موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر الفقه الإسلامي

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 02-06-2025, 11:54 AM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي شرح متن الورقات صالح آل الشيخ الشريط الثاني.

شرح متن الورقات صالح آل الشيخ
(1) انتهى الشريط الثاني.
(9/45)
والأمر: استدعاء الفعل بالقول, ممن هو دونه, على سبيل الوجوب.
وصيغته:افعل.وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه, إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب, أو الإباحة,ولا تقتضي التكرار على الصحيح,إلا ما دل الدليل على قصد التكرار,ولا تقتضي الفور .
والأمر بإيجاد الفعل أمر به, وبما لا يتم الفعل إلا به, كالأمر بالصلاة؛ فإنه أمر بالطهارة المؤدية إليها, وإذا فعل يخرج المأمور عن العهدة.
(تنبيه):
من يدخل في الأمر والنهي ومن لا يدخل: يد خل في خطاب الله تعالى: المؤمنون. وأما الساهي والصبي والمجنون فهم غير داخلين في الخطاب.
والكفار مخاطبون بفروع الشريعة, وبما لا تصح إلا به, وهو الإسلام؛ لقوله تعالى: ?سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ?[المدثر:42-43].
والأمر بالشيء نهي عن ضده, والنهي عن الشيء أمر بضده.
الحمد لله، قال هنا (والأمر: استدعاء الفعل بالقول, ممن هو دونه, على سبيل الوجوب.)
الأمر في اللغة تارة يُراد به الطلب على وجه مخصوص، وتارة يراد بالأمر الفعل، كما قال تعالى ?أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ?[هود:73] يعني من فعل الله جل وعلا، ?إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا?[الأحزاب:36] يعني شيئا، ونحو ذلك، سيأتي الأمر ويراد به الفعل في بعض النصوص.
أما في الاصطلاح فهنا عرفه صاحب الورقات بقوله (الأمر: استدعاء الفعل بالقول, ممن هو دونه, على سبيل الوجوب.)، (استدعاء الفعل) الاستدعاء يعني الدعوة إلى الفعل، فإذن الأمر دعوة إلى الفعل؛ إلى فعل المأمور به، (بالقول) فإذا كان الأمر بإشارة أو بكتابة أو نحو ذلك لم يَصِرْ أمرا عندهم، وهذا فيه نظر؛ لأنّ الكتابة إذا كانت من الشارع أو النهي إذا كان من الشارع فإنه بمنزلة القول، أو الإشارة إذا كانت ظاهرة الدلالة فإنها مثل القول، وذلك لأنّ الجميع يشترك في أنّ الفعل مدعو إلى الإتيان به، النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الأمصار، كتب إلى قيصر وإلى هرقل، وكتب إلى عدد من ملوك الأبقاع يدعوهم إلى الإسلام ويأمرهم بالإسلام لله جل وعلا، وهذا أمر منه بالكتابة.
فإذن الصحيح أن نقول أنّ هذا القيد وهو قوله (بالقول) أنه ليس بدقيق، ليس بصحيح؛ لأن الكتابة أو الإشارة من الشارع أنها تدل على الأمر إذا كانت يُستدعى بها الفعل.
(9/46)
فإذن (استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه) هو هنا نَظَرَ إلى جهة الآمر، وإلى جهة المأمور، فيكون الآمر أعلى من المأمور؛ الآمر أعلى من المأمور قدْرا، فإن كان الآمر مساويا للمأمور سمي ذلك التماسا، وإن كان الآمر أدنى من المأمور منزلة سمي ذاك سؤالا وطلبا ودعاء؛ كما نخاطب الله جل وعلا نقول: اللهم اغفر لي. اغفر لي، أمر، ولأنه منا نحن البشر الفقراء الضعاف المساكين إلى العظيم الأعلى صار سؤالا، وإذا سألت صديقك وإذا استدعيته إلى الفعل بالأمر، فإنّ هذا ليس ممن هو دونك إنما هو من مساوٍ لك فيسمى التماسا، فإذن الأمر عندهم لا يدخل فيه الالتماس، ولا يدخل فيه الدعاء، إنما الأمر استدعاء الفعل من قائله أو من الكاتب أو من المشير ممن هو دونه قدْرا من سيده لعبده، رجل لزوجته، مسؤول عمل لمن يعمل عنده، مستأجر للأجير، وحاكم لرعيته، ونحو ذلك، هذا كلها أمر لأنه ممن هو دونه.
قال (على سبيل الوجوب)، وقوله هنا (على سبيل الوجوب) يعني أنْ يكون الأمر واجبا، وهذا فيه نظر؛ لأنّ المؤلف كأنه يرى بذلك أن النّدب -كما سيأتي- لا يكون مأمورا به في ظاهر الأمر، والأَوْلى أنْ نقول في تعريف الأمر: أنّ الأمر استدعاء الفعل ممن هو دونه على وجه الاستعلاء. واضح؟ استدعاء الفعل ممن هو دونه على وجه الاستعلاء، ما معناها؟ يعني أن يكون الآمر في أمره مؤكِّدا جازما، وبعض علماء الأصول يقولون على وجه العلو، وهذا ليس بصحيح؛ لأنّ العلو صفة الآمر، والاستعلاء صفة للأمر في نفسه، فيكون على وجه الاستعلاء؛ يعني الأمر فيه جزم، أو فيه شدة، وفيه غلظة، ونحو ذلك، حتى يخرج منها الالتماس والسؤال وإلى آخره.
إذن تحصَّل لنا أنّ تعريف الأمر يصلح أنْ نقول: إنَّ الأمر هو استدعاء الفعل ممن هو دونه، على وجه الاستعلاء، لا على وجه العلو، وعلى سبيل الوجوب ليست بصحيحة؛ لأن المندوب مأمور به لكن بأمر ليس بجازم.
قال (وصيغته: افعل) صيغة الأمر (افعل)، (وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه) يعني على الوجوب، أولا هو حدّد صيغة بـ(افعل) وهذا تقرير وتمثيل، وإلا فإنّ صيغ الأمر كثيرة فمنها: افعل، اذهب، اقرأ، اكتب، أقم الصلاة، آتي الزكاة، تصدق، اعتق رقبة، ونحو ذلك، هذه صيغة (افعل).
(9/47)
أيضا قد يكون من صيغ الأمر صيغة (لتفعل) كما قال جل وعلا ?ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ? اللام لام الأمر، ? وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ? لام الأمر، ? وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ?[الحج:29] لام الأمر؛ يعني فلتفعل، هذه اللام لام الأمر، لام بعدها الفعل المجزوم بها، هذا يكون من صيغ الأمر.
أيضا من الصيغ الإتيان باسم الفعل الذي يدل على الأمر كـ(عليك) مثلا، قال جل وعلا ? عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ? (عَلَيْكُمْ) هذه من صيغ الأمر.
كذلك من صيغ الأمر المصدر النائب عن فعله، كقوله تعالى ?فَضَرْبَ الرِّقَابِ?[محمد:4]، (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) هذا مصدر لكنه نائب عن فعله الذي هو اضربوا، (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) يعني فاضربوا الرقاب، لكن التعبير بالمصدر، وترك التعبير بالفعل له أغراض معلومة في علم المعاني.
أيضا من الصيغ –الصيغ كثيرة، لكنها مهمة بَعِدّ بعضها لا بأس-، من الصيغ الخبر الذي يتضمن الأمر، كقوله تعالى ?وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ?[البقرة:228] (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ) هذا ليس بصيغة أمر، خبر (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ). إلى غير ذلك من الصيغ.
