم والأخذ بأيديهم ، لا استغلالهم وتحميلهم فوق طاقتهم ، وقد أصبح هؤلاء يتفننون بأشكال كثيرة في أكل أموال الناس بالباطل متذرعين بجواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية ، أو بتسديد نفقات عملهم هذا ، ولا شك أن هذه الوسائل واستخدامها بهذا الشكل وهذه الكيفية حرام وأكل مال بغير حق ، لا سيما أن المريض محتاج إلى النصح والإرشاد والتوجيه ، لا إلى من يخرجه خالي اليدين وبخفي حنين – كما يقولون – وعلينا أن ندرك أن من يتعامل بهذه الكيفية والمنظور مع إخوانه المسلمين لا يمكن أن يجعل الله سبحانه وتعالى على يديه شفاء ، وسيفضحه في الدنيا قبل الآخرة 0
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - : ( لكن في زماننا هذا ضعف الدين والإيمان ، وصار الناس يعتمدون على الأمور الحسية الظاهرة ، وابتلوا فيها في الواقع 0 ولكن ظهر في مقابل هؤلاء القوم أهل شعوذة ولعب بعقول الناس ومقدراتهم وأموالهم يزعمون أنهم قراء بررة ، ولكنهم أكلة مال بالباطل ، والناس بين طرفي نقيض منهم من تطرف ولم ير للقراءة أثرا إطلاقا ، ومنهم من تطرف ولعب بعقول الناس بالقراءات الكاذبة الخادعة ، ومنهم الوسط ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – ص 982 ) 0
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - في تقديمه لكتاب النذير العريان للأخ الفاضل " فتحي الجندي " وثنائه على الكتاب ومحتواه : ( فنهيب بالقراء الذين يهمهم معرفة الأحكام أن يرجعوا إليه - إلى الكتاب - فسوف يعرفون الحق وما ينبغي أن يستعمل في علاج المرضى ، سيما المصاب بالمس ، والعين ، والأعمال الشركية : من السحر ، والكهانة ، والشعوذة ، وخرافات الكذابين ، والتكسب بهذه الحرف ، وأخذ الأموال على العلاج بهذه الأعمال ، وحكم ما يفرضه هؤلاء المتكسبون بالرقى )(النذير العريان – ص 4) 0
قال الشيخ علي بن حسن عبد الحميد : ( قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - : لقد أنكر المعاصرون عقيدة مس الشيطان للإنسان مسا حقيقيا ، ودخوله في بدن الإنسان ، وصرعه إياه ، وألف بعضهم في ذلك بعض التأليفات ، مموها فيها على الناس ، وتولى كبره مضعفا الأحاديث الصحيحة في كتابه المسمى بـ ( الأسطورة ) ! ، وضعف ما جاء في ذلك من الأحاديث الصحيحة - كعادته ، وركن هو وغيره إلى تأويلات المعتزلة !!
واشتط آخرون ، فاستغلوا هذه العقيدة الصحيحة ، وألحقوا بها ما ليس منها مما غير حقيقتها ، وساعدوا بذلك المنكرين لها ! واتخذوها وسيلة لجمع الناس حولهم لاستخراج الجان من صدورهم بزعمهم ، وجعلوها مهنة لهم ، لأكل أموال الناس بالباطل ، حتى صار بعضهم من كبار الأغنياء ، والحق ضائع بين هؤلاء المبطلين وأولئك المنكرين ) ( برهان الشرع في إثبات المس الصرع – ص 166 ) 0
قال الشيخ مشهور بن حسن سلمان : ( انشرح صدري لجمع كلام شيخ الإسلام في هذا الموضـوع – يعني الجن – لكشف اللثام عن هذا الباب ، وبيان الحق فيه مدعماً بالبراهين والحجج والبيّنات ، ولا سيما أن عصرنا هذا قد شاع فيه بعض الدجالين ، وراجت بضاعتهم على ضعاف العقول والدين ) ( فتح المنان في جمع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجان – ص 22 ) 0
قال الدكتور عبد المنعم القصاص ، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية وعضو لجنة الفتاوى بالأزهر : ( وبالنسبة لموضوع العلاج بالقرآن اختلط الأمر علينا فأصبحنا لا نفرق بين الصالح والطيب والخبيث 0
