ومن الحالات التي يسن تأخير الصلاة عن أول وقتها ، صلاة الظهر في شدة الحر والدليل ما ذكره المؤلف من قوله r (إذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحرّ من فيح جهنم ) . متفق عليه
وهذا مذهب جمهور العلماء : أنه يستحب الإبراد .
[ فابردوا بالصلاة ] أي أخروها عن ذلك الوقت وأدخلوا بها في وقت الإبراد ، وهذا الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر [ فيح جهنم ] شدة حرها وشدة غليانها .
§يكون الإبراد إلى قرب وقت العصر فهذا الذي يحصل به الإبراد، قال الشيخ ابن عثيمين : ”فإذا قدرنا أن الشمس في أيام الصيف تزول الساعة [12] وأن العصر يؤذن الساعة الرابعة والنصف ، يكون الإبراد إلى الساعة [4] تقريباً“ .
§اختلف العلماء في معنى كون شدة الحرّ من فيح جهنم .فقيل : أن في الكلام تشبيهاً ، والمعنى أن شدة الحر تشبه نار جهنم ، وهذا غير صحيح لأنه خلاف ظاهر الحديث ، وقيل : إن شدة الحر فعلاً ليست من الشمس بل من النار ، وهذا غير صحيح ، لأنه مكابرة للحس والواقع ، وقيل : إن لشدة الحر سببين : سبب شرعي ، وسبب طبيعي ، فالسبب الطبيعي من الشمس ، والسبب الشرعي فهو من حر جهنم ووهجها ولا مانع من أن يتزامن السببان ، وقيل : هو على ظاهره ، قال النووي : ”هو الصواب ، لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته“ .
§ظاهر الحديث عدم الفرق بين الجماعة والمنفرد ،وقال أكثر المالكية : الأفضل للمنفرد التعجيل .
قال الشوكاني : ”والحق عدم الفرق ، لأن التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع يستوي فيه المنفرد وغيره“ .
§قال ابن رجب في شرح البخاري : ”اختلف في السبب الذي من أجله أمر بالإبراد : فمنهم من قال : هو حصول الخشوع فيها ، فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة ، ومنهم من قال : هو خشية المشقة على من بَعُدَ من المسجد بمشيه في الحرّ ، ومنهم من قال : هو وقت تنفس جهنم ، فلا فرق بين من يصلي وحده أو جماعة“ .
م/ وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَوْرًا مُرَتِّبًا .
---------------------------
أي : أنه من فاتته صلوات فإنه يجب عليه قضاؤها .
§فاتته : الفائتة كل عبادة خرجت عن وقتها سواء كانت نفلاً كالوتر ، أو فرضاً كالصلوات الخمس .
وسمي قضاءً لأنه فعل العبادة بعد خروج وقتها ، والدليل على أنه يجب قضاء الصلاة الفائتة :
حديث أنس قال : قال رسول الله e : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) واللام للأمر والأمر للوجوب ، فدل على وجوب المبادرة بقضاء الصلاة الفائتة . وربما يستدل لذلك بقوله تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) أي لتذكري .
ولأن هذا الإنسان الذي فاتته العبادة شغلت ذمته بها فوجب عليه قضاؤها ، لأنها كانت ديناً عليه .
والنبي e قضى صلاة الفجر حين نام عنها في السفر .
قال الشوكاني : ”الحديثان يدلان على وجوب فعل الصلاة إذا فاتت بنوم أو نسيان ، وهو إجماع“ .
§أن الصلاة الفائتة تقضى على صفتها ، لأن القضاء يحكي الأداء .
§وقوله : ( فوراً ) أي يجب أن يقضيها مباشرة من حين أن يتذكرها .
للحديث السابق : ( ... فليصلها إذا ذكرها ) ، فهذا يدل على أنها تقضى فور الذكر .
§فإن قال قائل : ما الجواب عن الحديث الذي فيه : أن النبي e نام وأصحابه عن صلاة الفجر ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس ، فلم يصلها e مباشرة بل قال : ( تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ) وفي رواية : ( أمر بالارتحال وقال : فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ) .
والجواب : أن هذا ليس فيه دلالة على التأخير المستمر ، لأن حديث أنس : ( من نام عن صلاة ... ) نص صريح في الوجوب على الفور ، وأما هذا الحديث فمحمول على التأخير اليسير الذي لا يصير صاحبه مهملاً معرضاً عن القضاء ، وخاصة أنه جاء في الحديث بيان السبب ، هو : ( أن هذا مكان حضرنا فيه الشيطان ) .
§وقوله ( مرتبة ) أي يجب قضاء الصلوات الفائتة مرتبة .
فإذا كان عليه خمس صلوات ؛ بدأ بالظهر ، ثم العصر ، ثم المغرب ، ثم العشاء ، ثم الفجر .
والدليل على وجوب ذلك : حديث أنس السابق : ( ... فليصلها إذا ذكرها ) فهذا يشمل عين الصلاة وكيفية الصلاة ، وكذلك يشمل مكان الصلاة ، وإذا شمل مكانها لزم أن يكون في موضعها الترتيبي ، فمثلاً الظهر يصلها ما بين الفجر والعصر
ولحديث جابر : ( أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار قريش ؛ وقال : يا رسول الله ، ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ، فقال النبي e : والله ما صليتها ، قال : فقمنا فتوضأ للصلاة فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب ) . متفق عليه
وكان النبي e في الجمع يجمع بين الصلاتين ، فيبدأ بالأولى . ويمكن أن يستدل بحديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .
§وظاهر كلام المصنف : ( ومن فاتته صلاة وجب عليه قضاؤها ) أنه لا فرق بين المعذور كالنائم والناسي ، وغير المعذور ، وهو المتعمد ، وهذا مذهب جماهير العلماء ؛ أن المتعمد بتأخير الصلاة فإنه يقضيها لكنه آثم ( وسبقت المسألة وأن الراجح أنه لا يقضيها ) .