قال( وهي) يعني الصيغة على صيغة افعل عنده، وعندنا على أي من هذه الصيغ التي ذكرتُ (وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه) على الوجوب، يعني أنّ الأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب، وجوب أي شيء؟ وجوب الامتثال يعني أنّ الامتثال واجب، من لم يمتثل كان متوعدا على عدم الامتثال بالعقوبة، (وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه)، (عند الإطلاق) ما ذا يريد بالإطلاق هنا، الإطلاق من الصفة، الإطلاق من التكرار، الإطلاق من الشرط، الإطلاق من قيد يفيد الندب، أو قيد يفيد الإباحة، إلى آخره. قال(والتجرد عن القرينة) هذا احتراز؛ لأنه قد يتصل بالأمر قرينة تنقله من كونه أمر للوجوب، يُحمل على الوجوب إلى أمر لاستحباب أو أمر للإباحة، فقد يكون الأمر للإباحة، وله مواضع، مما قاله أهل العلم أنّ الأمر يكون للإباحة ليس للوجوب ولا للندب، في مواضع:
(9/48)
منها أن يكون الأمر بعد نهيه، إذا أتى الأمر بعد نهي عند جمهور العلماء دل على الإباحة، كما قال جل وعلا ? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ?[المائدة:95] فنهى عن قتل الصيد والمرء مُحْرِم، وقال جل وعلا ?وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا?[المائدة:2] فأمر بالاصطياد، قال أهل العلم أمر بالاصطياد بعد النهي عنه، فيفيد عند جمهورهم أنّ الأمر للإباحة؛ لأنه أتى بعد النهي، وعند المحققين أنّ الأمر بعد النهي يُرجع المأمور به إلى ما كان عليه قبل النهي، مثاله أيضا قوله تعالى ?فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ?[الجمعة:10] (انتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) هل هو للوجوب؟ (ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) هل هو للوجوب؟ قالوا هذا للإباحة على قول الجمهور، أو على قول المحققين أنّه لرد الأمر لأصله، ومعلوم أنّ أصل الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله بالبيع ونحوه أنه مباح.
أيضا من المواضع –يعني البحث هذا بحث الأمر طويل جدا؛ لكن نذكر أهم ما فيه – من المواضع التي فيها الأمر يكون بالقرينة دال على الإباحة، أن يكون الأمر أن يكون أتى بعد سؤال تعليم؛ إذا أتى بعد سؤال للتعليم، يعني سؤال للاستفهام لطلب العلم، فيكون الأمر بعده للإباحة عند الكثيرين من العلماء.
ومن المواضع التي يكون فيها الأمر للإباحة، أنْ يكون بعد –ذكرنا أن يكون بعد سؤال نهي، أن يكون بعد سؤال تعليم- نسيت الثالث هناك ثلاثة أحوال، نسيتها الآن.
قال (والتجرد عن القرينة ) القرينة هذه قد تكون متصلة وقد تكون منفصلة:
( متصلة بالكلام مثل ?وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا?[المائدة:2] القرينة أنه كان منهيا عنه ثم أُمر به، الاتصال بالكلام «كنتم نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» هذه قرينة متصلة.
( أو قرينة منفصلة يعني هذه في آية وتلك في آية أخرى، هذا الأمر في حديث الذي يفيد الوجوب والقرينة التي تصرفه عن الوجوب في حديث آخر.
القرينة إما أن تكون متصلة وهذه في الغالب تنقله إلى الإباحة، وقد تكون منفصلة هذه تكون للاستحباب.
(9/49)
إذن فالأمر قد يكون للوجوب وهو الأصل، وقد يكون الأمر للاستحباب لقرينة دلت على ذلك، مثاله قوله تعالى ?فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا?[النور:33] (فَكَاتِبُوهُمْ) للاستحباب، وكذلك قوله جل وعلا ?وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?[الحج:77] هذا أمر بفعل الخير، فدلت القرينة المنفصلة أنّ من الخير ما هو مستحب ليس بواجب، فيكون (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) هذا للوجوب فيما يجب فيه والاستحباب فيما يستحب من أنواع الخير.
هذه القرائن التي تنقل الأمر من الوجوب إلى الاستحباب كثيرة، وأهل العلم لا يُفَصِّلون الكلام عليها في كتب الأصول، وإنما يقولون: إنّ من القرائن أنْ يفعل النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الذي نهى عنه، أو أن يترك الشيء الذي أمر به، فإذا ترك الشيء الذي أمر به، فيكون تركه قرينة دلت على أنّ الأمر للاستحباب، أو يكون فعل ما نهى عنه، فيكون فعله لما نهى عنه يدل على أن نهيه للكراهة وليس للتحريم.
أيضا قالوا: من القرائن أنْ يكون الخبر في صفة في المعاملات المالية؛ يعني هي نوع المعاملة، ليس في أركانها ولا شروطها، إنما هو في صفتها، فيكون الأمر إذا كان في صفة معاملة؛ مثل الإشهاد في البيع فإن هذا دلّ على الاستحباب، كذلك قالوا إذا كان الأمر في أنواع الآداب؛ مثل آداب الأكل، آداب الشرب، آداب التخلي، ونحو ذلك، فإنَّه لو أُمر به قرينة كونه من الآداب تصرفه عن الوجوب للاستحباب، وذكروا قرائن كثيرة.
ومجموع ذلك يتلخص في أنّ القرينة هي ما أفاد كون الشارع لم يُرِد بالأمر وجوب الامتثال لم يرد بالأمر الأمر الجازم، فإذا لم يُرِد بالأمر الأمر الجازم فإنه يكون الأمر ليس للوجوب إنما للاستحباب.
قال هنا (وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه) أي على الوجوب (إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة) ذكرت لك القرائن التي تفيد الإباحة، والقرائن التي تفيد الندب؛ يعني بعض هذه وبعض تلك.
(9/50)
قال (ولا تقتضي التكرار) لا تقتضي صيغة (افعل) ونحوها من الصيغ التي تدل على الأمر، (لا تقتضي التكرار على الصحيح) وهذا كما قال (على الصحيح) ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنّ الله جل وعلا حين قال ? وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ?[التوبة:103] امتثال هذا الأمر بفعله مرة لا يقتضي تكرار الفعل؛ يعني بمجرده، كما قال في أوله عند الإطلاق، لا تقتضي التكرار، صيغة افعل وما شابهها من الصيغ عند الإطلاق؛ يعني بدون ضميمة أراد التكرار كل يوم وليلة بقوله كل ساعة بقوله كل سنة ونحو ذلك، فإنّ هذا يفيد بمجرده عدم التكرار، يفيد أن الواجب مرة لا غير، وهذا هو الصحيح؛ لأن العلماء أجمعوا على أنّ الرجل لو قال لامرأته طلقي نفسك، هذا أمر؛ طلقي نفسك، فطلقت نفسها مرة، وزادت ثانية وثالثة ورابعة وخامسة، أنّ الواقع منها واحدة؛ لأنّ الأمر لا يفيد التكرار، طلقي نفسك؛ يعني مرة واحدة، فالأمر لا يفيد التكرار، وكذلك في قوله تعالى ? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا?[الأحزاب:56] والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يفيد أنّ الواجب الامتثال بها مرة، الامتثال بها يكون بفعلها؛ بقولها مرة واحدة، اللهم صلي على محمد وإذا أُريد التّكرار كان ثَم قرينة تفيد التكرار، مثل قوله عليه السلام «خمس صلوات في اليوم والليلة»، فبيّن أنّ قوله جل وعلا ? وَأَقِمْ الصَّلَاةَ?(1) أنّ هذه صلاة مكررة مرة واحدة، وإنما في أوقاتها المخصوصة، مثل قول القائل تصدق بدرهم، لو قلتُ لأحد منكم تصدق بريال كان مُنْتَزِلا إذا تصدق مرة واحدة، لكن لو جعلت معها قرينة تفيد التكرار كقول تصدق كل ساعة بريال، صار الامتثال لا يكون إلا بالتكرار.