فهناك من يدعي بأنه طبيب يعالج بالقرآن ويقـوم بابتزاز أموال الناس ويأتي بأعمال منافية للآداب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 0
أما الصنف الطيب من المعالِجين بالقرآن فهم أهل الصلاح والتقوى ، أهل الذكر والطاعة ، أهل القرآن الكريم ، فهؤلاء هم الذين يجوز لهم القيام بهذه المهمة الإنسانية بشرط ألا يطلبوا بذلك إلا وجه الله وأن يكونوا من المشهورين بالتقوى والصلاح ) ( العلاج بالقرآن من أمراض الجان – ص 152 ) 0
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : ( كذلك نجد بعض القراء " الراقين " يصنفون القراءة فيسمي هذه قراءة عادية بسعر كذا وقراءة أخرى بسعر أعلى وقراءة ثالثة وهكذا ، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل وهو خلاف المشروع في الرقية ، فليس هناك رقية عادية وأخرى ممتازة وليس هناك تسعير للرقية وهذا ما ينبغي الإقلاع عنه والحذر منه ) ( مجلة الدعوة - صفحة 23 - العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ ) 0
قال الشيخ علي بن حسن عبد الحميد – حفظه الله - : ( ورأوا - أيضا – تصرفات كثير من المعالِجين والراقين – وبعضهم يتخذ هذا الصنيع مهنة ، يتأكل من ورائها ! وهذا شأن فيه نظر كبير – قد خرجت عن حد الشرع ، مخالفين هدي السنة الصحيحة ، متكئين في كثير من ذلك على المجربات ، أو الأحاديث الواهيات ، فجمعوا بسبب ذلك المال ، وحازوا الشهرة ، ونالوا الصيت !!!
وهذا الصنيع من المعالِجين ، وذاك التهافت من المدعين - أو المصروعين - جعل البعض يتوقف في إثبات أصل المسألة ويتردد فيه ، و ( يتلمس ) الشبهات التي يردها بها ، غير آبه لقالات العلماء ، ولا ملتفت إلى شهاداتهم وأخبارهم ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع – ص 19 ، 20 ) 0
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( ولكن كثيرا ممن يرقون هذه الأيام توسعوا في الأمر فصاروا يطلبون المال الكثير ، وأصبح هو همهم الوحيد حتى دخلت نياتهم بعض الشوائب التي لم تجعل لهذه القراءة بركة 0
والواجب على من يرقي أن يتقي الله ربه ولا يجعل المال أكبر همه ، ولا يشترط المبالغ الطائلة وأن يراعي أحوال المحتاجين 0
وإن أكثر ما يخشى منه أن يتظاهر المشعوذون والدجالون وغيرهم بالقراءة على الناس ويخلطون الحق بالباطل ويبدأون في استنزاف أموال الناس 0
وعلى من نذر نفسه للقراءة على الناس ونفعهم أن يحتسب ذلك عند الله فإن أعطي أخذ وإن منع نفسه من أخذ شيء فهذا أسلم وأعظم أجرا وأكثر بركة ونفعا بإذن الله تعالى ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 105 ) 0
يقول صاحبا كتاب " النصح والبيان في علاج العين والسحر ومس الجان " الدكتور محمد بن عبد القادر هنادي والشيخ إسماعيل بن عبدالله إسماعيل العمري : ( ونحذر أن تتخذ الرقية الشرعية سبيلا إلى جمع المال ، وأن تكون الغاية منها حطام الدنيا ريالات معدودات ، أو دراهم فانيات ، مع العلم بأن أخذ الأجرة على الرقية الشرعيـة جائز كما جاء في صحيح مسلم – واستشهدا بحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – 0
فإذا رقيت مخلصا مبتغيا وجه الله تعالى ، عازما على نفع أخيك المسلم ، ودفع الكرب عنه ، ثم جاءك من الأجر بدون تحديد له ، أو تشوف إليه ، فاعلم بأنه رزق حلال فلا ترده – واستشهدا بحديث ابن عباس – لقد أكلت برقية حق ) ( النصح والبيان في علاج العين والسحر ومس الجان – باختصار - ص 111 – 112 ) 0