إذن فالتكرار لا يفيده الأمر، وإنما الأمر يفيد التكرار بضميمة قرينة تدل على التكرار، ولهذا قال بعد ذلك (إلا ما دل الدليل على قصد التكرار) وهذا هو الصحيح، إذا دلّ الدليل على قصد التكرار وجب التكرار.
قال أيضا (ولا تقتضي الفور) نقف هنا؛ لأنّ هذه فيها خلاف ونُرْجِئه إلى غد إن شاء الله تعالى، صلى الله وسلم على نبينا محمد. نعم
__________
(1) هود:114، طه:14، العنكبوت:45.
(9/51)
الحمد لله، مع الأصول، قال الجويني أثناء كلامه على الأمر (ولا تقتضي الفور) يريد لا تقتضي صيغة (افعل) الفور، قال بعض الشرّاح يعني ولا التراخي، كأنه يقول إنّ قول الجويني (ولا تقتضي الفور) يعني ولا التراخي، يعني بمجرد صيغة (افعل) لا يستفاد منها الفورية ولا التراخي، لكن هذا عندي فيه نظر؛ لأنّ الجويني من الشافعية، والشافعية يرون أن الأمر للتراخي، وذلك أنّ العلماء اختلفوا من الأئمة وأتباعهم والفقهاء والأصوليين في هل يقتضي الأمر الفور أم لا؟
فذهب الإمام أحمد وأصحابه والمالكية وبعض الشافعية وبعض الحنفية إلى أنّ الأمر يقتضي الفور.
وذهب الشافعية والحنفية إلى أن الأمر يقتضي التراخي؛ ما يقتضي الفورية.
ومعنى ذلك، معنى أنّ الأمر يقتضي الفورية؛ يعني أنّ المأمور يجب عليه أن ينفذ ما أمر به فورا، ليس له أن يؤجل، إذا قال قائل لمن أمر يا فلان اذهب فآتي بالكتاب، فهذا الأمر يعني اذهب فورا، فإذا أجَّلَ ذلك ساعة كان غير ممتثل للأمر، وهذا هو الذي يُفهم من اللغة، وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن، أنّ الأمر يفيد الفورية؛ لأنه لو كان يفيد التراخي كان فيه نوع تخيير له أن ينفذه الآن أو متى شاء، ومعلوم أنّ الأمر إذا كان مفيدا للوجوب فإنه للجزم، والجزم لا يناسب التراخي، لهذا قال العلماء لو قال السيد لعبده أُجلب لي ماء فلم يمتثل فورا عُدّ عاصيا، عدّ مخالفا.
طائفة من العلماء يرون أن الأمر للتراخي؛ يعني للمأمور أنْ يُؤخر الامتثال عن وقت الخطاب، وهذا الخلاف له ثمرات فقهية مهمة، فمثلا الله جل وعلا أمر بإيتاء الزكاة فقال ?وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ?(1) متى تجب الزكاة؟ إذا تمت الشروط وجبت، وأخرج مال الزكاة، قال هذه ألف ريال مثلا هذه زكاة، يجب أن يؤتي الزكاة؛ يعني أن يخرجها ويعطيها من يستحقها على القول بأنّ الأمر بالفور، فورا ليس له أن يؤخر، وعلى القول بأنه للتراخي، تقول لو أخر أسبوع شهر فإنه لا حرج عليه، كذلك قال جل وعلا ?وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا?[آل عمران:97] فأمر بالحج وأمر بالعمرة أيضا في قوله ?وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ?[البقرة:196] فهل لهذا المخاطب بهذا الأمر أن يؤخر الامتثال؟
__________
(1) البقرة: 43، 83، 110، النساء:77، النور:56، المزمل:20.
(9/52)
(من قال أنّ الأمر للفور يقول بأنه إذا كان مستطيعا السبيل إلى الحج أو إلى العمرة فلم يحج أو لم يعتمر فإنه يعد بذلك عاصيا.
(ومن قال أنّ الأمر للتراخي قال له أن يؤخر ذلك سنة سنتين ثلاث، له أنْ يؤخر ذلك.
أيضا من الفروق؛ لو نذر ناذر بنذر وأراد الوفاء به، الوفاء بالنذر واجب، أليس كذلك؟ مأمور به، «من نذر أنْ يطيع الله فليطعه» هذا واجب، فهل القول بالفورية؟ وهو الصحيح، فإنه يجب أنْ يوفي بهذا النذر فورا؛ يعني فور تمكنه من الوفاء به، وعلى القول بالتراخي يقال يبقى في ذمته.
كذلك أنواع الكفارات؛ واحد عليه كفارة يمين، حلف يمينا فحنث فيها، يجب عليه أن يطعم عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله أو أن يكسوهم أو أن يعتق رقبة، الذين يقولون على الفور يجب حينما حنث فإنه يتوجه إليه الخطاب، فيجب فورا عليه أن يخرج. وعلى القول بالتراخي يبقى في ذمته، مثل جنس أنواع الكفارات له أن يؤديها متى ما أراد.
إذا قلنا أنّ الصحيح أن الأمر يقتضي الفورية إلا إذا دلّ الدليل على التراخي، مثل الأوقات التي وُقتت بها الصلاة قال جل وعلا ?وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ?(1)، هذا أمر حينما يصل وقت الصلاة يتوجه على العبد أن يصلي، فإن أخّر عن أول الوقت، فهل يُعَدُّ غيرَ ممتثل؟ الجواب هو ممتثل إذا أدى الصلاة في وقتها، لما؟ لأن الشارع حينما خاطبه بالصلاة لم يجعل وقت المخاطبة بها أولا، جعل كل هذا الوقت وقت خطاب، فهو إذا توجه في وقت الصلاة إلى أوله كان مخاطبا بالصلاة في أوله، إذا توجه إلى الصلاة في آخره كان مخاطبا بها في آخره، أو نقول هو يخاطب بالصلاة بأنْ يصلي في أول الوقت، وله أنْ يؤخره إلى أن يتضايق وقت الصلاة؛ يعني إلى أنْ يبقى من الوقت ما يمكِّنه من أداء وقت الصلاة بعينها.
__________
(1) البقرة:43، 83، 110، النساء:77، يونس:87، النور:56، الروم:31، المزمل:20.
(9/53)
ثم قال (والأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به) والأمر هنا يشمل الواجب والمستحب، (الأمر بإيجاد الفعل أمر به) بذلك الفعل، وأيضا أمر بوسائل الفعل، وهذه هي التي يسميها العلماء: ”ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب“. وهكذا، قال (والأمر بإيجاد الفعل أمر به) يعني بذلك الفعل (وبما لا يتم الفعل إلا به)، قال جل وعلا ?وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ?[البقرة:43]، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأداء الصلاة في المساجد مع الجماعة، فالواجب إقامة الصلاة مع الجماعة في المساجد، المشي إلى المسجد؛ الانتقال من البيت إلى المسجد، ما حكمه؟ لا يمكن أن يمتثل إقامة الصلاة في المساجد إلا بالانتقال، فهذا الانتقال واجب، قد يقول قائل: إذا قلت إنه واجب، هو سينتقل فما فائدة كونه واجبا؟ نقول هذا من رحمة الله؛ لأنّ الماشي يؤجر أجْرَ ممتثل لواجب؛ لأنّ الأمر بشيء أمر به، وبما لا يتم إلا به، فهو حين ينتقل من بيته إلى المسجد، لأداء الصلاة؛ لأنّ الصلاة مع الجماعة واجبة، ويعلم أنّ إتيانه بهذا لابد منه؛ لأنّ الصلاة لا يمكن أن يفعلها في الجماعة إلا به، فيؤجر على من شاء أجره على الواجبات، ظاهر؟ نقول الأمر بالصلاة مثلا أمر بها وبما لا تتم إلا به مثل الطهارة استقبال القبلة ونحو ذلك.
إذن هذه القاعدة أو هذا الحكم الأصولي يُعبَّر عنه في مواضع أخر؛ يعني في كتب أخر بأنّ ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهنا ينبغي أنْ يتنبه إلى أنّ ما لا يتم الواجب إلا به على قسمين: بعضه مقدور للعبد، وبعضه غير مقدور للعبد. فالذي يوصف بالوجوب يوصف بأنه مأمور به ما هو داخل في مقدور العبد، رجل مريض لا يستطيع أن يصلي قائما، والله جل وعلا أمر بإقامة الصلاة، قال ?وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ?[البقرة:232] الصلاة لا يمكن أن تكون عن قيام إلا بأن يقوم، إذا كان القيام في مقدوره فإن القيام واجب، إذا لم يكن في مقدوره لم يصبح مما لا يتم الواجب إلا به؛ لأن ما لم يتم الواجب إلا به يُقيَّد بما كان داخلا تحت مقدور العبد؛ يعني بما يستطيعه العبد، لهذا قال عليه الصلاة والسلام في الصلاة لعِمران«صَلّ قَائِماً, فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً, فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» إلى آخره، وهذا ظاهر فيما أحسب.
(9/54)
كذلك المستحبات وسيلة المستحب وسيلة السنة سنة، الأمر إذا كان يفيد الاستحباب فوسائله؛ ما لا يتم إلا به فهو مستحب، صلاة التراويح إقامتها مع الجماعة في المساجد مستحب؛ سنة. الطريق الانتقال المشي، أو الانتقال بسيارة، جنس الانتقال من البيت إلى المسجد، هذا واجب أو مستحب؟ مستحب فيؤجر عليه أجر المسنونات والمستحبات، ولهذا بعض العلماء يعبّر عن هذه القاعدة بتعبير أشمل، وهو أنهم يقولون ما لا يتم المشروع إلا به فهو مشروع؛ لأنّ المشروع يشمل الواجبات والمستحبات، وهذا أدق، فإنه ما لا يتم المشروع إلا به واجبا كان أو مستحبا فهو مشروع؛ يعني فهو واجب أو مستحب.
مثّل هنا بقوله (كالأمر بالصلاة فإنه أمر بالطهارة المؤدية إليها وإذا فعل يخرج المأمور عن العهدة ) إذا فَعل المأمور أو فُعل الأمر؛ يعني فُعل ما أمر به فإن المأمور يخرج عن العهدة؛ يعني يخرج عن التبعة فلا يخاطَب بذم يقع ما فعله مجزئا يقال امتثل الأمر. إذا فُعل فورا أو على التراخي؟ بحسب الخلاف الذي سبق، لكن الذي أُمر شيء ففعله أداء أو قضاء، يخرج من العهدة بعد فعله، ما فائدة هذا الكلام؟ فائدته أنه لو مات وقد خوطب بأمر فما الذي يجب؟ مأمور هو أن يؤدي الأمانات على أهلها قال جل وعلا ?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا?[النساء:58] مات عنده أمانة ولم يؤدها إلى أهلها، امتثل الأمر أو لم يمتثل؟ لم يمتثل، فلم يخرج من العهدة، يبقى عليه، فإن فعله مَنْ رواءه بأنْ أَدَّوا الأمانة التي عنده إلى من هي له، برئ من العهدة في قبره، وإن لم يفعلوا لُوحِق بذلك، مثل الدَّين وأنواع الكفارات، لهذا قال عليه الصلاة والسلام فيمن ماتت وعليها صيام ونذر، «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، من مات وعليه صيام إما صيام مطلق أو صيام نذر حسب الخلاف بين العلماء يصوم عنه وليه؛ لأنه ما برئ من العهدة، فهذا موقت بوقت، وهذا لم يؤده، فكان مخاطبا به لا يبرأ من العهدة حتى يفعله، إن فعله من بعده برئ، وإلا يكون مآخذا بذلك، بخلاف الأشياء التي وقتها طويل مثل الصلاة، مات بين الظهر والعصر، ولم يصلِّ الظهر، فليس عليه شيء؛ لأنّ الأمر ما توجَّه له على الفور في هذا الجزء من بين صلاة الظهر إلى حين وفاته لأنه فيه بقية، فلم يفعل، مثل المرأة الحائض في صلاتها، ولها أمثال كثيرة.
(9/55)
المقصود قال بعد ذلك ((تنبيه): من يدخل في الأمر والنهي ومن لا يدخل: يد خل في خطاب الله تعالى: المؤمنون.) مَنِ المخاطب بخطاب الله جل وعلا في القرآن أو في السنة؟ قال (يدخل في خطاب الله تعالى: المؤمنون.) من هم المؤمنون؟ يعني المكلفين: البالغ العاقل الذي بلغ سن التكليف. هذا هو الذي يدخل في الخطاب، فمعنى ذلك أنّ من هو دون سن البلوغ ليس مخاطبا بالتكليف، (يدخل في خطاب الله) يعني بالتكليف (المؤمنون).
استثنى قال (وأما الساهي والصبي والمجنون فهم غير داخلين في الخطاب.)، (الساهي) الذي سها عن أداء ما أُمر به، وها هنا ألفاظ متقاربة تكثر عند الأصوليين وعند الفقهاء منها النسيان؛ نسي، السهو؛ سها، يسهو، ومنها الغفلة؛ غفل عن كذا، فما الفرق بينها؟ نعم الساهي لا يؤاخذ، والناسي أيضا لا يؤاخذ، والغافل أيضا لا يؤاخذ؛ (1) لأن الجميع ما خالفوا قصدا للمخالفة، هذا ساهي، وذاك غافل، وذاك ناسي، والله جل وعلا يقول ? رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا? [البقرة:286]، وثبت في الصحيح أنّ الله جل وعلا قال «قد فعلت»، فلا يؤاخذ الناسي مثله الساهي.
النسيان يكون لشيء سبق العلم به، فلم يذكره في الحال يقول نسيتُ كذا. كان عالما به فنسيه، ولهذا قال بعض العلماء النسيان متعلق بما كان.
الغفلة تقابل النسيان، الغفلة متعلقة بما يكون، تقول غفلت عن هذا الشيء حتى صار وكان، غفلة عما يكون، والسهو بينهما يكون عما كان وعما لم يكن، يكون عما كان وعما لم يكن، لهذا في حديث ذي اليدين المعروف في قصة سهو النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ وهو عليه الصلاة والسلام سها، لهذا سمي سجود السهو؛ لأن النسيان، السهو يكون عما كان، وعما لم يكن، هنا عبر بالسهو؛ لأنه يشمل الأمرين، وبعض العلماء يقول الغفلة تشملها جميعا، وعلى العموم الخطب يسير، فالساهي -كما ذكرتُ لك- السهو يكون عن ذُكْرٍ وعن غير ذُكر؛ يعني عن تذكر ما ينبغي وعن عدم تذكر، سها عن الشيء؛ يعني غفل عنه، ما يدري عن أصله، أو يكون على ذكر منه ثم نسيه سَهَا عنه مثل ما مثلتُ لك فقوله: وأما الساهي يدخل فيه الناسي ويدخل فيه الغافل، كل هؤلاء غير مخاطبين، لما؟ لأنّ الله جل وعلا خاطب من يعقل؛ من يتقبل الأمر، وهؤلاء في تلك الحال ليسوا متقبلين للأمر.