قال الأستاذ خليل بن إبراهيم أمين : ( فجواز أخذ الأجرة على الرقية واضح وبيّن ولا يحتاج لمزيد بيان ، أما وجه الإنكار فهو على الأموال المحصلة بالكيفية السابقة ، لقد توقف الصحابة – رضي الله عنهم – بعد رقية لديغ الحي ( سيد القوم ) عن التصرف في المال حينما عرض لهم فيه عارض شبهة ، فحينما أرادوا قسمة المال قال الذي رقى : ( لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا ) ، وهذا من ورعهم وشدة تحري الحلال عندهم – رضي الله عنهم – علق ابن حجر على هذا بقوله : " فيه جواز قبض الشيء الذي ظاهره الحل وترك التصرف فيه إذا عرضت فيه شبهة " ( فتح الباري – باب الرقى بفاتحة الكتاب – ص 5 ) لأنهم – رضي الله عنهم – أعلم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدنيا وفتنتها ومآلها :
كأنك قد رحلت عن المباني0000000000000000000ووارتك الجنـادل والصعيد
وناداك الحبيـب فلم تجبـه00000000000000000000وقربك منـه في الدنيا بعيد
وأصبح مالك المجموع نهبـاً00000000000000000000وعطل بعدك القصر المشيد
وصار بنوك أيتاماً صغـاراً00000000000000000000عانق عرسك البعل الجديد
وأكبر منه أنك لست تدري00000000000000000000شقي أنت ويحك أم سعيد
( الرقية والرقاة – ص 34 ، 35 ) 0
قال الأستاذ حمدي الدمرداش : ( وفي هذا الزمن قد تستدعي الحالة المرضية للمريض أن يذهب إليه الراقي أكثر من مرة ومرات حتى يمن الله عليه بالشفاء ، فلو لم يجد ما يشجعه على الذهاب وترك أعماله الخاصة وترك أهله ما ذهب إلى المريض لرقيته ولما انتفع بالعلاج الرباني أحد
وعليه فيجوز أخذ الأجر على الرقية ولكن بدون مغالاة ولا فصال حتى لا تذهب مثل هذه العملية المباركة مذهب التجارة ) ( معجزات القرآن في علاج مس الجان – ص 61 ) 0
قال الدكتور عبدالله بن سلطان السبيعي أستاذ الطب النفسي وطب الأعصاب : ( من القراء من يتخذ ذلك مكسباً أو وسيلة للرزق ولا يخلص في القراءة كما ينبغي فهو مجرد متجر وباحث عن مال فقط ) ( مجلة الدعوة – صفحة 15 – العدد ( 1479 ) الخميس الموافق 10 رمضان 1415 هـ ) 0
وقال ايضا : ( إن القضية أصبحت تجارية بحتة لها ممارسات غريبة 0 فالماء يشرب ثلاث مرات يوميا ولمدة 21 يوماً مثلاً ] وفي مكان معين وفي وضع معين 000 [ يشتري كرتونة الماء بأربعة عشر ريالا وتباع القارورة الواحدة بخمسة وعشرين ريال أي ضعف قيمتها 12 مرة وقس على ذلك الزيت وخلافه ما يكفي لمدة شهر مثلا – شربا واغتسالا ) ( مجلة الدعوة – صفحة 15 – العدد ( 1479 ) الخميس الموافق 10 رمضان 1415 هـ ) 0
قال الدكتور سعد بن سعيد الزهراني : ( إن الغالبية منهم الآن يقبضون مبالغ تفوق ما يحصل عليه الأطباء في بعض المستشفيات ، فالمسألة لم تعد كما كانت في السابق تقتصر على طالب علم يبحث عن الأجر ويقوم بالرقية دون مقابل ، بل أصبحت تجارة في كثير من المدن يقوم بها أفراد بشكل يومي ولهم معاونون يجمعون المال مباشرة أو من خلال التحايل ببيع بعض الزيوت والأعشاب إلى من يذهبون إلى المعالج ) ( الرقية والرقاة – ص 27 – نقلا عن سلسلة تحقيقات أجرتها جريدة المسلمون ) 0
قال الأخ عادل محيي الدين نصار : ( ولكن بعض المتأخرين ممن يرقون توسعوا في هذا الأمر ، فصار طلب المال والسعي إليه هو أكبر همهم ، ومبلغ سعيهم ، ولذلك لم يعد لقراءتهم أي فائدة أو تأثير 0