__________
(1) انتهى الوجه الأول من الشريط الثالث.
(9/56)
(والصبي) الصبي هو من لم يبلغ، وهذا كما جاء في حديث علي وغيره المروي في السنن، الحديث في الصحيح إنه عليه الصلاة والسلام قال «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام أو قال الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يُفيق» فهذا الصبي، من لن يبلغ أيضا لا يدخل في التكليف.
(المجنون) أيضا لا يدخل في التكليف، لهذا قال (هم غير داخلين في الخطاب).
إذا تقرر ذلك، فهاهنا مسائل مهمة تتبع ذلك، هل كل نسيان وسهو لا يؤاخذ به العبد أم أنّ النسيان والسهو قد يؤاخذ به العبد؟ فالجواب أنّ ما خاطب الله جل وعلا به المؤمنين على أقسام:
منه ما هو أوامر يجب امتثالها؛ صلاة يجب أن تؤدى، شرط يجب أن يؤتى به، ونحو ذلك.
ومنه ما هو مناهي؛ متروكات يجب تركها والانتهاء عنها.
( فإذا نسي ما أمر به، لم تبرأ عهدته بالنسيان، فإذا تذكر وجب عليه أن يأتي به، كما قال عليه الصلاة والسلام «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» هو قد أدى الصلاة، وبعد الصلاة قال: تذكرتُ أني صليت على غير طهارة. فيقال له: أنت كنت ناسٍ للطهارة، ونعم الناسي غير داخل في الخطاب، لكن لا يبرأ إلا بفعل الأمر، لا إثم عليه، لكن الأمر هذا لابد أن تمتثله، فصلاتك غير صحيحة؛ لأن الطهارة مأمور أنت بها، فإذن إذا كان النسيان والسهو عن أوامر، فإنه لا تبرأ العهدة إلا بها، نسي الطهارة، نسي تعدى الميقات؛ ميقات الإحرام غير محرم ناسيا، هنا نقول يجب عليك أنْ ترجع وتحرم من موقعك؛ لأنك مأمور به، ترك طواف الإفاضة ناسيا لا بد أن تطوف، أنت باق على إحرامك، ما رميت الجمرة الكبرى نسيانا، نسيتَ ما تذكرتَ إلا بَعْدِينْ لابد أنت مخاطب بذلك، هذا قسم.
(9/57)
( القسم الثاني منهيات طلب الشارع من المكلف أنْ يتركها، فهذه إذا نسيها فإنها منهيات؛ متروكات، والله جل وعلا رفع الجناح، ورفع الإثم عن الناسي، فهذه إذا تركها عن نسيان فإنه ليس عليه شيء على الصحيح، مثال ذلك لو مثلا حلق شعره وهو محرم ناسيا، نقول هذا مطلوب الانتهاء عنه، مطلوب تركه، فلا يجب عليه، ما ذا نقول ليس عليك كفارة ولا غيره؛ لأنك فعلت ذلك عن نسيان، وهذا من المنهيات، تكلَّم في الصلاة ناسيا، حمل في الصلاة النجاسة ناسيا، النبي صلى الله عليه وسلم حمل نجاسة لا يعلم ما هي جاهلا بها، حتى نبّهه جبريل بذلك، فلم يُعِد أول الصلاة، كذلك قال لمعاوية بن الحكم حينما تكلم في الصلاة قال له «إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل وذكر الله» فلم يأمره بالإعادة، استفاد العلماء من ذلك أنّ النّاسي إذا نسي منهيا عنه، فإنه لا جناح عليه لأنه رفع عنه.
فإذن في النسيان هناك قسمان:
قسم مأمورات: فهذه لا بد أنْ يأتي بها لا يبرأ الناسي من العهدة إلا بالإتيان بها، فإذن عدم مؤاخذة الناسي بأنه لا إثم عليه فيما ترك من الإتيان بالأمر.
النواهي: أنه لا يؤاخذ بها وليس عليه أن يعيد العبادة أو نحو ذلك.
(الصبي) الصبي غير مخاطب، هل معنى ذلك أنه لا يؤمر بأداء شيء من العبادات؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنّ الصبي لم يؤمر هو، إنما الذي أُمر هو وليه، قال عليه الصلاة والسلام «مروهم بالصلاة لسبع» فأمر الأولياء أن يأمروا الصبيان، أما الصبي؛ من دون البلوغ فهو لو ترك صلاة فهو غير مؤاخذ بذلك، فإذا فعل فالأجر له ثابت ولوليه؛ لمن أمره بذلك، وهذه لها تفاصيل يضيق المقام عنها.
قال (والمجنون) أيضا المجنون غير مخاطب بالتكليف، لو مات الصبي أو مات المجنون، فما حكمه؟ ابحثوا الجواب لأنه باقي .... (1)كثيرة .
__________
(1) كلمة غير واضحة.
(9/58)
قال (والكفار مخاطبون بفروع الشريعة) (الكافر) مخاطب بالإسلام أولا، ومخاطب بكل ما خوطب به المؤمنون؛ مخاطب بالصلاة، مخاطب بالزكاة، مخاطب الحج، مخاطب بالصوم، مخاطب بأن يترك الزنا، بأن لا يشرب الخمر، بأن لا يأخذ الربا، كل فرع من فروع الشريعة فهو مخاطب به، هو مخاطب بالإسلام أولا، وبكل فرع الشريعة، وهذا هو الصحيح أن الكفار مخاطبون، وذلك لقول الله تعالى ?وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ(6)الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ?[فصلت:6-7] فتوعدهم بهذا الوصف، فتوعدهم بالنار لهذا الوصف؛ لأنهم لا يؤتون الزكاة، وكذلك قال جل وعلا ?سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ?[المدثر:42-43].وهي من الفروع وهكذا.
ما معنى كونِ الكافر مخاطب بفروع الشريعة؟ معناه أنه يعاقب على تركه للإسلام الذي هو الأصل، ويعاقب على تركه لكل فرع من فروع الشريعة، فالكافر يجتمع عليه أنواع من المخالفات، قد يكون يستدل بعقله أو بحسنٍ على بعض أوامر الإسلام، فيأتي بالأخلاق الحسنة، يصدق الحديث لا يكذب، لا يرابي، لا يزني ونحو ذلك، فيكون عقابه دون عقاب الكافر الذي لم يأتِ بالإسلام ولم يأتِ بهذه الأوامر.
فإذن (الكفار مخاطبون بفروع الشريعة)، المخاطبة هذه يظهر أثرها في الآخرة، أما في الدنيا فلا أثر لها، يعني لا يلزم الكافر بأن يصلي، أنا كافر يُقال صلِّ، أنا كافر يُقال زكي، لا، لا يخاطب بذلك، وإنما أثر هذا الخطاب يظهر في الآخرة، إلا ما كان في باب الأمر والنهي فإنه لا يجوز للكافر أن يظهر المحرمات في دار الإسلام كما هو مبين في محله. ذكر الدليل قال (لقوله تعالى: ?سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ?[المدثر:42-43]).