أما إذا جاءهم المال عرضاً من غير سؤال ولا اشتراط فلا بأس كما أفاده حديث أبي سعيد الخدري ، وغيره كثير في هذا الشأن 0 والله أعلم ) ( الرقية من الجان ومن عين الإنسان – ص 37 ) 0
قلت : واتخاذ هذا الأسلوب المادي مطية في الرقية الشرعية أدى إلى أن ينعق الناعقون ويتكلم المتكلمون ويتبجح العقلانيون على صفحات الجرائد والمجلات ، ويقللون من شأن الرقية الشرعية وأهلها ، بل قد وصل الأمر إلى حد استهزاء البعض بالرقية وأصحابها وبتلك الأماكن التي من المفترض أن تكون منبرا للدعوة إلى الله ، لا أن تكون طريقا للتجارة والمزايدة ، وتلك الفئة ممن أكنت العداء والبغض في سريرتها وعلانيتها للدين وأهله أصبحت تقدر الدخل الشهري بل السنوي لمدعي الرقية والعلاج ، فخلطوا بين الرقية الشرعية المباحة والسحر والكهانة والدجل ، كل ذلك نتيجة لسوء التصرف والانقياد للشهوة والهوى لدى بعض المعالِجين وللأسف أصبح هذا الصنف كثيرا على الساحة اليوم 0
جاء في تقرير لمجلة الأسرة تحت عنوان " قرّاء أم مشعوذون – قوارير الماء تلمع ذهباً " ما نصه : ( لقد صارت حرفة القراءة على المرضى من الوظائف التي يسعى إليها كثير من الناس طمعاً في الغنى السريع ، والربح الوافر ، حتى وصل دخل بعض هؤلاء القراء إلى عشرات الألوف من الريالات في الشهر الواحد ، بل وعرف عن بعضهم أنه يملك جملة من العقارات والأراضي والسيارات غالية الثمن ، كل ذلك بعد أن امتهن حرفة " الراقي " 0 وما أيسرها من مهنة : فمنهم من أوقف " وايت " ماء صغيراً أمام منزله أو مقرأته فإذا اجتمع الناس لديه ، عدد من الزبائن صعد على سطح " الوايت " ونفث فيه مدة من الزمن ثم طلب من المراجعين والمرافقين والمرضى أن يملأ كل منهم إناءه وكلما كبر الإناء ، زادت التكلفة وارتفع السعر ) ( مجلة الأسرة - ص 9 - العدد 75 جمادى الآخرة 1420 هـ ) 0
وقد أثلج صدورنا جميعا ما علمناه من ضوابط خاصة للرقية الشرعية وتقنينها في المملكة العربية السعودية من قبل ولاة الأمر والعلماء - حفظهم الله - ولن يتصدر بعد اليوم جاهل أو متسول قضايا الرقية ، وسيكون هناك تنظيم وترتيب لذلك ، ومن أراد أن يقدم للدعوة وللدين فنعما هو ، ومن أراد الإساءة فليس الدين مكانا للمزايدة وسوء التصرف ، ونعتقد جازمين أنه لا يوجد أحد من علماء الأمة يجيز أخذ أموال الناس بتلك الطريقة وبهذه الكيفية ، خاصة أن العلماء في المملكة العربية السعودية قد أفتوا بعدم جواز بيع الأشياء المقروء عليها سواء كانت ماء أو زيت ونحوه بأسعار خيالية كما يحصل اليوم ، وقد مر معنا ذلك آنفا في هذا الفصل وبداية هذا المبحث ، فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا به 0
قال محمد بن مفلح - رحمه الله - : ( قال وهب بن منبه : لما ضربت الدراهم والدنانير حملها إبليس فقبلها ، وقال سلاحي وقرة عيني وقرة قلبي بكما أغوي وبكما أطغى ، بكما أكفر بني آدم ، بكما يستوجب ابن آدم حبي 0 قال وهب بن منبه : فالويل ثم الويل لمن آثرهما على طاعة الله ) ( مصائب الإنسان – ص 155 ) 0
قال الشبلي : ( قال مالك بن دينار : حب الدنيا رأس الخطيئة ، والنساء حبالة الشيطان ) ( أحكام الجان – الباب الحادي والتسعون – في بيان ما يستعين به الشيطان من فتنة ابن آدم – ص 219 )