(9/59)
قال(والأمر بالشيء نهي عن ضده, والنهي عن الشيء أمر بضده.) طبعا الأمر هذا يشمل الواجبات ويشمل المستحبات، الأمر الواجب والأمر المستحب للشيء نهي عن ضده، وكذلك النهي المحرم أو المكروه، أمر لضده، وبعض العلماء يعبر بتعبير آخر هو أحسن من هذا، يقول الأمر بالشيء نهي عن أضداده، والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده. وهذه هي العبارة الصحيحة؛ الأمر بالشيء نهي عن أضداده جميعا؛ لأنه هنا يقول (نهي عن ضده) يُحمل على أنه يريد جنس الضد، إذا كان له ضد فهو نهي عن هذا الضد، إذا كان له أضداد فإنه نهي عن الأضداد جميعا، (والنهي عن الشيء) إذا نهى الشارع عن شيء فإنه أمر بأحد أضداده، مثال ذلك الأمر بالشيء نهي عن أضداده، الأشياء كل شيء في الغالب له ضد، وقد يكون للشيء أضداد، مثلا القيام في الصلاة «صل قائما»، ?وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ?[البقرة:238] هذا أمر بالقيام في الصلاة، أليس كذلك؟ ما أضداد القيام؟ كثيرة: القعود، الجلوس، على جنب، الاستلقاء. له أضداد كثيرة، فلما أمر بإقامة الصلاة أو بالصلاة قياما، علم من ذلك أنه نهي عن أداء الصلاة على كل الأضداد، فلو قال قائل الأمر بالصلاة قائما يُخرج ضد واحد وهو قاعد، نقول هذا غلط؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن أضداده، تصور أضداده جميعا، فيكون الأمر بالشيء نهي عن جميع الأضداد، بهذا في حديث عمران قال «صَلّ قَائِماً, فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً, فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» لأن القاعد وعلى جنب من أضداد القيام، ولو كان القيام له ضد واحد، لقال صل قائما فإن لم تستطع فبضده، أو فإن لم تستطع فقاعدا وتكفي، لكن له أضداد، فبين أنّ المسألة في الصلاة أنه يجب القيام، فإن لم يكن مستطاعا يجب القعود، فإن لم يكن مستطاعا فعلى جنب، فإن لم يكن مستطاعا فكذا وكذا.
(9/60)
الحال الثانية قال (النهي عن الشيء أمر لا بضده) وقلنا أنّ الأحسن والأَوْلى أنْ يُقال أن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، مثاله قال تعالى ? وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا?[الإسراء:32] نهى عن الزنى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) عدم غشيان الزنا وفعل الزنا والعياذ بالله، عدم غشيانه له أضداد، صحيح؟ ما أضداد فعل الزنا؟ الزواج واحد، ملك اليمين اثنين، نكاح الأمة ثلاثة، الصيام، الاستعفاف، الصبر، له أضداد ، فنهى عن الزنا، فهل النهي عن الزنا أمر لجميع تلك الأضداد، ليس كذلك، ولهذا قال العلماء، النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، لك الخيار، نهاك عن شيء، فهذا النهي مضمن الأمر لأحد تلك الأضداد، لكَ أن ... (1) لك، أن تنكح أمة ، لك أن تتزوج، لك أن تصبر؛ أن تستعف ، لك أن تصوم، أمر بأحد أضداده، ظاهر؟ وهكذا، والأمثلة على هذا كثيرة.
يضبط لك القاعدة أنّ الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده.
لا حظ أن هذه الاستفادة ليست من اللفظ، يعني الأمر بالشيء نستفيد منه النهي عن أضداده جميعا لم نستفدها من الأمر من اللفظ افعل، لتفعل، عليك، أن تفعل، إنما استفدناه من معنى الأمر؛ لأنه مقتضى أنه أمر مقتضاه أنه ينهى عن أضداده جميعا، معنى الأمر النهي عن الأضداد.
فإذن نقول هذه القاعدة مستفادة من مقتضى الأمر لا من لفظ الأمر، وهذا تعبير العلماء يقولون هذه القاعدة مستفادة من المعنى لا من اللفظ.
أصلح الله حالي وحالكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(((((
3-(النهي)
والنهي: استدعاء الترك بالقول. ممن هو دونه على سبيل الوجوب ويدل على فساد المنهي عنه.
ويرد صيغة الأمر والمراد به: الإباحة, أو التهديد, أو التسوية, أو التكوين.
المتون، ما أحسن قول الشاعر فيها:
غيري جنى وأنا المعذب فيكم فكأنني سبابة المتندم
المتن كلمات سهلة؛ يعني كلمتين أو ثلاث؛ لكن كل كلمة لها تفصيلات، ولهذا من فوائد المتون في استيعابها أو فهمها وتقريرها أو شرحها، من فوائدها أنها تعوّد الذهن على الدقة والضبط، بخلاف القراءة في الكتب المطولة فإنها تعوّد الذهن على أن تكون الأفكار سائحة، ما يدري من أين يبتدئ وما يدري أين ينتهي، عند الضبط والتحليل المتون، العلماء من قديم يعتنون بها لأن من فوائد العناية بها أن الذهن ينبني بناء خاصا...
__________
(1) كلمة غير واضحة.
(9/61)
يقال فلان قرأ فتح الباري، قرأ صحيح مسلم، قرأ، ما تجد هذه، لما؟ لأن هذه المتون الصغيرة القصيرة، هذه إذا شُرحت بحقها، وكان الطالب عنده استعداد لتقبل الشرح، يَبني ذهنه لدقة الأخذ ودقة التعبير عن المسائل؛ كل كلمة لابد لها معنى، وإذا بني ذهنه على هذا الفهم، أيضا يتبع ذلك بناء اللسان، لسانه، تفكيره، دقته في نظره، وتركه وتفسيره للأشياء، حتى في علاقاته مع الآخرين، ونظرته للأمور يكون عنده شيء من الدقة، وهذه من الفوائد التي من أجلها اهتم العلماء بهذه المتون القصيرة، ليس فقط لأنها متون قصيرة يمكن أن تنهى بسرعة، لا؛ ولكن لأجل أنّ شرحها يعوِّد الطالب على أنّ العلم ليس بكثرة الكلام، العلم مركّز؛ كلمة، وهذه معانيها، تفصيلها يكون على هذا النحو، أما من جهة الكلام فإنه سهل؛ أي واحد منكم، والحمد لله الآن انتشرت القراءة، والكتب موجودة، ممكن يقرأ باب كامل ويأتي ويلقيه، لكن هذا ما يكون مرتّبا، ما يكون دقيقا، تجد أنه عنده معلومات؛ لكن غير مرتبة، سائحة بعضها من هنا، وبعضها من هنا، لهذا بالمناسبة لما انتقل الأخ للعام نقول أن النهي، الكلام على النهي ربما طال، نعم، هي كم؟ سطرين تقريبا ولكنها فيها كفاية إن شاء الله.
(النهي)، النهي:
أصله في اللغة الترك، أنهاك عن كذا؛ يعني آمرك بالترك، انتهي؛ أترك ?انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ?[النساء:171] يعني أتركوا ذلك خيرا لكم.
أما في الاصطلاح يعني اصطلاح الأصوليين، فلهم في تعريف النهي تعريفات كثيرة، منها تعريف صاحب الورقات حيث قال(النهي: استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) مقابل للأمر، تذكرون أنّ الأمر عرَّفه بقوله (استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب).
(النهي استدعاء الترك) يعني طلب الترك بالقول، يطلبه الأعلى من الأدنى على سبيل الوجوب، هذا تعريف صاحب الورقات، وقد ذكرتُ لكم في الأمر أنّ هذا التعريف فيه مؤاخذة.
والأحسن منه والأصح أنْ يُقال: إنَّ النهي استدعاء الترك ممن هو دونه على وجه الاستعلاء. فنخرج (بالقول) نترك كلمة (بالقول) لأنه قد يكون النهي بالكتاب أو بالإشارة فيدل على النهي الجازم أو غيره، ونترك أيضا (على سبيل الوجوب)، ونقول على وجه الاستعلاء؛ لأنه قد يكون للتحريم، وقد يكون للكراهة.
(9/62)
صيغة النهي (لا تفعل) لأن صيغة الأمر المشهورة (افعل) وصيغة النهي المشهورة (لا تفعل)، وهناك صيغ أخر هي التحذير (احذر أن تفعل) كقوله تعالى ?فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?[النور:63]، قال العلماء إنّ كل مسألة من مسائل الأمر ثَم مسألة على وِزَانها من مسائل النهي؛ لأن النهي نقيض الأمر مقابل له:
فمثلا في الصيغة: الأمر له صيغة النهي له صيغة؛ صيغة الأمر (افعل) صيغة النهي (لا تفعل).
الأمر استدعاء الفعل، النهي استدعاء الترك.
الأمر يقتضي الفور، والنهي أيضا يقتضي الفور.
الأمر يخرج بفعله عن العهدة، والنهي يخرج عن العهدة بالانتهاء عنه.
وهكذا فكل مسألة من مسائل الأمر يأتي مسألة على وِزَانها للنهي، لهذا صار فهم الكلام على باب النهي في الأصول ينبني بناء على فهم مسائل الأمر.
من المسائل الجديدة، أو نقول لما صار النهي يقابل الأمر، لما صار مسائل النهي مثل مسائل الأمر، لما؟
لأن حقيقة الأمر طلب للفعل، وحقيقة النهي طلب لعدم الفعل، فكلاهما طلب، وكلاهما فيه إلزام، وفيه استعلاء واستدعاء، ممن؟ مِنَ الأعلى إلى من هو دونه، لكن هذا طلب بالفعل، وذلك طلب لعدم الفعل.
ففي الحقيقة كل منها قريب من الآخر، لكن اختلفا في المعنى، فصار هذا أمر لأنه يُطلب منه الفعل، وهذا صار نهي لأنه يُطلب منه الترك، لهذا ظاهر لديك من التعريف أنه يقابل الأمر.
يقول بعد ذلك (ويدل) يعني النهي (على فساد المنهي عنه) هذه المسألة من مسائل الأصول العظيمة، وهي التي يسميها العلماء بقولهم: النهي يقتضي الفساد. يقول هنا (ويدل على فساد المنهي عنه.) وهذا أيضا مما يقابل فيه النهي الأمر؛ لأن الأمر يدل على صحة المأمور به، مقابله النهي يدل على فساد المنهي عنه.
ما معنى قوله (على فساد المنهي عنه.)؟ يعني أنّ هذا المنهي عنه لا يُعْتَدُّ به إن كان من العبادات، ولا ينفذ إن كان من العقود ونحوها، (على فساد) يعني على عدم صحة ذلك؛ الفساد يقابل الصحة، صحيح؟ لأن:
الصحة ما يتعلق به النفوذ ويعتد به شرعا.
والفساد ما لا يتعلق به النفوذ أو الفاسد ما يتعلق به النفوذ ولا يعتد به ؛ الذي هو الباطل كما مر معنا.
(9/63)
إذن قوله (ويدل على فساد المنهي عنه.) يعني أنّه لا يعتد بالعبادة ولا ينفذ العقد، هذه الكلمة وهي أن النهي يقتضي الفساد، من المسائل المشهورة في الأصول، وصُنِّفَ فيها مصنفات، ومن أجمعها كتاب للعلائي الفقيه الشافعي المعروف سماه ”تبيين المراد في أن النهي يقتضي الفساد“.
والعلماء في هذه المسألة مختلفون:
( فمنهم من يحكم على المنهي عنه بالفساد مطلقا، على أي جهة كان، وهذا قول ينسب للإمام أحمد، وهو قول الظاهرية، يعني أنّ الشارع إذا نهى عن شيء فإذا فعل المكلف ذلك الشيء فإنّ فعله له فاسد، نهى عن الصوم يوم العيد، فإن صام صار صيامه فاسدا، نهى عن الصلاة وقت النهي فإنْ صلى وقت النهي صارت صلاته فاسدة؛ لأنّ الصلاة في هذا الوقت منهي عنه، نَهى عن الربا؛ فإن عَقَدَ عَقْدَ ربا صار هذا العقد فاسدا، وهكذا من أهل العلم من قال -وهم الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد- أنّ النهي على أي جهة كان؛ يعنى سواء لعين المنهي عنه، أو ركنه، أو شرطه، أو كان لوصفه الملازم، أو كان لوصفه غير الملازم، فإنه يدل على فساد المنهي عنه، سيأتي إيضاح ذلك.
( يقابل هؤلاء طائفة من الفقهاء والعلماء، قالوا إنّ النهي يقتضي الفساد، ويدل على فساد المنهي عنه، لكن في حال واحدة وهي إذا كان النهي لعين الشيء، أما إذا كان النهي للوصف، فلا يحكم بالفساد، يحكم بالصحة وفساد هذا الوصف، وهذا قول الحنفية، وسيأتي إيضاح للأقسام.
( وقال آخرون النهي إذا تعلق بعين المنهي عنه أو بوصفه الملازم فإنه يدل على فساد المنهي عنه، وهذا قول الشافعية وطائفة من الحنابلة وقول كثير من الفقهاء.
(9/64)
[جواب على سؤال] الحنفية يقولون النهي يدل على فساد المنهي عنه في حالة واحدة، وهي أنه إذا كان النهي متعلق بعين المنهي عنه، مثل ?لَا تَقْرَبُوا الزِّنَى?[الإسراء:32] بعينه ليس بوصفه، أما إذا كان النهي بوصفه مثل الربا، الربا ما نهي عن البيع، إنما نهي عن هذه الزيادة، فيقولون الأصل صحيح، ولكن هذا الوصف هو الفاعل، يفرقون ها هنا بين صحة الأصل؛ الوصف، لأن عندهم أنّ النهي عن الربا، مثلا –أنا كنت سأوضح هذا بعد قليل الأقسام من جديد، لكن أتى لذكر الأخ- في الربا، مثلا البيع أصلا صحيح، الزيادة محرمة؛ يعني لو أراد عندهم لو أتى عند القاضي؛ القاضي حنفي، ماذا يقول؟ يقول العقد صحيح، لكن هذه الزيادة باطلة، فيلزم ممن أخذها أنْ يُرجعها للآخر، عندنا من يقول يدل على الفساد سواء لعينه أو لوصفه الملازم أو لأمر خارج عنه متصل إلى آخره -كما سيأتي-، فهذه عندهم يقول أصلا العقد باطل؛ العقد ربوي، يقول العقد أصلا باطل؛ لأنه عقد ربوي والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الربا، والله جل وعلا حرم الربا، فالربا منهي عنه، والربا وصف ملازم للبيع؛ لأن البيع ما أريد للبيع، أريد لهذه الزيادة فصار وصفا ملازما له، فلهذا يدل على فساد العقد جميعا، فيقول الأصل فاسد أمات أولئك فيصححون العقد، وطبعا تصحيح العقد وعدم تصحيحه له آثاره الأخرى.
( إذا تبين ذلك، فهناك قول رابع يتضح به المقال، وتبين به المسألة، وأيضا هو القول الصحيح، وهو أن النهي يقتضي الفساد، ويدل على فساد المنهي عنه إذا كان النهي متعلقا أو راجعا لعين المنهي عنه، أو لركنه، أو لشرطه، أو لوصفه الملازم.
أولا: لعينه.
ثانيا: لركنه.
ثالثا: لشرطه.
رابعا: لوصفه الملازم.
وهذا في الحقيقة ظاهر، وبيّن وبه تتضح المسألة؛ لأن مسألة النهي يقتضي الفساد، لو قرأت عنها في كتب الأصول، فلن يعلق منها بذهنك كثيرا، السبب في ذلك هو أن كلامهم فيها غير واضح؛ لأنهم يقولون راجع لعين المنهي عنه، لوصفه الملازم، لوصفه المنفصل، لشرطه، فيها نوع غموض، لكن إذا قسمتها: عينه، ركنه، شرطه، وصفه الملازم.