وليحذر المعالجين من هذه الفتنة العظيمة ، والآفة الخطيرة التي استطاع الشيطان بمكره وخبثه من استدراج الكثيرين منهم وإيقاعهم بحبائله ودسائسه الماكرة ، ويغنينا في سياق هذا الموضوع أن نذكر بقصة ذكرها ابن الجوزي – رحمه الله – في كتابه القيم " تلبيس إبليس " يقول فيها :
( قال القرشي : وسمعت سعيد بن سليمان يحدث عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال : كانت شجرة تعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال : لأقطعن هذه الشجرة ، فجاء ليقطعها غضباً لله – فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال : ما تريد ؟ قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله 0 قال : إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال : لأقطعنها 0 فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك 0 قال : فمن أين لي ذلك ؟ قال : أنا لك ، فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً ، فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته وقال : ما تريد ؟ قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى ، قال : كذبت مالك إلى ذلك سبيل ، فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد يقتله ، قال : أتدري من أنا ! أنا الشيطان ، جئت أول مرة غضباً لله ، فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين فتركتها ، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك ) ( تلبيس إبليس – ص 44 ) 0
وهذا الكلام لا يعني مطلقا عدم جواز أخذ الأجرة على الرقية ، وشاهد ما أقول قصة لديغ القوم ، وكما بين النووي - رحمه الله - تعقيبا على شرح الحديث بقوله : ( وهذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة وأنها حلال لا كراهة فيها وكذا الأجرة على تعليم القرآن 0 وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد واسحاق وأبي ثور وآخرين ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 356 ) 0
هذا وقد تم بحث هذه المسألة مفصلة في كتابي ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ) المبحث الخامس ( كيفية الرقية ) تحت عنوان ( حكم أخذ الأجرة على الرقية ) 0
وبنظرة متفحصة في أوضاع الرقية والرقاة يتضح جلياً أن المصلحة الشرعية تقتضي الاستعفاف وترك أخذ المال حسبة لله سبحانه وتعالى وابتغاء الأجر والثواب منه وحده ، وإن كان بعض المعالجين ممن قتر عليه رزقه ، فلا يجعل طريق الرقية سبيلا للوصول إلى ما في أيدي الناس من أموال ، وليعلم أن العيون تتابعه ، والألسن تراشقه ، فلا يجعل لأحد كائن من كان الرقية وأهلها في موضع ونظرة ازدراء خاصة من قبل أولئك الحاقدين الحاسدين المتربصين بالدين وأهله ، ناهيك عن العوام ممن سوف يضعون تساؤلات وتساؤلات عن الحال والمآل الذي وصل إليه كثير من المعالجين اليوم 0
فعلاج مثل هذا التقتير في موارد الرزق يكون بالبحث عن عمل شريف يستغنى به عن دخول معترك الشبه والقيل والقال ، وإن دعي لرقية أخ مسلم فلا يستشرف للمال ولا يطلبه ولا يكون هو همه الأول والأخير ، فمن يستغن يغنه الله ، ومن يستعفف يعفه الله ، فإن عرض مال من غير طلب أو تلميح أو استشراف فيكتفى بما يسد الحاجة بالمعروف مع أن الأولى ترك ذلك لما تقتضيه المصلحة الشرعية 0
سائلاً المولى عز وجل أن يوفق المعالجين بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يجعلهم في عون إخوانهم المسلمين ، ولا حرمهم الأجر والثواب 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0