بقي لفهم المسألة أن نفهم ما هو عين المنهي عنه؟ ما هو ركنه؟ ما هو شرطه؟ ما هو وصفه الملازم؟ إذا أتضح ذلك أتضح الأصل، وهو أنه يدل على فساد المنهي عنه إذا تعلق بعينه.
(9/65)
يأتي السؤال الآن هنا، ما معنى عين الشيء؟ الجواب إذا كان النهي لم يقيَّد بصفة للشيء، وإنما نهي عن الشيء نفسه، كما في قوله جل وعلا ?لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ?[لقمان:13] (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) نهى عن الشرك، فهذا نهي عن عين الشرك، فيدل على فساده، وأنه لا يعتد به، قال جل وعلا ?لَا تَقْرَبُوا الزِّنَى?[الإسراء:32] (الزِّنَى) منهي عنه، هل نهي عن وصف متصل بالزنى؟ لا عن الزنى نفسه، هذا النهي عن عين الشيء .
نهي عن ركنه يعني نهي عن الشيء باعتبار ركنه، مثلا الصلاة لها أركان، البيع له أركان، فمِن أركان البيع -إيش أركان البيع؟ القبول، الإيجاب، العاقدان، صحيح؟ قبول، وإيجاب، وعاقدان؛ بائع ومشتري، ومثمَن، هو القبول، الإيجاب، والصيغة، أربعة؛ قبول وإيجاب، عاقدان، بائع ومشتري، ومثمن.
بالمناسبة نذكر لكم إيش معنى الركن، كيف تفهم الركن؟ أركان الشيء هل تحفظها حفظ؟ إذا حفظتها فهذا طيب، لكن الأركان أخذها العلماء بالاستنباط، الركن ما تقوم عليه ماهية الشيء، والماهية هي ما يصلح جوابا لسؤال ما هو؟، لو سألك سائل ما هو البيع؟ البيع واحد بيشتري الثاني بيبيع، فيه سلعة مع البائع، يقوم المشتري يقول بِعْنِي، وذاك يقول شريت، صحيح؟ هذا حقيقته، لو قال ما هو البيع؟ فهذا جوابه، هذه ماهية البيع، الماهية هي الأركان في جميع العقود تستمر عليها، وفي غير العقود أيضا، الأركان هو ما تقوم عليه ماهية الشيء، والماهية ما يصلح جوابا لسؤال ما هو؟، البيع الآن هناك مثمن، هذا المثمن من الأركان، صحيح؟ المثمن لنفرض أنه دم، أو لحم خنزير، أو نحو ذلك، فباع لحم خنزير، أو باع دَمًا، أليس هذا المثمن من الأركان، صحيح؟ من الأركان، فالشرع نهى عن هذا عن بيعه؛ عن بيع الدم وعن بيع لحم الخنزير ونحو ذلك.
فإذن النهي هنا جاء عن أي شيء؟ عن ركن من الأركان، فيدل على فساد المنهي عنه؛ يعني على أنّ البيع لم يقم، لما؟ لأنّ حقيقته ما دام الشرع نهى عن أن يكون هذا الشيء ركنا، يعني على أن يكون الدم أحد الأركان، يعني هو المثمن، فكأنه غير موجود، فمعنى ذلك ما قامت الأركان، صحيح فما قامت حقيقة العقد.
الشرط مثل الصلاة مثلا «لاَ يَقْبَلُ الله صَلاَةَ أحَدِكُم إذَا أحْدَثَ حَتّى يَتَوَضّأَ» هنا نهى عن الصلاة إلا بالطهارة، الطهارة شرط في صحة الصلاة، فصار النهي عن الصلاة لعدم توفر الشرط، فدل على فساد المنهي عنه إلى آخره. وهذا واضح.
(9/66)
نأتي للرابع وهو الوصف الملازم وهناك بعض العلماء يقسم الوصف ها هنا إلى قسمين تحقيقا: إلى وصف ملازم، ووصف غير ملازم؛ وصف منفصل:
الوصف الملازم الذي يلازم النهي؛ يعني أتى النهي عن عين المنهي عنه لا لأجل عينه، ولكن لأجل وصفه، مثاله قال جل وعلا ?لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى?[النساء:43] فنهى عن الصلاة، فعل هذا النهي يدل على فساد الصلاة مطلاقا؟ لا؛ لأنه لم ينهى عن الصلاة بعينها، وإنما نهى عن الصلاة بهذا الوصف الذي لازمها حين النهي، قال (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) فإذن هذا وصف ملازم، فمن كان حال صلاته قد لزمه وصف السكر توجه له هذا النهي، فصارت صلاته فاسدة.
بخلاف الوصف المنفك مثل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبس الحرير، حرَّم على الرجال أن يلبسوا الحرير، هذا الحرير هل هو مرتبط بالصلاة، هو وصف، نعم من حيث أنه سترة، هو وصف من أوصاف الصلاة لكن منفك عنه يعني يمكن أن ينفك عن هذا الوصف، فلهذا بعض العلماء قال إنّ الصلاة في ثوب الحرير تجوز لأنه يمكن الإنفكاك عنه، وأما الوصف الملازم، فلا يصح؛ لأنّ النهي عنه يدل على الفساد، ولهذا دخلوا في الكلام على الصلاة في الأرض المغصوبة، باعتبار أنّ الأرض المغصوبة، أنها وصف ملازم ما ينفك، لأنه يشغل هذه البقعة:
بعضهم يقول أنه وصف ملازم له، وصلاته في الأرض المغصوبة حرام فهذا وصف ملازم لها أثناء صلاته.
قال آخرون ليس لذلك، لكن لأجل أنّ البقعة شرط رجع النهي إلى الشرط، فدل على فساد المنهي عنه.
إذن تحرر لدينا أن النهي يدل على فساد المنهي عنه إذا كان النهي راجعا لعينه، ركنه، شرطه، وصفه اللازم.
(9/67)
قال بعض العلماء وهو مذهب الحنابلة: أو لأمر خارج عنه لا عليه. مثل قوله تعالى ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ? [الجمعة:9] نهى عن البيع بعد النداء، فهل (1) البيع عين النداء هنا هل البيع منهي عنه أصلا؟ لا، فإذن النهي هنا طارئ، هل هو طارئ لصفة فيه؟ لا، لكن لأمر خارج عنه، وهو النداء، وهذا هو مذهب الحنابلة، وهو قول قوي؛ لأن النهي إذا كان لأمر خارج عنه لا عليه فإنه يدل على فساد المنهي عنه، نهى عن البيع بعد الأذان؛ حال الآذان دلّ على أنه لو حصل تعاقد فسد، وهذا مذهب الحنابلة، وأما الشافعية فيصححون البيع في هذه الحال.
المقصود من هذا أنّ مثلا في العقود طبعا يدل على فساد المنهي عنه، فيه بعض العلماء تذكرت قولا يقول أن هناك فرق بين العبادات والمعاملات، فالنهي يدل على فساد المنهي عنه في العبادات، أما في المعاملات فلا يدل على فساد المنهي عنه ويستدلون على ذلك بقوله؛ يعني دليل هذه القاعدة ما هو قوله عليه الصلاة والسلام «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رَدٌّ) يعني مردود باطل، (لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا) بمفهومها أو عليه نهينا، يعني فعل من غير أمر، لم يؤمر بهذا الفعل، فعل من عند هوى نفسه، صار مردودا باطلا، أو فعل ما نهي عنه صار فعله فاسدا باطلا، على كل حال فيها مؤلَّف -تحقيق المراد بأنّ النهي يقتضي الفساد- هذا مطبوع، القاعدة مهمة فيها خلاف كبير بين العلماء.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 11:45 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com